كل ما يجري من حولك

عطوان يقدّمُ قراءةً ”متعمَّقةً”: مقبلون على حرب طاحنة نحن طحينُها

“نقاط بوتين الست” أقلقت أمريكا وحلف الناتو.. تمهيداً لاستخدام الأسلحة النووية

1٬339

عبد الباري عطوان*

تابعنا مثل الملايين داخل روسيا وخارجها خطاب الرئيس فلاديمير بوتين السنوي امام الجمعية الفيدرالية أمس لمدة ساعتين، وهو الخطاب الذي تزامن مع الذكرى السنوية الأولى للحرب الأوكرانية، هذا الخطاب “التاريخي” جاء قويا لا يوحي بأن صاحبه نادما على خوض هذه الحرب، او متخوفا من نتائجها، بل على العكس من ذلك كليا، فقد بدى واثقا من نفسه، ومن انتصار جيشه، واصراره في الاستمرار فيها، حتى النصر، ولا خيار آخر غير ذلك.

خطاب الرئيس بوتين جاء “تعبويا” للشعب والجيش معا، يضرب على الوترين القومي والديني. القومي: عندما قال ان هذه الحرب تجري على حدود روسيا التاريخية، وتشكل تهديدا وجوديا لها، وتريد تدميرها (روسيا) وشعبها ولغتها، وثقافتها. والديني: عندما أكد انهم يريدون القضاء على قيم المذهب الأرثوذكسي، وكأنه يتحدث عن حرب “صليبية” غربية.

***

العبارة الأهم والأقوى التي وردت في خطاب بوتين، وتكررت بطريقة متعمدة، بشكل حرفي، او غير مباشر، عندما قال “نحن أصحاب حق، وسنقاتل حتى النهاية لإستعادة هذا الحق وانتصاره”، وكأنه يؤكد ان هذه الحرب لن تنتهي قريبا، ولا توجد أي نوايا لتقديم تنازلات، للوصول الى حل سلمي على حساب الأراضي الروسية، مما يعني ان ضم الأقاليم الأربعة في منطقة دونباس، وقبلها شبه جزيرة القرم كان، وسيظل ابديا، وليس موضع مساومة.

نختصر أبرز محطات هذا الخطاب الطويل، والشامل، في ست نقاط استراتيجية ربما تشكل قراءة دقيقة ليس لما بين سطوره فقط، وترسيم صورة عمومية لتطورات مستقبل الحرب وأمن العالم واستقراره:

  • أولا: إعلان الرئيس بوتين عن تعليق معاهدة ستارك الجديدة، يعني العودة الى السباق النووي، ورفع كل القيود عن احتمال إستخدام الأسلحة والرؤوس النووية إذا اقتضى الأمر.
  • ثانيا: قدم الرئيس الروسي مطالعة قوية حول كيفية بدء الحرب الأوكرانية، وللتأكيد على لوم الغرب، وان ارسال قواته الى أوكرانيا كان بمثابة “ضربة إستباقية”، لان الغرب، ومثلما اعترفت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وقع معاهدة مينسك لوقف الحرب في شرق وجنوب أوكرانيا عام 2014 لكسب الوقت، وتسليح الجيش الاوكراني.
  • ثالثا: الرئيس بوتين قال ان أمريكا وحلفاءها، كانوا، وما زالوا، يريدون تدمير روسيا، وخطتهم المدروسة تمثلت في خلق صراع محلي (أوكرانيا) وتحويله الى حرب عالمية، نراها (والحديث له) تهديدا وجوديا علينا، وسنرد عليها وفقا لهذا المنظور.
  • رابعا: حرب أوكرانيا لن تنتهي قريبا، وطالب بوتين مواطنيه بالتعايش معها، والحصار الغربي من اجل هزيمته (الحصار) مؤكدا انه يملك قوات احتياط قادرة على الاستمرار حتى النهاية، واكد ديمتري ميدفيديف، نائبه في مجلس الامن القومي و”الناطق” غير المسمى بإسمه، انه اذا أوقفت موسكو “عمليتها العسكرية” هذه دون تحقيق نصر فلن يبقى شيء اسمه روسيا، واذا بقيت ستكون مدمرة وممزقة الى أشلاء.
  • خامسا: هذا التركيز طوال الخطاب على تمزيق روسيا، واذلالها، وازالتها من الوجود قد يكون تمهيد صريح و”شرعنة” لإستخدام السلاح النووي تحت عنوان الدفاع المشروع عن النفس بكل الوسائل الممكنة.
  • سادسا: وجود الدبلوماسي الصيني الأكبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني وانغ يي بين الحضور، جنبا الى جنب مع عدد كبير من جنرالات الجيش الروسي، نساء ورجالا، يؤكد ان الصين تقف في الخندق الروسي ولو في المقاعد الخلفية حتى الآن، وهذا مؤشر مهم سيشكل قلقا للقادة الاستراتيجيين الغربيين، ولوحظ ان الكاميرات كانت مسلطة عليه من حين لآخر اثناء بث الخطاب لإيصال هذه الرسالة المذكورة آنفا.

***

بعد خطاب الرئيس بوتين، واستعراض النقاط والمعاني الأعمق له، يمكن ان نتوصل الى نتيجة أولية مفادها ان الحرب الأوكرانية هي بداية حرب قد تتطور الى دينية مذهبية مسيحية مسيحية، أي بين المسيحية الشرقية والأخرى الغربية، ولكن بلباس سياسي استراتيجي، فبوتين يمثل الإمبراطور بيتر الأعظم، او كاثرين العظمى، ويريد احياء الإمبراطورية القيصرية على أرضية القومية الروسية.

بعد 12 شهرا من هذه الحرب كل المؤشرات تقول بأن بوتين هو المنتصر حتى الآن، فاقتصاد روسيا اقوى مما كان عليه قبلها، واعترف جوزيف بوريل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي يوم امس بهذه الحقيقة عندما قال ان الاقتصاد الروسي قوي على غير المتوقع بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وغطى جميع نفقات الحرب، كما ان الجيش الروسي لم ينشق، ولم يتمرد قادته وجنرالاته على رئيسهم بوتين، والمظاهرات المعارضة للحرب كانت مجرد أوهام يعكسها الاعلام الغربي في إطار حملاته التضليلية رغم وقوع خسائر كبيرة في الجيش الروسي، مضافا الى ذلك اننا لم نشهد هجرة الملايين من المواطنين الروس هربا من الحرب وتبعاتها التي لم تصل اليهم، ويتابعونها عبر الشاشات، على عكس “اشقائهم” الاوكرانيين.

ربما يتجسد التطور الأهم في الأشهر المقبلة ليس في هجوم الربيع للقوات الروسية فقط، وانما في دراسة الصين تزويد روسيا بأسلحة متطورة، وهذا اذا تحقق سيكون نقطة النهاية للتفوق الأمريكي، وتعديل جدي لـ”التأخير” الروسي في ميادين حرب الذكاء الصناعي العسكري، فالحرب الحالية قد تتطور الى حرب أنظمة صناعية، ومدفعية وصواريخ وذخائر دقيقة، وهنا تكمن القوة الصينية العسكرية الحقيقية المسكوت عنها، وربما تغير كل معادلات الحرب الأوكرانية، وربما حرب تايوان القادمة.

دخول حرب أوكرانيا عامها الثاني يوم 24 شباط (فبراير) الحالي، قد يكون حافلا بالمفاجآت، ولغير صالح أمريكا وحلف الناتو.. والأيام بيننا.

* رأي اليوم

You might also like