كل ما يجري من حولك

فورين أفيرز: حزبُ الله بدأ بالتخطيط لمستقبله بعد نصر الله

61

متابعات..|

تُجمع وسائل الإعلام العبرية على أن حزب الله تعافى من الأضرار التي لحقت به نتيجة تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية واغتيال أمينه العام وجزء أساسي من قادته العسكريين، ومن المؤشرات على ذلك تصاعد العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية في مواجهة محاولة جيش الاحتلال التوغّل البري في الأراضي اللبنانية، وقصف المستوطنات الشمالية بشكل يومي ومستمر.

في هذا الإطار، نشرت مجلة فورين أفيرز مقالاً، يتحدّث عن حزب الله الذي يتمتع بدعم شعبي أوسع من حماس، وشبكات أكثر مرونة، وفرصة أفضل للتعافي من خسائره. ويشير الكاتب إلى التحديات التي سيوجهها حزب الله بعد الحرب، بالإضافة إلى تأكيده بافتقاد “إسرائيل” لأي خطة لإنهاء الصراع في ظل تباطؤ زخم الحملة الإسرائيلية في لبنان.

النص المترجم للمقال

لقد حظيت الإنجازات التكتيكية التي حققتها إسرائيل في لبنان باعتراف واسع النطاق. ورغم ذلك فقد حير العديد من المراقبين غياب أي خطة إسرائيلية عملية لإنهاء الصراع، وخاصة تلك الخطة التي قد تؤدي إلى تسوية سياسية دائمة. والواقع أن هذا التباين الواضح بين الوسائل والغايات ملحوظ بشكل خاص في ضوء الخسائر الفادحة التي تكبدتها المجتمعات الشيعية في لبنان نتيجة للنجاحات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة. فكما كانت جهود إسرائيل الرامية إلى القضاء على حماس مدمرة بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين في غزة، يبدو أن إسرائيل تدير عملياتها في لبنان دون أن تكترث كثيراً بالأضرار التي قد تلحق بالسكان المدنيين أو البنية الأساسيةفقد دمرت بلدات وأحياء شيعية بأكملها، ووفقاً لوزارة الصحة اللبنانية، فقد قُتِل 127 طفلاً و261 امرأة خلال الأسابيع الخمسة الأولى من الحملة الإسرائيلية الأخيرة. وفي لبنان كما في غزة ـ وإن كان على نطاق أضيق حتى الآن ـ يبدو أن إسرائيل استقرت على استراتيجية العقاب الجماعي التي تحمل السكان المدنيين المسؤولية عن أفعال الجماعات المسلحة التي تعمل في وسطهم.

لقد كانت ضرورة وضع خطة “لليوم التالي” لانتهاء الحملات العسكرية موضوعاً ثابتاً في التحذيرات الأميركية لإسرائيل ــ وخاصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ــ لأكثر من عام. ففي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حذر جو بايدن في خطاب ألقاه في تل أبيب زعماء إسرائيل من تكرار الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن أثناء “الحرب على الإرهاب” وغزو العراق في عام 2003: “بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، غضبنا في الولايات المتحدة. وبينما سعينا إلى تحقيق العدالة وحصلنا عليها، ارتكبنا أيضاً أخطاء”. وفي خطابه، لم يحدد بايدن الأخطاء التي يقصدها. ولكنه أعطى مؤشرات من خلال تذكير جمهوره الإسرائيلي بأن “الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا من حماس” ومن خلال القول بأن القرارات التي تتخذ في زمن الحرب تتطلب “وضوحاً بشأن الأهداف وتقييماً صادقاً حول ما إذا كان المسار الذي تسلكه سيحقق هذه الأهداف”. وكانت الرسالة واضحة، وإن لم تكن صريحة تماماً: فبدون خطة دقيقة لما بعد الحرب، حتى النجاح العسكري الساحق يمكن أن يؤدي بسهولة إلى الفوضى، تماماً كما حدث مع الولايات المتحدة في العراق.

ولكن بايدن لم يدرك النقطة الأساسية. ذلك أن نتنياهو لا يحتاج إلى خطة لتجنب الفوضى، لأن الفوضى هي خطته. والواقع أن الشهر الماضي في لبنان، كما حدث في العام الماضي في غزة، أثبت أن زعماء إسرائيل لا يتسمون بأية ادعاءات مثالية فيما يتصل بإنشاء نظام سياسي جديد في لبنان أو في القطاع. وهم لا يحاولون زرع بذور الديمقراطية أو إعادة تشكيل الشرق الأوسط. وبالنسبة لدولة إسرائيل التي ترفض حق الفلسطينيين في تقرير المصير وتشعر بأنها غير مقيدة بحلفائها الغربيين ـ وخاصة بالنسبة لنتنياهو الذي عقد العزم على حماية سلطته السياسية الداخلية بأي ثمن ـ فإن نتائج الغزو الأميركي للعراق لا تشكل تحذيراً بقدر ما تشكل نموذجاً. ويبدو نتنياهو مقتنعاً بأن أمن بلاده، إلى جانب بقائه السياسي، يعتمد على إطالة أمد الهجمات العسكرية وإبقاء غزة ولبنان في حالة من عدم القدرة على الحكم، وبالتالي الرضوخ.

