إدارةُ معركة “طوفان الأقصى”: القبضُ على عُنق “إسرائيل” في عُهدة اليمن!
متابعات| تقرير*:
خلال معركة “طوفان الأقصى”، اختبرت حركات المقاومة في المنطقة نوعاً آخر من التنسيق العسكري يرتكز بالدرجة الأولى على التسخين التدريجي للجبهات واستنزاف العدو كجزء من “إدارة المعركة”. وفيما تمكّن حزب الله من سحب جزء كبير من جيش الاحتلال إلى الحدود اللبنانية وتشكيل قوة ضاغطة، وأربكت الضربات العراقية القواعد الأميركية وأدخلتها ضمن بنك الأهداف، تولى اليمن مهمة إقلاق إيلات والقبض على عنق “إسرائيل” اقتصادياً واستخبارياً في البحر الأحمر وباب المندب، للمرة الثانية بعد حرب أكتوبر قبل نحو 50 عاماً والتي فعلها اليمن أيضاً.
حملت الولايات المتحدة برسائلها “الساخطة” إلى سلطنة عمان لإبلاغها إلى صنعاء. وكشف قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، عن أنها تضمنت عدة مسارات اختلفت بين التهديد المباشر. والتهديد بعودة الحرب من جهة التحالف. والإعاقة للاتفاق مع التحالف بعد أن كان وشيكاً، والإعاقة للمساعدات الإنسانية. وبحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى موقع “الخنـادق” فإن الدفعة الأولى من الصواريخ التي أطلقت على فلسطين المحتلة، جاءت بعد ساعات على تبليغ صنعاء بقرارها بأنها غير معنية بتهدئة القلق الأميركي.
كان الإعلان الرسمي عن تبني الحركة لعملياتها في الداخل المحتل، بمثابة ناقوس الخطر في مختلف القنوات الدبلوماسية الغربية. اذ ان واشنطن التي اعتادت ممارسة الاملاءات على الأنظمة العربية طيلة عقود، ضاقت ذرعاً بخياراتها الضيقة المفتوحة أمامها والتي من شأنها أن تثني الحركة عن قرارها بالتدخل العسكري الفعلي. وتؤكد المصادر نفسها في حديثها “للخنـادق”، أن إلهاء صنعاء عبر تسخين الجبهات في الداخل اليمني كان أمراً مطروحاً. وقد يكون عبر:
–زج دول العدوان السعودي الإماراتي في عمل عسكري مباشر ضد الحركة، ما سيترتب عليه إعادة استهداف اليمن لأهداف في العمق السعودي والاماراتي. وهو الأمر الذي ترفضه السعودية التي خبرت عن قرب ضعف الدفاعات الجوية الأميركية على أراضيها في صد الصواريخ والمسيّرات اليمنيّة، طيلة 8 سنوات وخلال الحرب على غزة. من ناحية أخرى، فإن الشروط التي وضعتها الرياض لإتمام صفقة التطبيع مع كيان الاحتلال، فيما يتعلق ” بضمانات أمنية بمثابة تصنيف السعودية كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو”، يعبّر عن عدم الرضا السعودي حيال التخلي الأمني العسكري الأميركي عنها خلال الحرب والذي دفعت ثمنه باهظاً.
-دفع دول العدوان بوكلائها وميليشياتها العسكرية في الداخل إلى التصعيد في عدد من الجبهات. وكشفت المصادر، أنه بالفعل جرى رصد تحركات عسكرية في مأرب والساحل الغربي لميليشيات تابعة للإمارات، وهو ما يتماهى مع “الدفاع المستميت” الذي تؤديه أبو ظبي عن كيان الاحتلال والذي يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها منذ بدء الحرب كإرسال مساعدات “إنسانية” للكيان.
وتقول المصادر أنه “على الرغم من هذه التحركات، تدرك واشنطن محدودية التأثير التي يمكن أن تتركه هذه الميليشيات على قرار عظيم كالذي اتخذته الحركة من منطلق مبدئي إيماني عقائدي”. وتضيف “لو استطاعت هذه الميليشيات تأدية ما هو مطلوب منها طيلة 8 سنوات، لم يكن للحركة القدرة أساساً على امتلاك هذه الأسلحة النوعية وبعيدة المدى، لكنها فشلت”. وتؤكد المصادر، أن “واشنطن لم تقم بأي ضربة عسكرية في اليمن رداً على خيار الأخير في خوض المعركة إلى جانب المقاومة الفلسطينية”. وأعادت السبب إلى أنها لا تريد تصعيداً في تلك المنطقة، وهي المدركة بأن الرد سيقابله رداً مضاداً.
وعن استهداف إيلات التي تبعد أكثر من 1300 كلم، مع وجود بنك أهداف إسرائيلي أميركي منتشر في تلك المنطقة، وستكون الضربات فيه مؤكدة، تشرح المصادر هدف اختيار إيلات وجهة للصواريخ وتقول أن “إيلات التي كانت تعد مكاناً ينأى عن ضربات المقاومة الفلسطينية وتستضيف المستوطنين الهاربين من غلاف غزة وبقية المستوطنات، يجب أن لا تبقى كذلك”. وتضيف “سقوط عدد من الجنود الإسرائيليين خارج الجغرافية الفلسطينية، على أهميتها، إلا انها لا تشكل أولوية عند القيادة الإسرائيلية الغارقة في غزة وغير القادرة على إيجاد الرهائن وبالتالي، كان الهدف توجيه ضربة أكثر إيلاماً”. وتشير المصادر في حديثها إلى موقع “الخنـادق” إلى انه “رغم ذلك، كل الخيارات مطروحة على الطاولة، واتساع رقعة المواجهات مرهونة بالتصعيد الإسرائيلي وعمليات يمنية في البحر الأحمر أمر وارد”. وهو ما أكده السيد الحوثي في كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد في إشارة إلى أن “تخطيطنا لعمليات إضافية في كل ما يمكن أن نناله من أهداف صهيونية في فلسطين أو في غير فلسطين، فلن نتوانى عن فعل ذلك…. في البحر الأحمر، وبالذات في باب المندب، وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية، عيوننا مفتوحة للرصد الدائم، والبحث عن أي سفينة إسرائيلية… ولن نتوانى عن استهدافها”.
الواقع، أن الإجماع الدولي والغربي على وجه الخصوص، على اعتبار أن ما قبل 7 أكتوبر لن يكون كما بعده، لا يقتصر فقط على “إسرائيل” في فلسطين المحتلة، بل هو مرتبط بشكل المنطقة ككل. فالولايات المتحدة التي وضعت هدفاً أول مع بدء الحرب على اليمن بتجريد حركة أنصار الله من مقومات صمودها وترسانتها العسكرية، بات لزاماً عليها اليوم التعامل مع هذا التهديد بشكل أكثر تشدداً، وقد يترجم ذلك عملياً في مخرجات المفاوضات مع السعودية والتي توقفت منذ بدء الحرب على غزة.
* مريم السبلاني
-كاتبة في موقع الخنادق.
-ماجستير علوم سياسية.