كل ما يجري من حولك

«لم نجوّعهم كفاية ولم نقدّم بديلاً سياسياً» | آيلاند: إخفاق ثقيل في غزّة

109

متابعات..| تقرير*

في مقابلة مطوّلة ستُنشر غداً كاملة في ملحق صحيفة «معاريف»، يقدّم الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند، إحدى أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً مؤثّراً خلف الكواليس في صنع القرار الأمني الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، قراءة تفصيلية لأسباب الفشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لهذه الحرب. وآيلاند، الذي سبق أن شغل مناصب حسّاسة من بينها رئاسة «مجلس الأمن القومي» ورئاسة «شعبة العمليات» في الجيش الإسرائيلي، ويُعرف بكونه مهندس «خطة الجنرالات» التي تبنّتها إسرائيل خلال الحرب، يرى أن الفشل لا يعود إلى غياب الأدوات الملائمة، بل إلى العجز عن تحقيق النصر رغم توفّرها.

وفي مقابلة مفرِطة في الواقعية، يتحدّث بلغة توصف بأنها أقرب إلى «الصدمة»، عاكسةً إدراكاً داخلياً بحجم المأزق الإسرائيلي، الذي هو شخصياً ليس بمنأى عنه. فهو لا ينكر، في تشخصيه للفشل أمام «حماس»، حقيقة أن دولة ذات قدرات عسكرية ولوجستية ضخمة، وتحظى بدعم دولي غير محدود، تجد نفسها بعد قرابة عامين من الحرب، تفاوض حركة شبه عسكرية محدودة الإمكانات، محاصَرة ومحرومة من الإمدادات، من أجل وقف لإطلاق النار.

وعلى رغم هذا الإقرار الضمني، يحاول آيلاند إحياء استراتيجيته القديمة بقوالب جديدة، داعياً إلى الاستمرار في سياسات ثبت عقمها، بل واقتراح الاعتماد على أدوات غير عسكرية تُنفّذ عبر أطراف أخرى، غير إسرائيل، هروباً من المواجهة المباشرة مع تعقيدات الواقع. ويصف الخطأ الجوهري في إدارة الحرب على غزة بأنه «ناتج من التعامل مع القطاع كمنظمة إرهابية لا كدولة»، معتبراً أنه «عندما تكون الدولة في حالة حرب مع دولة أخرى، فيجب أن تتوقّف جميع أشكال الدعم لها، بما في ذلك الوقود والغذاء والمياه»، ويقول إن إسرائيل لم تتبع هذا المنطق، ما «سمح لحماس بالاستمرار في القتال من دون ضغوط حقيقية». وفي هكذا توصيف الكثير من اللغط، حتى مع استثناء الجدل الأخلاقي والقانوني، الذي لا يعني لإسرائيل الكثير.

الحلول التي يطالب بتنفيذها، تعمل عليها إسرائيل بالفعل وبوحشية مضاعفة

ويلفت الجنرال الإسرائيلي إلى ثلاث نقاط ضعف أساسية لدى «حماس»، لم تستغلّها إسرائيل كما يجب: أولاها عامل الجوع، الذي يرى فيه وسيلة فعالة للضغط على القيادة في غزة. ثانيتها، غياب البديل السياسي، ما منح «حماس» شعوراً بالأمان. ثالثتها، فشل الاحتلال المباشر للأرض في الضغط على الحركة، ما يكشف عن إخفاق إسرائيلي ثقيل الكلفة. ووفق رؤيته، فإن التخلّي عن هذه الأدوات جعل الاستراتيجية الإسرائيلية عاجزة عن تحقيق النصر.

وينتقد آيلاند الاعتماد الإسرائيلي على القوة العسكرية فقط، معتبراً أن هذا النهج لم يعد مجدياً في الحروب المعاصرة، ولا سيما في ظل «التزام إسرائيل بقوانين دولية تحدّ من فاعلية العمليات العسكرية»، في وقت لا تلتزم فيه «حماس»، بحسب زعمه، بـ«أي قيود مماثلة». ويشير إلى أن الأهداف المعلنة للحرب، كالقضاء على حكم «حماس» وعودة المستوطنين إلى بيوتهم بأمان، لم تتحقّق بعد، بل إن ملف الأسرى لم يُستخدم كورقة تفاوض فعّالة، لا مع الولايات المتحدة ولا مع الأطراف الأخرى. وفي حين يدعو آيلاند إلى استخدام سياسة التجويع وتقديم بدائل سياسية ودبلوماسية، يتّضح أن إسرائيل تطبّق هذه السياسات عملياً، بل وبشكل أكثر عنفاً وتطرفاً مما يدعو إليه. فهي تفرض حصاراً خانقاً، وتمنع دخول الأساسيات، وتدمّر البنية التحتية عمداً، وتحرم السكان من الاحتياجات الأساسية، وكلها ممارسات تجسّد حرفياً ما يدعو إليه الجنرال الإسرائيلي.

وفي سياق اقتراحه للحلول، يدعو الجنرال الإسرائيلي إلى البحث عن حلول بديلة لتحقيق انهيار حكم «حماس» من دون الاعتماد على العمل العسكري فقط. ويقترح أن تلعب مصر ودول عربية أخرى دوراً أكبر في إدارة غزة ضمن إطار يشمل نزع السلاح، معتبراً أن هذا النهج أقل كلفة وأكثر فعالية من الحرب المباشرة. غير أن هذه الطروحات تعكس حالة اضطرار يراها ملزِمة لإسرائيل كي تنسحب تدريجياً من المواجهة المباشرة، ليس بسبب نجاح الأدوات البديلة وإمكاناتها، وإنما بسبب العجز عن تحقيق النصر العسكري عبر القدرة الإسرائيلية.

وفي خاتمة تحليله، يشدّد آيلاند على ضرورة الواقعية في صنع القرارين السياسي والعسكري، داعياً إلى مراجعة الاستراتيجيات الحالية والاستفادة من الحلول الدبلوماسية والإقليمية. لكنه، في المقابل، لا يغادر التناقضات التي تحيط بمقترحاته، فهي تكرّر ما فشلت فيه إسرائيل مراراً، وتراهن على بدائل غير قابلة للتحقيق في الواقع، ولا تملك إسرائيل فرضها. وهكذا، يقدّم دليلاً إضافياً على فشل إسرائيل المستمر في غزة، فالحلول التي يطالب بتطبيقها تُنفّذ اليوم بوحشية كبرى، بينما البدائل التي يريدها لإزاحة «حماس» عن الحكم، وإكمال المهمة عوضاً عن إسرائيل، تُظهر، عملياً، أكثر تعقيداً من الحرب نفسها.

* الأخبار
You might also like