عقبَ توسيع العدوان على الضفة.. عملية «الحافلات» تشغل الكيان
:

رام الله | تعتزم إسرائيل، على ما يبدو، تصعيد عدوانها العسكري على الضفة الغربية، استكمالاً للمخطّط الذي تعمل عليه منذ أكثر من عامين من عملية «طوفان الأقصى»، متذرّعةً في ذلك بتكثيف المقاومة لعملياتها داخل الأراضي المحتلة. وقوبلت تفجيرات الحافلات التي هزّت تل أبيب، مساء الخميس، بإجراءات تصعيدية فورية من حكومة الاحتلال وجيشه؛ إذ أعلن بنيامين نتنياهو الزجّ بثلاث كتائب جديدة للعمل في الضفة الغربية، ما رفع عدد تلك الكتائب، بدءاً من صباح أمس، إلى 25، فيما يجري الجيش بالتعاون مع الشرطة «دراسة» لنشر الجنود في عدد من المستوطنات والمناطق الاستيطانية في الداخل المحتل.
كذلك، زار نتنياهو «مخيم طولكرم» في الضفة الغربية، توازياً مع اقتحام قوات الاحتلال له، مؤكداً أنّه خلال العام الماضي، عزّزت القوات الإسرائيلية «نشاطها بشكل كبير، ونحن ندخل إلى معاقل الإرهابيين». ومن داخل المخيم، وصف نتنياهو عملية تفجير الحافلات بأنها «محاولة تنفيذ هجمات متسلسلة جماعية، وهو ما يُعتبر أمراً خطيراً للغاية»، مشيراً إلى أنّه أصدر أوامر بتعزيز قوات جيشه في الضفة. وبالفعل، كان رئيس وزراء العدو قد أمر بشنّ عملية مكثّفة ضد ما سمّاها «مراكز الإرهاب» هناك، ووجّه الشرطة وقوات الأمن «بزيادة الأنشطة الوقائية ضد الهجمات الإضافية في المدن الإسرائيلية»، فيما كان لافتاً إعلان قوات الاحتلال، صباح أمس، اعتقال مستوطن يهودي من منطقة تل أبيب، للاشتباه في نقله أحد منفّذي عملية تفجير الحافلات، والتي جعلت إسرائيل تعيش «ليلة خوف هستيرية».
وأوعز وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بدوره، إلى الجيش بزيادة حدّة عملياته ضد مخيمات اللاجئين في الضفة، رداً على العملية. وأكّد كاتس، في بيان، أنّه «في ضوء العمليات الخطيرة التي حاولت المنظمات الفلسطينية تنفيذها ضد السكان في إسرائيل، أصدرت تعليماتي إلى الجيش الإسرائيلي بزيادة كثافة الأنشطة لإحباط العمليات في مخيم طولكرم للاجئين وفي مخيمات اللاجئين بشكل عام»، مضيفاً: «سنلاحق (المنفّذين) حتى النهاية، وسندمّر البنية التحتية في المخيمات التي تشكّل خطاً أمامياً لمحور الشر الإيراني»، على حد وصفه.
وكانت ثلاث حافلات انفجرت، مساء الخميس، في مواقع مختلفة في مستوطنة «بات يام» وحولون، جنوب مدينة تل أبيب وسط فلسطين المحتلة، بعدما زُرعت فيها عبوات ناسفة، وفقاً لما أعلنه «الشاباك». وبحسب تقديرات أجهزة الأمن، فإنه كان من المفترض أن تنفجر العبوات في الساعة التاسعة من صباح أمس، إلا أنها انفجرت عند التاسعة من مساء الخميس. وأكّد قائد الشرطة في منطقة تل أبيب، من جهته، أنّ «الحديث يدور عن عملية واسعة، بعدما تمّ زرع عبوات ناسفة في 5 مواقع»، مشيراً إلى أنّ مصدر العبوات «هو الضفة الغربية، وهي موقوتة ومحلية الصنع».
وعلى خلفية ذلك، عاشت مدينة «بيت يام» ليلة من الاستنفار، بعدما تمّ الإيعاز إلى جميع السائقين في منطقة تل أبيب بتفقّد حافلاتهم خشية العثور على قنابل متفجّرة جديدة، تزامناً مع وصول قوات كبيرة إلى المواقع للبحث عن مشتبه بهم. وباشرت فرق المتفجرات فحص الأغراض المشبوهة، كما حظرت التجمعات في مستوطنة «بات يام»، فيما أوقفت حركة الحافلات والقطارات، ما تسبّب بشلل كامل في عدد من المدن. وفي أعقاب العملية، قطعت وزيرة المواصلات في حكومة الاحتلال، ميري ريغف، زيارتها المقرّرة للمغرب، وعادت لمتابعة الوضع.