ولكن هناك أسباب تدعونا إلى الاعتقاد بأن هذا الهدف، والتكتيكات والاستراتيجيات التي تستخدمها إسرائيل لتحقيقه، لن تنجح في لبنان بقدر ما نجحت حتى الآن في غزة. فعلى الرغم من كل أوجه التشابه بينهما، فإن حزب الله ليس حماس. فالأول منظمة أكبر من حماس، وتتمتع بدعم شعبي أوسع، وشبكات أكثر مرونة، وفرصة أفضل للتعافي من خسائرها. ورغم أن إسرائيل لا تواجه حاليا أي رقابة جدية على دوافعها التوسعية في الضفة الغربية ــ إذا أصبح دونالد ترامب رئيسا مرة أخرى، فقد تؤيد الولايات المتحدة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، أو حتى ضمها لبعض الأراضي الفلسطينية ــ فإن الدبلوماسية الدولية لا تزال تتمتع ببعض النفوذ في لبنان.

حملة الفوضى

إن هذا الدمار الواسع النطاق ليس مجرد نتيجة ثانوية أو نتيجة غير مقصودة للهجمات الإسرائيلية ضد حزب الله. بل إنه في واقع الأمر جزء من حملة واسعة النطاق هدفها الأساسي هو تفاقم التوترات الداخلية في لبنان، وهي الحملة التي طغت عليها السحر التقني المتمثل في هجمات إسرائيل باستخدام أجهزة النداء واللاسلكي، فضلاً عن عمليات الاغتيال التي شنتها إسرائيل لقادة حزب الله والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق. ويشير الدمار المنهجي الذي لحق بجنوب لبنان، ووادي البقاع، والضواحي الجنوبية لبيروت، إلى أن إسرائيل تأمل في تهجير أكثر من مليون شيعي لبناني، بهدف نهائي يتمثل في دفع التوترات الاجتماعية اللبنانية إلى نقطة الانهيار.

ولهذا السبب دعا نتنياهو في أوائل أكتوبر/تشرين الأول “المسيحيين والدروز والمسلمين السنة والشيعة” إلى الوقوف في وجه حزب الله و”استعادة بلادهم”. وليس نتنياهو ساذجاً إلى الحد الذي يجعله يتوقع انتفاضة لبنانية ضد حزب الله. ولكنه يدرك أن إلقاء اللوم على المنظمة في الهجمات الإسرائيلية من المرجح أن يؤدي إلى زيادة التوترات في لبنان، الذي يتوقع نتنياهو أن يعمل مثل الإسفنجة لامتصاص التهديدات المستقبلية ضد بلاده.

ولقد فرضت الحملة الإسرائيلية ضغوطاً شديدة على الحكومة اللبنانية. ففي الأشهر التي سبقت التصعيد الأخير للصراع، كان دور الحكومة في إعادة الإعمار وإغاثة اللاجئين مسألة مثيرة للجدال في لبنان. وكان خصوم حزب الله في السياسة اللبنانية يعتقدون أن المنظمة، إلى جانب إيران، كانت مسؤولة عن بدء الصراع في العام الماضي، وبالتالي يتعين عليها أن تتحمل تكاليف إعادة الإعمار. ومع استمرار إسرائيل في تدمير المزيد والمزيد من البنية الأساسية اللبنانية، فإن هذه الحجة من الممكن أن تؤدي إلى أزمة داخلية كاملة. فإذا نجحت إيران في تجنب دفع تكاليف إعادة الإعمار، على سبيل المثال، فقد يحاول المعارضون السياسيون لحزب الله عرقلة الإنفاق الحكومي المحلي الضئيل المتاح. ومن الممكن أن يؤدي الجمود الناتج عن ذلك إلى اندلاع أعمال عنف. ومن ناحية أخرى، وفي حالة تورط إيران في إعادة الإعمار، وهو أمر غير مرجح، فإنها سوف تطالب بالتأكيد بثمن سياسي من شأنه أن يعمل لصالح حزب الله وحلفائه.

