كباشٌ مستمرٌّ لتحديد «قواعد اشتباك»: “إسرائيل” تهدِّدُ تركيا بضرب الشرع
متابعات..| تقرير*
على الرغم ممّا تشير إليه التقارير من انطلاق محادثات تقنية بين إسرائيل وتركيا، بهدف خفض التصعيد وتفادي أيّ احتكاك مباشر في الساحة السورية، فإنّ الكباش الاستراتيجي بينهما يبقى هو العنوان الأبرز. فتل أبيب تسعى إلى فرض شروط صارمة في الجنوب السوري، تشمل نزع السلاح ومنع التحرّك العسكري للقوات السورية، فضلاً عن منع أنقرة من التمركز عسكرياً في هذا البلد. في المقابل، تعمل أنقرة على تحقيق طموحاتها الإقليمية بتحويل سوريا إلى منطقة نفوذ مباشر، تؤمّن لها مصالح استراتيجية وتكون بمثابة بوابة لنفوذها الأوسع في المنطقة.
وتعبّر الضربات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية عن هذا الصراع المتفاقم، إذ ترى تل أبيب في الخطط التركية، ولا سيما المتعلقة بالتمركز في قاعدة «تي فور» العسكرية قرب تدمر ونشر أنظمة دفاع جوي متطوّرة مثل «إس-400»، تهديداً مباشراً لتفوّقها العسكري ومصالحها الاستراتيجية.
على أن إسرائيل لم تكتفِ بالضربات الجوية، بل شدّد مسؤولوها، خلال لقاء نظرائهم الأتراك في العاصمة الآذربيجانية باكو، بحسب «يديعوت أحرونوت»، على أن إقامة قواعد عسكرية تركية في تدمر «ستُعتبر تهديداً خطيراً للأمن القومي الإسرائيلي، وستتطلّب ردّاً حاسماً». وفي السياق نفسه، كشف موقع «واللا» العبري، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي رفيع، أن الموقف الإسرائيلي نُقل بشكل قاطع خلال اللقاء، مع تحذير بأن «أيّ تغيير في توزيع القوات الأجنبية في سوريا – وبالأخصّ التركية – سيُعدّ خطاً أحمر». وأضاف المسؤول أن «منع هذا التهديد يقع على عاتق الحكومة السورية، وأيّ عمل قد يشكّل خطراً على إسرائيل سيعرّض نظام أحمد الشرع للتهديد».
الولايات المتحدة مطالَبةٌ بإدارة توازن دقيق بين حليفين استراتيجيين
لها يتنازعان في
ساحة واحدة
ووفقاً للتقديرات، فإن هذه التهديدات لن تُثني تركيا عن مواصلة توسيع نفوذها، وإن بات لزاماً عليها «أن تحسب حساباً خاصاً» للعدوانية الإسرائيلية المتأهّبة. فبالنسبة إلى أنقرة، تُعدّ السيطرة على الجغرافيا السورية، إلى جانب كونها ضرورة أمنية لتأمين الحدود، فرصة استراتيجية لتعزيز حضورها الإقليمي وإعادة صياغة المشهد السياسي في الشرق الأوسط، بما يخدم مصالحها ويكرّس مكاسبها، خاصة بعدما أسهمت عملياً في إسقاط النظام السوري القديم.
من جانبها، تدرك إسرائيل أن الضربات السابقة، وتلك المحتملة، لن تكون قادرة وحدها على ردع تركيا عن أهدافها، لكن ذلك لا يمنعها من المضيّ قدماً في فرض معادلاتها، مدفوعة بقناعة أن أنقرة لا ترغب بصدام مباشر مع أطراف إقليمية أو دولية أخرى في الساحة السورية، وهو ما يشجّع تل أبيب على مواصلة الضغوط.
غير أن عمق التضارب في المصالح، في ظلّ غياب نيات أو إرادة حقيقية لإيجاد أرضية مشتركة، يجعل من التصادم أمراً وارداً، مهما تكرّرت اللقاءات أو تقدّمت المحادثات، وهو ما قد يكون استنتاجاً أوليّاً من لقاء باكو واللقاءات التي سبقته، وفق ما كشفت الإذاعة العبرية. وتسعى إسرائيل إلى تطبيق نموذج التنسيق الذي اعتمدته مع روسيا سابقاً عبر «الخط الساخن» لمنع أيّ حوادث غير مقصودة، فيما تبدو تركيا أقرب إلى الاعتراف بالمصالح الإسرائيلية في سوريا كأمر واقع.
في هذا السياق، يبرز الدور الأميركي بوصفه حاسماً؛ فالولايات المتحدة مطالَبةٌ بإدارة توازن دقيق بين حليفَين استراتيجيين لها يتنازعان في ساحة واحدة. فمن جهة، تبدو واشنطن داعمة ضمنياً للضربات الإسرائيلية ومنع التمركز العسكري التركي.
ومن جهة أخرى، يعبّر رئيسها، دونالد ترامب، عن إعجابه بالخطوات التركية في سوريا، بل ويمنحها غطاء سياسياً، وإن لم يخلُ من انتقادات متقطّعة لتحركاتها الميدانية.
وبحسب تقارير عبرية، أبرزها من «القناة الـ14»، تعمل إسرائيل بالتنسيق مع واشنطن على رسم «خطوط حمر» في سوريا، تهدف إلى منع تركيا من استخدام البنية التحتية السورية لأغراض عسكرية تتقاطع مع مصالح إسرائيل.
وإذا صحّت تلك المعلومات، فإنها تعكس تحوّلاً في موقف واشنطن نحو التماهي مع الرؤية الإسرائيلية، وإن كانت تصريحاتها العلنية تحمل كثيراً من التناقض.
وإلى أن تتضح المعادلة الأميركية بالكامل، تواصل كل من إسرائيل وتركيا تعزيز أوراق قوّتهما في الميدان، من خلال تكثيف النشاط العسكري والسياسي، فيما لا يستهدف هذا التنافس فقط تحسين مواقع كل طرف في إطار أيّ تفاهمات مستقبلية، بل أيضاً التأثير في صياغة «قواعد الاشتباك» بحيث تخدم المصالح الخاصة لكلّ منهما. وقد تكون زيارة ترامب المرتقبة إلى المنطقة، والتي قد تشمل تركيا، عاملاً حاسماً في تحديد مآل هذه المعادلة.