كان لافتاً اعتقال مستوطن يهودي من منطقة تل أبيب للاشتباه في نقله أحد منفّذي عملية التفجير
وعلى جري العادة، بدأ مسؤولو الأمن الإسرائيليون تراشق الاتهامات على خلفية الفشل في إحباط العملية، إذ ألقى قائد شرطة الاحتلال المسؤولية على «الشاباك» والجيش، قائلاً إنّ «الجيش مهمته منع دخول العبوات إلى المنطقة، و(الشاباك) مهمته منع العمليات، والشرطة مهمتها معالجة الأمر بعد وقوع الحدث»، مطالباً وزراء الحكومة بإقالة رئيس «الشاباك». وأشار المراسل العسكري لإذاعة جيش الاحتلال، من جهته، إلى أنّ «الضفة الغربية هي الساحة الرئيسية للاشتباك والمواجهة حالياً، ولا توجد حلول سحرية، لكن على (الشاباك) أن يحقّق جيداً كيف تمكّن المقاومون من إدخال العبوات الناسفة بعيداً عن رقابة الرادار الاستخباراتي».
كذلك، استغلّ معارضو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الحدث لمهاجمة حكومة نتنياهو، وتحميل الأسرى الذين أطلق سراحهم مسؤولية التفجيرات. وفي هذا السياق، قال وزير «الأمن القومي» المستقيل، إيتمار بن غفير: «قلت قبل أكثر من شهر إن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين سيؤدي إلى تفجير الحافلات، الآن يدرك الجميع مدى صحة ما قلته. هذه صفقة متهوّرة، على الحكومة أن تعود إلى رشدها وتعيد إسرائيل إلى الحرب».
وانسحب الموقف نفسه على وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الذي زعم أنّه «طوال فترة قتالنا ضد الإرهاب في كل الجبهات بقوة وشجاعة وإصرار خلال 16 شهراً، لم نسمح له بأن يرفع رأسه»، مضيفاً: «كما كنا نخشى، فإن إطلاق سراح عدد كبير من الإرهابيين، ووقف إطلاق النار يُفسّران من قبل أعدائنا على أنهما ضعف ويعطيان دفعة قوية لأشرعة الإرهاب». وحذّر سموتيريتش من وقوع تفجيرات أخرى في وسط المدن، على غرار ما حصل خلال «الانتفاضة الثانية»، معتبراً أنّ الحل يكمن «في العودة الفورية إلى القتال وهزيمة الإرهاب حتى تدميره في غزة ويهودا والسامرة»، على حدّ تعبيره.
وكان التحريض الإسرائيلي قد بدأ ينصبّ على الضفة الغربية، قبل انتهاء التحقيقات حتى؛ إذ ذكر موقع «واللا» العبري أنّ تقديرات الأجهزة الأمنية تظهر بشكل متزايد أنّ خلية من الضفة الغربية مسؤولة عن تفخيخ الحافلات، فيما تداول الإعلام العبري صورة عبوة ناسفة لم تنفجر داخل حافلة، ومعها رسالة مكتوبة بالعربية، يرد فيها أنّ العملية تأتي رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على مخيم طولكرم. وبالفعل، نشرت «كتائب القسام» في طولكرم، تزامناً مع التفجيرات، منشورات عدة على منصتها على «تيلغرام» تبارك فيها العملية.
في هذا الوقت، وبعدما عمدت قوات الاحتلال إلى تدمير «مخيم جنين» بالكامل، وتهجير سكانه وشقّ شوارعه وتفجير أبنيته، بهدف إنهاء «المخيم» كمكان جغرافي – ديمغرافي يرتبط بحق العودة ويجسّد النكبة، وكحاضنة مقاومة على مدار عقود، يبدو أنّها تحاول تكرار النموذج نفسه على نطاق أوسع. وذلك ما يفسّر على الأرجح الاقتحام الذي أعلن عنه وزير الحرب الإسرائيلي، صباح الجمعة، في مخيم طولكرم، بذريعة اجتثاث الخلية التي نفّذت التفجيرات الأخيرة. وتوازياً مع عملية الاقتحام المشار إليها، أكّد كاتس أنّ «محاولة الهجوم الخطيرة أمس لن تردعنا، ونحن في حرب ضد الإرهاب وسننتصر هنا وفي غزة وفي كل مكان»، محذّراً «الإرهابيين الذين أُطلق سراحهم إلى الضفة من أننا نراقبهم وسنقضي على أي متورط في الإرهاب».