كل ما يجري من حولك

الابتزاز منهجاً وحيداً: “إسرائيل” في مرحلة «اللاخيار»

50

متابعات..| تقرير*

انتهت، ليل السبت – الأحد، مدة المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى في قطاع غزة، والبالغة 42 يوماً؛ وبدا لساعات أن الطرفين دخلا في فراغ الخيارات، خصوصاً بعدما فشلت الوفود التي توجّهت إلى القاهرة في اجتراح حلول للطريق المسدود الذي وصلت إليه التفاهمات، إذ تتمسك حركة «حماس»، ومن خلفها فصائل المقاومة، برفض تمديد المرحلة الأولى تحت أي عنوان، بينما يصر رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على عدم الانتقال إلى المرحلة الثانية، ويواصل المراوغة والضغوط لإطلاق أكبر عدد من الأسرى الأحياء، من دون التزام بإنهاء الحرب.

وازدحمت ساعات الفراغ تلك بجملة من المستجدات، من بينها نشر «الإعلام العسكري» التابع لـ «كتائب القسام» مقطعاً مصوّراً ظهر فيه أسير إسرائيلي في غزة أُطلق سراحه خلال المرحلة الأولى، وهو ينقل عن شقيقه الذي بقي في الأسر ومن المقرر الإفراج عنه في المرحلة الثانية من الصفقة، رسالة يطالب فيها نتنياهو بأن يوقّع على المرحلة الثانية، ويدعو المجتمع الإسرائيلي وذوي الأسرى إلى أن يواصلوا التظاهرات للضغط لإتمام مراحل التبادل كافة.

واستدعى المقطع الذي نُشر ليل الجمعة – السبت ووصفه مكتب نتنياهو بأنه «وحشي»، عقد اجتماعات مطوّلة خلصت إلى رفع ورقة مراوغة جديدة للهروب من استحقاق الانتقال إلى المرحلة الثانية، إذ أعلن مكتب نتنياهو موافقته على مقترح المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، تمديد وقف إطلاق النار لمدة 42 يوماً، في مقابل إطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين الأموات والأحياء في اليوم الأول من بدء الاتفاق، على أن يُفرج عن بقية الأسرى الإسرائيليين في حال أفضت التفاهمات إلى التوصل إلى وقف القتال وإنهاء الحرب. وبذلك، يلقي نتنياهو الكرة في ملعب حركة «حماس» وينقلب تماماً على تفاهمات المرحلتين الثانية والثالثة، مبتدعاً مساراً جديداً لصفقة التبادل لا تقبل المقاومة حتى مناقشته.

ووفقاً للبيان الذي نشره مكتب نتنياهو فإن «ويتكوف قدّم هذا المقترح لتمديد وقف إطلاق النار بعدما خلص إلى أنه لا توجد في هذه المرحلة إمكانية لجسر الفجوات بين مواقف الطرفين لإنهاء الحرب، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لإجراء مباحثات بشأن وقف إطلاق نار دائم»، علماً أن المقترح الأميركي يتطابق تماماً مع رغبة الحكومة اليمينية في الهروب من استحقاق المرحلة الثانية، والذي يتضمّن الوقف الدائم لإطلاق النار، ويعزّز بالتالي نهج الابتزاز المستمر باستخدام القوة والعودة للقتال. ويبدو أن نتنياهو ما زال عالقاً في صفقة تبادل الأسرى القصيرة التي عُقدت في تشرين الثاني 2023، والتي قامت على تسليم الأسرى مقابل شراء أيام الهدوء، ويطمح من خلال التصعيد الإعلامي والتهديد المستمر بالعودة إلى القتال، إلى مقايضة التهديدات التي فعّل صباح أمس أولى أوراقها بمنع دخول كل أنواع البضائع والمساعدات إلى القطاع، بالأسرى الأحياء.

ويضع هذا الأسبوع الحرج والمتوتر، المقاومة أمام امتحان «تنفيس» تلك الانتفاخة، خصوصاً أن أهم ما قُرئ بين سطور بيان مكتب نتنياهو، هو أنه لا أحد يستعجل العودة إلى القتال، وإن تظاهر الطرفان بالاستعداد لذلك. وربما تدرك المقاومة أنها مضطرة للسير على حافة الهاوية لعدة أيام، ليس بغرض تجريب جدية التهديدات الإسرائيلية باستئناف الحرب مجدداً، بل لأنه لا خيارات سوى مواجهة المراوغة الإسرائيلية بالمناورة والعناد، ولا سيما أن حركة «حماس» لم تبدِ أي مرونة إزاء الاشتراطات الإسرائيلية للانتقال إلى المرحلة الثانية من صفقة التبادل، والتي تتضمّن تفكيك جناحها العسكري ونزع سلاحها وإبعاد قادتها من غزة مقابل إعمار القطاع، وهي النقاط التي من شأنها أن تمنح نتنياهو في السلم، ما لم يحقّقه في الحرب والقتال، أي «الانتصار المطلق».

بالنتيجة، تقف غزة على مفترق طرق حرج، حيث عادت أجواء الحرب من خلال النشاط المكثّف لطائرات الاستطلاع والطائرات الحربية مع تصعيد متدرّج بدأ، أمس، باستهداف تجمّعات للمواطنين في مدينتي رفح وبيت حانون، ما أدى إلى استشهاد أربعة مواطنين. بيد أن كل تلك الأحداث لا تمثّل عودة إلى القتال، بينما يستبعد حتى الإسرائيليون تجدّد الحرب بشكلها السابق وإن علا سقف التهديدات بذلك. ومن جهته، يعيش الشارع الغزي القلق مربّعاً، حيث انعكست أجواء التوتّر السياسي بشكل سريع على الأسواق، وارتفعت أسعار السلع الأساسية وشهدت محطات الوقود اصطفاف طوابير طويلة من السيارات، علماً أن الأهالي العائدين لتوّهم من نزوح استمر 15 شهراً، أمضوا الـ 42 يوماً الأولى من عمر وقف إطلاق النار في عراك متواصل لتحصيل أدنى متطلبات الاستقرار وسط الدمار والخراب.

* الأخبار
You might also like