كل ما يجري من حولك

نتنياهو – غالانت.. حسابٌ قديمٌ (غيرُ) مؤجَّل

168

متابعات| تقرير*:

يتّجه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى إقالة وزير أمنه، يوآف غالانت، الذي عُرف عنه طوال الأشهر الماضية «تمرّده» على قرارات الأول، والتسبّب له بـ«وجع رأس» سياسي دائم، نتيجة محاولاته التمايز الذي لا يصبّ في مصلحة رئيس الوزراء.

والإقالة تدور في رأس نتنياهو منذ أشهر طويلة، حتى قبل عملية «طوفان الأقصى»، وهو هدّد وزيره أكثر من مرّة بها، إلا أنه لم يقدم عليها.

وعلى رغم أن العنوان الرئيسيّ الذي تُغلَّف به الإقالة المحتملة، هو الخلاف على كيفية إدارة الحرب في غزة و«ما يجب» أن يُفعَل على الجبهة اللبنانية ضد «حزب الله»، إلا أن الخلاف الحقيقي سياسي بحت، ويتعلّق بالسياسة الداخلية و«غريزة البقاء السياسي» لرئيس الحكومة؛ إذ إن الساحة الإسرائيلية مقبلة على مشاريع قوانين وخطوات تعدّ حسّاسة جِـدًّا، ومن المفيد للائتلاف بتركيبته الحالية منع أي تمرّد عليها مسبقًا، وخَاصَّة القوانين المتعلّقة بتجنيد الحريديم والعطاءات المالية لهم، والتي يعارضها غالانت وبعض الأقطاب الرئيسيّة الأُخرى في حزب «الليكود».

هكذا، يتضح أن الحرب في غزة، والمواجهة في الشمال، وكيفية إدارة الجبهتين وأهدافهما، كلّها في الواقع «شمّاعات سياسية» يغطّي بها نتنياهو نيته إقالة غالانت، ومن ثم التلويح لأعضاء حزبه، من زملاء الأخير، بأن ما حصل مع وزير الأمن، على رغم الظروف القاهرة التي تمر بها إسرائيل، سينسحب على أي متمرّد على القرارات التي سيتخذها رئيس الوزراء في الدائرة السياسية الداخلية.

يأتي ذلك فيما تهدّد الأحزاب الحريدية بالانسحاب من الائتلاف وإسقاط الحكومة، ما لم تُقَرّ سلّة مطالبها، وفي المقدمة منها قانون إعفاء طلبة المدارس الحريدية من التجنيد الإلزامي في الجيش الإسرائيلي، علماً أن الخلاف التاريخي بين القطاع الحريدي وباقي القطاعات الإسرائيلية حول هذه المسألة، قائم منذ تأسيس الكيان عام 1948.

وسواء خرجت خطوة إقالة غالانت إلى حيّز التنفيذ، أَو اكتفى نتنياهو بالتلويح بها، فإن ذلك لا يمنع الأخير من محاولة الاستفادة مما يحصل داخلياً في أكثر من اتّجاه، ربطاً بالحرب على غزة، أَو بجبهات الإسناد، وعلى رأسها الجبهة اللبنانية التي تعدّ أكثر إشكالية وتعقيداً من غيرها، بعد ما يقرب من عام على المواجهة فيها، وفشل كُـلّ المحاولات السياسية والعسكرية والنفسية لفصلها عن غزة.

وعلى هذه الخلفية، يجري تبرير نية إقالة غالانت بأن الأخير لا يريد حرباً مع لبنان، خلافاً لإرادَة رئيس الوزراء، وهو ربط يتوافق في الواقع مع المصلحة الإسرائيلية، ولا سيما في ظل وجود المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، في إسرائيل.

وعلى رغم أن كيفية التعامل مع لبنان هي في رأس سلّم أولويات طاولة القرار في تل أبيب حَـاليًّا، إلا أن الحديث عن الخلاف حول لبنان تحديداً، هو من «الحركات» الجديدة القديمة، التي يظنّ الإسرائيليون في العادة أنهم يبدعون فيها، فيما هي واضحة جِـدًّا للطرف الآخر.

جبهتا غزة والشمال، وكيفية إدارتهما وأهدافهما، «شمّاعات سياسية» يغطّي بها نتنياهو توجّـهاته

ويختلف نتنياهو وغالانت إزاء عدد كبير من السياسات ومشاريع القوانين والتوجّـهات في مختلف مناحي السياسة الداخلية في إسرائيل، وذلك منذ ما قبل الحرب على غزة.

وبرزت الخلافات منذ أن أعلنت الحكومة خططها لما سمّته «الإصلاح القضائي» عام 2023، حَيثُ وقف غالانت في حينه ضد رئيسه في الحكومة والحزب.

وفي الآونة الأخيرة، اختلف الجانبان حول كيفية التعامل مع حرب غزة وأهدافها وطريقة الخروج منها، بما يشمل شروط صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.

وكما تسرّب، يتّهم وزير الأمن نتنياهو بأنه يقدّم مصالحه السياسية – الشخصية على اعتبارات الأمن القومي لإسرائيل.

وإذا خرجت إقالة غالانت إلى حيّز التنفيذ هذه المرة، فإن ثمة إشارات كثيرة دالّة على إمْكَان استبداله برئيس حزب «اليمين الوطني»، جدعون ساعر، وهو من الشخصيات السياسية الإسرائيلية التي ليس لها خبرات أمنية وعسكرية، ويُتوقَّع أن يكون طيّعاً جِـدًّا في يد نتنياهو في كُـلّ ما يتعلّق بمواضيع الخلاف الحالية مع غالانت.

وساعر نفسه كان أَيْـضاً خصماً سياسيًّا لرئيس الحكومة – وهنا المفارقة -، وكان قد انشق عن «الليكود» وسحب معه شريحة ناخبة يُعتدّ بها، تتمثّل الآن في «الكنيست» بأربعة أعضاء، سينضمون إلى الائتلاف في حال تعيين زعميهم، ليعزز نتنياهو بذلك من قوته السياسية.

ومن هنا، يقدَّر أن تمنح الإقالة استقراراً للائتلاف، وأن تردع أغلبية أعضاء «الكنيست» من حزب «الليكود»، ممن كان يُراهَن عليهم للانقلاب على نتنياهو، عن التمرّد على قراراته، ومن ثم إسقاطه عبر حزبه.

لكن هل يُقدِم نتنياهو على هذه الخطوة؟ كُـلّ الإشارات تدلّ على ذلك، ولكنها كانت هكذا في الماضي أَيْـضاً، قبل أن يعود نتنياهو ويجمّد خطوة الإقالة.

* الأخبار البيروتية

You might also like