لبنان ليس غزة

بفضل حلفائها الغربيين، لن تضطر إسرائيل على الأرجح إلى القلق بشأن العواقب الدبلوماسية لحملتها من العنف الجماعي في لبنان. وحتى إذا تم التوصل إلى اتفاق جديد يستند إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 لإنهاء الصراع الحالي ـ القرار الذي أنشأ منطقة عازلة لا يُسمَح فيها لأي قوات باستثناء الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ـ فإن العواقب المترتبة على هذه الحملة سوف تقع على عاتق المجتمع اللبناني المنقسم على نحو شبه مؤكد.

ولكن هناك أسباب تدعونا إلى الاعتقاد بأن خطة إسرائيل لاستغلال الفوضى في لبنان على نحو مثمر قد لا تنجح بالطريقة التي يأملها نتنياهو. فمن الواضح أن إيران ملتزمة بتمويل حزب الله والحفاظ عليه، حتى في مواجهة الضغوط الداخلية اللبنانية المتنامية لنزع سلاح المنظمة. ومن غير المرجح أن تغير الضربات الإسرائيلية داخل إيران هذا الوضع.

ومن ناحية أخرى، يبدو من الواضح أن زخم الحملة الإسرائيلية في لبنان يتباطأ. فرغم أن حزب الله فقد أمينه العام وكثيراً من قياداته، فإن ما يكفي من القدرات العسكرية للمنظمة نجت من الهجمات البرية الإسرائيلية. فقد قُتل أو جُرح العشرات من الجنود والضباط الإسرائيليين، الأمر الذي ساعد في رفع الروح المعنوية بين مقاتلي حزب الله، وتمكنت المنظمة من إعادة بناء بعض شبكات الاتصالات الخاصة بها. وفي الأسابيع الماضية، شن حزب الله هجمات قاتلة في لبنان وشمال إسرائيل، بل إن طائراته بدون طيار وصلت حتى إلى منزل نتنياهو في قيسارية. ومن المرجح أن يأمل حزب الله أن تقدم هذه الهجمات بعض التعويض عن إخفاقاته الكبرى خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وهناك أيضاً دلائل تشير إلى أن حزب الله بدأ بالفعل في التخطيط لمستقبله بعد نصر الله. فكما هو معتاد بالنسبة لمسلم، لم يتم دفن نصر الله فور وفاته. بل تم الاحتفاظ بجثته من أجل جنازة ما بعد الحرب، والتي من المرجح أن تجتذب حشوداً أكبر حتى من تلك التي شيعت رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي اغتيل في عام 2005، والذي حضر جنازته مئات الآلاف. وكان الشيعة الفقراء في لبنان ينظرون إلى نصر الله، ابن بائع الخضار الجائل، باعتباره رمزاً للتمكين ضد إسرائيل والطوائف الدينية والعرقية الأخرى في لبنان. ومن المرجح أن يستخدم حزب الله جنازته وذكراه لإعادة تأسيس نفسه في الساحة السياسية وإضفاء الشرعية على القيادة المتبقية للمنظمة، وخاصة نعيم قاسم، الأمين العام الجديد، الذي كان نائباً لنصر الله في السابق.

مستقبل حزب الله

إن حزب الله قادر على التعافي، ولكن إذا كان للمنظمة أن تستعيد موطئ قدمها فسوف تحتاج إلى التغلب على ثلاث تحديات رئيسية. التحدي الأول هو التحول الجيلي داخل صفوف المنظمة. فمعظم القادة الذين قتلوا في الحملة الإسرائيلية كانوا ينتمون إلى جيل نصر الله، الذي نشأ في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. وقد تسبب الافتقار إلى الحراك الاجتماعي في إحداث توترات داخل المنظمة، ويبدو من المحتمل أن إسرائيل وحلفاءها تمكنوا من استغلال هذه الإحباطات لأغراض استخباراتية. والحقيقة أن معظم قيادات المنظمة، الذين توفوا الآن، كانوا في الستينيات من عمرهم، تشير إلى مشكلة يتعين على إيران والقيادة الجديدة التعامل معها.

إن التحدي الثاني يتلخص في التوترات الداخلية بين الشيعة من وادي البقاع وأولئك من جنوب لبنان. فبعد مقتل عباس الموسوي، الأمين العام السابق لحزب الله، والذي ينحدر من شمال شرق البلاد، وقع على عاتق نصر الله، وهو من سكان الجنوب، مهمة إدارة التوترات الجغرافية داخل صفوف المنظمة. ورغم أن الطائفتين الشيعيتين توحدهما العقيدة المشتركة والنضال السياسي، فإن بينهما اختلافات اجتماعية واقتصادية كبيرة…

أما التحدي الثالث فيتمثل في علاقة حزب الله بإيران. فرغم كونه لبنانياً، كان نصر الله من بين المقربين من طهران. وكان بارعاً في انتزاع حصة كبيرة من الموارد المالية والعسكرية من النظام الإيراني لحزب الله…


المصدر: مجلة foreign affairs

الكاتب: مهند الحاج علي

You might also like