“نهايةُ الكيان المؤقَّت” في العقلِ “الإسرائيلي”
متابعات| تقرير*:
تكاثرت الكتابات الإسرائيلية والصهيونية مؤخراً حول “نهاية الكيان المؤقت“، لا سيما بعد تصريح قادتهم عن عقدة الثمانين، وان إسرائيل قد تواجه الزوال وليس أمامها سوى سنوات معدودة، ابتداء، لا بد أن نذكر حقيقة تاهت عن الكثيرين، وهي أن موضوع “نهاية الكيان” متجذر في الوجدان الصهيوني. فمنذ نشوء الدولة أدرك الكثير من الاسرائيليين، أن المشروع الصهيوني سيتحوّل إلى كابوس. لكن بعد إنشاء الدولة، وبعد أن حقق المستوطنون الصهاينة “النصر” على الجيوش العربية، تصاعد هاجس النهاية.
ففي العام 1954 قال موشيه دايان، وزير الحرب والخارجية الإسرائيلي، في جنازة صديق له قتلته المقاومة الفلسطينية آنذاك: “علينا أن نكون مستعدين ومسلّحين، أن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة”.
النهاية، ماثلة دائماً في العقول، فالضحايا الذين طردوا من ديارهم تحولوا هم وابناؤهم إلى فدائيين يقرعون الأبواب ويطالبون بالأرض التي سلبت منهم.
ولذا فإن الشاعر الصهيوني حاييم جوري يرى أن كل “إسرائيلي يُولَد وفي داخله السكين الذي سيذبحه” فهذا التراب أي “الكيان المؤقت” لا يرتوي، فهو يطالب دائماً “بالمزيد من المدافن وصناديق دفن الموتى”. في الميلاد يوجد الموت وفي البداية توجد النهاية.
وكتب الروائي الصهيوني أبراهام يهوشوا قصة بعنوان “في مواجهة الغاية”، وذلك في النصف الأول من الستينيات، تحكي القصة عن الحالة النفسية لطالب صهيوني عُين حارساً لغابة غرسها الصندوق القومي اليهودي على مقربة من قرية عربية أزالها الصهاينة مع ما أزالوا من قرى ومدن، ورغم أن هذا الحارس ينشد الوحدة، لكنه يقابل عربياً عجوزاً أبكم من أهل القرية يقوم هو وابنته برعاية الغابة، تنشأ علاقة حب وكره بين العربي والإسرائيلي، الإسرائيلي يخشى انتقام العربي الذي أصيب بعاهته أثناء عملية التنظيف العرقي التي قام بها الصهاينة عام 1948. ولكنه على الرغم من هذا يجد نفسه منجذباً الى العجوز العربي، بصورة غير عادية، بل يكتشف أنه يحاول، بلا وعي، مساعدته في إشعال النار في الغابة. وفي النهاية عندما ينجح العربي في أن يضرم النار في الغابة، يتخلص الحارس من كل مشاعره المكبوتة، ويشعر براحة غريبة بعد احتراق الغابة، أي ما يُعرف ب “الكيان المؤقت”.
وفي مجلة نيوزويك في 2 نيسان 2003، صدرت بغلاف يحمل نجمة “الكيان المؤقت“، وفي داخلها السؤال التالي: “مستقبل إسرائيل: كيف سيتسنى لها البقاء؟”، وأوضحت المجلة أكثر حين قالت: هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأية هوية؟ والمهم في هذا السياق ما قاله الكاتب الإسرائيلي عاموس إيلون مؤكداً أنه في حالة يأس لأنه يخشى أن يكون الأمر قد فات، ثم أضاف: “لقد قلت لكم مجرد نصف ما أخشاه؛ النصف الثاني أن الوقت قد فات بالفعل “. ويشير الكاتب في صحيفة يديعوت احرونوت إيتان هابر إلى أن الجيش الأميركي كان مسلحاً بأحدث المعدات العسكرية، ومع هذا يتذكر الجميع صورة المروحيات الأميركية تحوم فوق مقر السفارة في سايغون، محاولة إنقاذ الاميركيين وعملائهم المحليين في ظل حالة من الهلع والخوف حتى الموت. إن الطائرة المروحية هي رمز الهزيمة والاستسلام والهروب والجبان في الوقت المناسب، ثم يستمر الكاتب نفسه في تفصيل الموقف:” إن جيش الحفاة في فيتنام الشمالية قد هزم المسلحين بأحدث الوسائل القتالية. ويكمن السر في أن الروح هي التي دفعت المقاتلين وقادتهم الى الانتصار. الروح تعني المعنويات والتصميم والوعي بعدالة النهج والإحساس بعدم وجود خيار آخر، وهو ما تفتقده (إسرائيل) التي يكتنفها اليأس”.
ولم يقتصر الخوف والعلع الإسرائيلي على الكُتاب وأهل الصحافة، بل تعداه الى الشخصيات العامة مثل إسحق رابين وموشيه دايان، ففي أيلول 1970 عقد إسحق رابين مقارنة بين ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية حيث توصل الى أن الخطر الأساسي الذي يهدد الكيان المؤقت هو تجميد الهجرة، وأن هذا هو الذي سيؤدي الى اضمحلال الدولة بسبب عدم سريان دم جديد فيها. أما عضو الكنيست يوري إفنيري، فأدرك منذ البداية استحالة تحقيق المشروع أو الحلم الصهيوني، لذا كان ينشر منذ الخمسينيات مجلة “هاعولام هزه”(هذا العالم) والتي تخصصت في توجيه النقد للسياسات الصهيونية.
واليوم عاد هاجس النهاية الى الإسرائيليين، وخاصة بعد الانتصار والصمود البطولي للمقاومة في لبنان وفلسطين وإبداعها في مقاتلة العدو، عدا عن انبعاث المقاومة في الداخل المحتل، فيما عقدة الثمانين، بل لعنة الثمانين تلاحق حكام إسرائيل، ونختم بقول للمثقف الإسرائيلي شلوم رايخ: “إن إسرائيل تركض من نصر إلى نصر حتى تصل إلى نهايتها المحتومة”. كيف والحال الآن ان زمن انتصاراتهم قد ولى وزمن هزائمهم قد جاء.