أزمةٌ جديدةٌ تواجه الغزيين: لا قبورَ كافية لدفن الشهداء
يواجه الفلسطينيون أزمة كبيرة في العثور على قبور كي يدفنوا شهداءهم فيها، بعدما دمّر الاحتلال الإسرائيلي جزءاً كبيراً من المدافن، فضلاً عن ارتقاء أعداد كبيرة من الشهداء بشكل يومي نتيجة استمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
تقول راما كراز (24 عاماً) من حي الشجاعية، أن عائلتها واجهت أزمة كبيرة عندما أرادت دفن أخيها الشهيد، وتقول في حديث إلى «الأخبار»: «عثرنا على جثمان أخي الشهيد بعد عام من فقدانه وهو يحاول العودة من جنوب القطاع إلى مدينة غزة عبر شارع البحر، ويظهر من خلال الفتحة التي في جبينه أنه تم إعدامه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد».
وتوضح الفتاة أن والدها وإخوانها لم يجدوا متسعاً في أيٍّ من المقابر المتواجدة في مدينة غزة «والتي تكدست فيها جثامين الشهداء والموتى»،مضيفةً «بعد بحث كبير ومضنٍ، وجدنا مقبرة خاصة بإحدى العائلات الفلسطينية، سمحت لنا بدفن أخي الشهيد».
وتستدرك «لم نكد نرتح من عناء البحث عن قبر حتى واجهتنا معضلة أخرى، ألا وهي بناء القبر، فلم نستطع توفير أي من مواد البناء لشحها وارتفاع أسعار ما توافر منها»، وتضيف «أخيراً تم دفن جثمان أخي في قبر مؤقت حتى تنتهي الحرب ونستطيع بناء قبر جيد لا يمكن أن تجرفه السيول في حال حدوث منخفضات وهطول أمطار غزيرة».
لا يختلف حال أبو محمد العوضي (42 عاماً) من حي الشيخ رضوان، عمّن سبقته، ويقول لـ«الأخبار»، إنه بحث كثيراً عن قبر يواري فيه جثمان شقيقه الثرى، الذي استشهد إثر استهدافه بصاروخ طائرة استطلاع.
ويوضح أبو محمد أنه اضطر في نهاية الأمر إلى حفر قبر والده ومواراة جثمان شقيقه الشهيد أحمد بجواره. ويقول «كم شعرنا بارتياح لأننا استطعنا إكرام جثمان أخي بينما نرى القبور تملأ الشوارع والطرقات لعدم توافر متسع في المقابر الرسمية».
وقد دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً من المقابر ونبش قبورها وسرق عدداً من الجثامين التي دُفنت فيها، فيما يتم بيع ما تبقى منها بأسعار مرتفعة جداً يصل سعر الواحد منها إلى 1200 شيكل، بينما كان في السابق (قبل الحرب) لا يتجاوز سعره الـ300 شيكلاً.
«أصبح دفن الشهداء والموتى بحاجة إلى بحث مضنٍ، حتى تتمكن من العثور على قبر تكرّم فيه جثمان ابنك الشهيد»، بهذه العبارة بدأ أدهم السرحي (37 عاماً) حديثه إلى «الأخبار».
-
«بعد بحث كبير ومضنٍ، وجدنا مقبرة خاصة بإحدى العائلات الفلسطينية، سمحت لنا بدفن أخي الشهيد» (أ ف ب)
ويضيف السيد الثلاثيني «بعدما انتهينا من وداع طفلاي سارة وآدم، بدأنا بالبحث في المقابر علّنا نجد مكاناً يحتضنهما، ولم نجد سوى مكان بجوار حائط مشفى المعمداني والذي تصله قذائف دبابات الاحتلال الإسرائيلي، فلم نقبل بدفنهما خوفاً على جثامينهما من أن تلاحقهما قذائف الاحتلال وتمزقهما بعدما قتلتهما صواريخ طائراته».
ويتابع «اتصلنا بالأصدقاء والأقارب علّنا نجد متسعاً في المقابر التي تجاورهم أو الدفن بجوار أي من شهدائهم، وفي النهاية ارتأينا دفنهما بجوار أحد أقارب زوجتي الذي استشهد في مطلع الحرب».
ويلفت أدهم إلى أن «إكرام جثمان شهيدك بالدفن أصبح أمراً يحسدك الناس عليه»، لاكتظاظ المقابر بالشهداء والأموات الذين أصبح عددهم يفوق الـ51 ألفاً منذ السابع من تشرين الأول وحتى الآن.
تدمير إسرائيلي متعمد للمدافن وسرقة للجثامين
ومذ استأنف الاحتلال الإسرائيلي إبادته الجماعية على القطاع الساحلي الصغير، لم تتوقف المقابر عن استقبال عشرات الشهداء وبشكل يومي نتيجة المجازر التي تُرتكب بحق الغزيين، سواء في بيوتهم أو خيامهم أو حتى مراكز إيوائهم.
وتعليقاً على ما تقدم، يوضح المتحدث باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، رمزي النواجحة، أن القدرة الاستيعابية للمقابر في قطاع غزة لا تتسع للأعداد الكبيرة من الشهداء الذين يرتقون بشكل يومي، جراء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي.
ويقول النواجحة في حديث إلى «الأخبار» إن الاحتلال الإسرائيل استهدف خلال العدوان أكثر من 40 مقبرة من أصل 60 في قطاع غزة، وتم تدمير 22 منها تدميراً كلياً، بينما أصيبت 18 مقبرة بأضرار بليغة، مضيفاً «تم تجريف مئات القبور ونبشها وسرقة أكثر من 2300 جثمان من جثامين الشهداء والتمثيل بها بطرق وحشية».
ويشير النواجحة إلى أن وجود عدد من المقابر بالقرب من الحدود الشرقية لقطاع غزة وأخرى تقع ضمن حدود الاجتياح البري للأراضي الفلسطينية يحول دون إمكانية وصول المواطنين لدفن شهدائهم وموتاهم فيها. بالإضافة إلى أن استمرار احتلال جيش العدو الإسرائيلي لمدينة رفح يحول دون الوصول إلى 9 مقابر هناك، كما إنه «لا توجد معلومات حتى الآن عن حالة هذه المقابر وممارسات الاحتلال فيها».
ويلفت النواجحة إلى أن اشتداد الحصار ومنع دخول مواد البناء فاقم المشكلة «حيث إننا لم نتمكن من توفير مواد لبناء القبور، ليتم استخدام الصفيح (الزينقو) في تغطية قبور الشهداء والموتى بديلاً من الغطاء المصنوع من الإسمنت، ما أدى إلى نبش الحيوانات الضالة للقبور، وانبعاث الروائح الكريهة من جثامين الموتى».
ويؤكد المتحدث باسم وزارة الأوقاف أن الوزارة تسعى بشكل مستمر إلى توفير أراضٍ لاستخدامها كمقابر مؤقتة، إضافة إلى زيادة مساحة بعض المقابر الموجودة وسط المدن وبعيداً من تواجد جيش الاحتلال الإسرائيلي.