كل ما يجري من حولك

صحيفة غربية تكشف: التحالفُ الأمريكي كارثةٌ على الجميع في البحر الأحمر ولا يساعد أحدًا

179

متابعات| تحليل*:

مرة أُخرى، شكلت الولايات المتحدة تحالفاً عسكريًّا دون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويهدف هذا التحالف، الذي يطلق عليه اسم “عملية حارس الرخاء”، إلى ضمان حرية الملاحة والتصدي لاعتداءات الحوثيين. ومع ذلك، فإن ظلال المساعي العسكرية السابقة في الشرق الأوسط تلوح في الأفق، مما يلقي بظلال من الشك على النجاح المحتمل لهذا التحالف. تاريخيًّا، لم تحقّق التحالفات المماثلة التي تقودها الولايات المتحدة النتائج المرجوة. على سبيل المثال، شهدت “الحرب العالمية على الإرهاب” انخراط الولايات المتحدة وحلفائها، وخَاصَّة من أُورُوبا وحلف شمال الأطلسي، في أفغانستان. وعلى الرغم من الأهداف الأولية، انتهت الحملة بظهور طالبان بشكل أكثر قوة من ذي قبل. وقد تم التوصل إلى هذه النتيجة دون المواءمة الكاملة للمصالح الأُورُوبية. اليوم، تطور المشهد الجيوسياسي. فقد اشتدت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، واشتدت المعارضة العالمية للمبادرات الأميركية، وتواجه أميركا وأُورُوبا تحديات متزامنة على جبهات متعددة، على عكس ذي قبل. ونظراً لهذه الظروف، فإن احتمالات تحقيق التحالف البحري لأهدافه تبدو ضئيلة، وخَاصَّة في ضوء انشغالات أُورُوبا الحالية بالصراع في أوكرانيا وصراعاتها في العمليات البحرية، مثل إدارة تدفق المهاجرين من شمال أفريقيا. وفي هذا السياق، يبدو أن الولايات المتحدة ربما تقود أُورُوبا إلى صراع آخر ــ صراع ليست القارة مجهزة للتعامل معه ولا تستفيد من الدخول فيه. منذ ما يقرب من نصف ألف عام، منذ أن سعى البرتغاليون إلى إنشاء طريق بحري إلى آسيا، كان البحر الأحمر قناة اقتصادية واستراتيجية بالغة الأهميّة، وشهد توترات بين اللاعبين الإقليميين وصراعات على السلطة بين القوى العالمية الكبرى. هذا الممر المائي الحيوي، المسؤول عن حوالي 30 % من حركة سفن الحاويات العالمية والعبور اليومي لـ 1.7 مليون برميل من النفط و4. 5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، واجه مؤخّراً تحديات أمنية. وتهدف هذه الاضطرابات، المنسوبة إلى تصرفات الحوثيين، ظاهريًا إلى الاحتجاج على سياسات إسرائيل تجاه غزة. ونظراً لأهميّة البحر الأحمر، فإن إعادة الملاحة الآمنة والمفتوحة تشكل مصدر قلق دولي. واقترحت الولايات المتحدة تشكيل تحالف بحري لمعالجة اضطرابات النقل والسعي إلى حَـلّ سلمي في المنطقة. وتعمل واشنطن على حشد حلفائها التقليديين، وخَاصَّة في أُورُوبا، لدعم هذه المبادرة. ومع ذلك، فإن الدول الأُورُوبية، التي تتصارع بالفعل مع تعقيدات التحالفات السابقة والصراعات الإقليمية الحالية، تبدو متردّدة في الالتزام بهذا التحالف الجديد، مثقلة بالشكوك السائدة والتحديات التي تواجهها. تواجه الدول الأُورُوبية معضلة متعددة الأوجه:، حَيثُ يُنظر إليها على أنها حليفة قوية لإسرائيل، مما يعقد موقفها في العلاقات الدولية. وتثير احتمالات تصاعد التوترات وتداعياتها الإقليمية مخاوف بشأن إثارة أزمة لاجئين يمكن أن تصل إلى حدود أُورُوبا. فضلاً عن ذلك فإن الموارد العسكرية الأُورُوبية تعاني من استنزاف شديد، بعد أن خصصت بالفعل قدراً كَبيراً من الدعم لأوكرانيا. وهذا لا يترك سوى قدر ضئيل من القدرة على التدخلات الإضافية، وخَاصَّة تلك التي لا يقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أَو التي لا تقع ضمن نطاق حلف شمال الأطلسي. تراجعت حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز عن تعهدها الأولي بالانضمام إلى الائتلاف، مما يعكس إحجامًا أُورُوبيًا أوسع نطاقًا عن المشاركة في ائتلافات غير مرخصة. وقد أعلنت إيطاليا أن أصولها البحرية ستظل تحت القيادة الوطنية، مما يشير إلى تفضيلها للحكم الذاتي على العمل الجماعي. وتعرب فرنسا أَيْـضاً عن تحفظاتها بشأن تحويل مواردها إلى البحر الأحمر، الأمر الذي قد يقوض وجودها الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط. إن الغياب الملحوظ للدول العربية الرئيسية، مثل مصر والمملكة العربية السعوديّة والإمارات العربية المتحدة، عن هذا التحالف يزيد من تقليص شرعيته المتصورة. ويتفاقم هذا الوضع بفعل التحديات التاريخية التي تواجهها أُورُوبا في ما يتصل بالعمليات البحرية، والتي تجسدت في المحاولات الفاشلة لإدارة تدفقات الهجرة إلى البحر الأبيض المتوسط، والتي أَدَّت عن غير قصد إلى فرض حصار على تونس وليبيا. وقد شهدت الأشهر الأخيرة تحولات كبيرة في الارتباطات العسكرية الأُورُوبية: فقد غادر آخر جندي ألماني مالي، وتعمل فرنسا على تقليص وجودها الطويل الأمد في أفريقيا. وفي الوقت نفسه، تتضاءل قدرة أُورُوبا على مواصلة دعمها لأوكرانيا. وقد أَدَّى الصراع في غزة إلى تفاقم التحديات الأمنية التي تواجه أُورُوبا، مما أثار المخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي، وإمدَادات الطاقة، والمخاطر المرتبطة بزيادة الهجرة والإرهاب.

وفي خضم هذه التطورات، فإن احتمال الانضمام إلى صراع جديد في البحر الأحمر ــ وخَاصَّة الصراع الذي تقوده الولايات المتحدة، والتي أبدت في السابق استعدادها للعمل من جانب واحد ــ يشكل معضلة لأُورُوبا. وقد لا تتماشى مثل هذه المشاركة مع الأهداف الاستراتيجية الأُورُوبية. وعلاوة على ذلك، فإنه يهدّد بتقويض النظام القانوني الدولي وتفاقم التوترات الإقليمية في غزة، وهي النتائج التي تحرص أُورُوبا على تجنبها.

* صحيفة /مراجعة أوراسيا

 

You might also like