مناورةُ حزب الله.. من “الردع الدفاعي” إلى الردع الهجومي”
مناورةُ حزب الله.. من “الردع الدفاعي” إلى الردع الهجومي”
متابعات| تقرير*:
وخزت “مسلة” مناورة حزب الله العسكرية ليس “إبط” العدو الصهيوني بل كل مفصل في جسد كيانه، فعاجلها بالرد محاولاً كعادته أمام عجزه الايقاع بين المقاومة والحكومة اللبنانية أو بينها وبين اللبنانيين، أما إعلام الكيان الغاصب فكشف عن مدى متابعة “اسرائيل” للمناورة عن كثب، ولحظة بلحظة، وعمّا كانت “اسرائيل” تترقبه خلالها، من ظهور لـ”الصواريخ الدقيقة التي تزيل النوم من عيون المؤسسة الأمنية والعسكرية”، دون أن يحجب غياب هذا السلاح عن المناورة حجم الاهتمام “الاسرائيلي” بما جرى خلالها من اقتحام مستوطنة “إسرائيلية” وعملية أسر جنود مفترضة واجتياز الحدود وعرض سلاح مسيّرات مجهّزة بصواريخ هجومية.
إزاء ذلك، وأمام رد “الاسرائيلي” على مناورة المقاومة في عرمتى جنوب لبنان، ما بال بعض اللبنانيين يجاهرون ليس بالخصومة مع المقاومة فحسب، بل يسعون ليل نهار بغمز ولمز لتشويه صورتها وتلويث نصاعتها، ويذهبون بمضامين مواقفهم الى حد التقاطع مع كيان العدو و”أجندته”، ولو لطفوا بعض عباراتهم أو مصطلحاتهم، فما الفرق يا ترى بين “وضع المناورة برسم الحكومة”، كما علّق “افيخاي أدرعي” وبين تنطح البعض لوصف منطقة الجنوب بأنها “منطقة سائبة لسلاح حزب الله واستقوائه”، أو حديث البعض عن “إخضاع الحزب للدولة” وعن “سلطة عاجزة حتى على الاعتراض”، وعن أن “الحزب لم يعد يبالي بتاتًا بالسلطة الشرعية”. علمًا أن سمفونية “الدولة والدويلة” التي اعتاد مناهضو المقاومة على تردادها، إزاء كل إستحقاق، لم تكن تحتاج الى مناورة من حزب الله ليعود عزفها من جديد. فنغمات كـ”الحزب دويلة داخل الدولة”، و”جيش نظامي في دويلة”، و”ضرب هيبة الدولة” و”حصرية السلاح”، و”فائض القوة والاستقواء بالسلاح”، و”خطف سيادة لبنان” و”قرار الحرب والسلم”، منذ متى غابت عن المشهد السياسي والاعلامي في الاساس.
لم يكتف هؤلاء بتوصيفاتهم، فأظهرت تحليلاتهم وقراءتهم المنحرفة لرسائل المناورة، جهلاً تامًا بمفاهيم الصراع مع العدو بل حتى ربما تجاهلاً للاعتراف بوجود عدو، وبالتالي كيف لك أن تقنع من لا يعترف بخطر عدو جاثم خلف الحدود، بأن هناك مقاومة قادرة رادعة لهذا العدو. ضيق النظر وقصره هذا جعل البعض لا يرى المناورة سوى استعراض موجه الى كل الاتجاهات عدا “اسرائيل” منها:
- رسالة تهديد وترهيب داخلية لفرض اجندات رئاسية وسياسية جديدة، وللقول بأن سلاح الحزب باق وغير قابل للنقاش أو التفاوض رغم أنف اللبنانيين.
- رد مباشر سريع على موقف القمة العربية الأخيرة في جدة السعودية، فـ”مشهدية عرمتى” أتت قبل أن يجف حبر الموقف العربي في قمّة جدّة.
- استعراض على حدود الاتفاق السعودي- الإيراني- الصيني لتكريس قواعد الاشتباك القائمة إقليمياً، وللتأكيد أن الحزب في قلب أي تسوية اقليمية، وبأن كل ما يجري من تفاهمات “لا يطال سلاحه ووجوده”.
ما هكذا تورد الإبل يا سياسيين ويا محللين وإعلاميين.. الوخز بـ”مسلة صواريخ حزب الله” وجهته واحدة ومعروفة، لذا دعكم من تلك قراءاتكم الهمايونية البعيدة كل البعد عن الواقع والحقيقة. ألا يفترض بمن يمتلك حسًا وطنيًا أو يشعر به، ألا يجير كل الأمور للاستثمار في خصوماته السياسية، فكيف بالأحرى حينما يكون العنوان مقاومة اختلط دم شهدائها بكل حبة تراب في الجنوب والبقاع، دفاعًا عن لبنان، أليس أقل الواجب عدم خلط المصالح السياسية الآنية الضيقة بمصالح وطنية كبرى. من هنا لا يمكن قراءة مضامين رسائل مناورة المقاومة بعيدًا عن عاملي التوقيت والمكان الذي جرت فيه.
– فمن حيث التوقيت، تأتي المناورة في شهر أيار، بما يحمله من دلالات، فقد أضحى شهر المقاومة، فيه بدأ عصر النكبات، ومنه إنطلق زمن الانتصارات، ليتعاظم ويتجلى تعاضدًا في “وحدة الساحات.. تأتي المناورة بالمناسبة ال23 لذكرى التحرير عام 2000، وهذا التحرير لم يكن خاصًا بفئة من اللبنانيين دون غيرهم فمنطقة الشريط المحتل سابقًا يوجد فيها لبنانيين من مختلف الطوائف. كما أن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أهدى هذا النصر والتحرير لجميع اللبنانيين دون استثناء في خطابه الشهير في بنت جبيل في 26 ايار 2000. لذا لا يجوز إغفال هذا المعطى في قراءة رسائل مناورة حزب الله العسكرية.
– اما من حيث المكان، جرت العملية على اراضي بلدة عرمتى التي كانت محتلة قبل التحرير عام 2000، والتي كانت عملية اقتحام المقاومة لموقع الاحتلال فيها آنذاك 28-4-2000 فاتحة عهد التحرير والانتصارات، تلك العملية التي جرت بإشراف القائد الجهادي الكبير الشهيد الحاج عماد مغنية، وقد جرى تفجير الموقع المذكور من قبل المقاومين بشكل كامل لتبدأ المرحلة العملية والأخيرة لإنجاز التحرير. من هنا تبرز أهمية ودلالات المكان، فالمناورة جرت في معسكر “كسارة العروش” الذي كان تحت نير الإحتلال الإسرائيلي، وحررته المقاومة محولة أحلام المحتلين الى أوهام.. ومحطمة معابر الذل وفاتحة إياها أما اللبنانيين متوجة بعبارة “إدخلوها بسلام آمنين”.
يتضح مما تقدم أن بعد نظر المقاومة جعلها بعيدة دومًا عن الزواريب الضيقة التي يجهد البعض لإدخالها فيها، فهي لم تكن يومًا لحزب او لطائفة أو مذهب، بل هي للبنانيين جميعًا، حتى أولئك الذين يجاهرون بعدائها، ولا يوفرون فرصة للنيل منها. ولأنها كذلك فإن مناورتها الأخيرة بالتأكيد هي ليست موجهة إلا الى لطرف واحد هو “اسرائيل” لمنعها من محاولة تغيير قواعد اللعبة، وبذلك تكون مناورة المقاومة رسالة قوة واقتدار وإعلان عن استراتيجية جديدة مفادها الانتقال في مفهوم “الردع الدفاعي” الى مرحلة “الردع الهجومي” المستند الى وضع معادلة الجليل والعبور إلى عمق فلسطين المحتلة موضع التنفيذ بحال إرتكاب العدو أي حماقة أو عدوان على لبنان.
* الخنادق