كل ما يجري من حولك

لهذا صعّد “السيّد” هُجومَه على السعوديّة في هذا التّوقيت.. وهذا ما الذي أغضبه

 أين أخطأ السعوديّون؟ وكيف كان الرئيس عون أكثر حكمةً في تعاطيه مع “الأزمة” من رئيس وزرائه نجيب ميقاتي؟

437

متابعات| رصد*:

شنّ السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله هُجومًا “غير مسبوق” على العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ردًّا على خِطابه الأخير الذي وصف فيه الحزب بـ”الإرهابي”، ودعا القيادات اللبنانيّة إلى “تغليب” مصالح شعبها والعمل على إنهاء هيمنة حزب الله “الإرهابي” على مفاصل الدولة اللبنانيّة، قائلًا، أيّ السيّد نصر الله، “الإرهابي هو أنتم الذين أرسلتم الانتحاريين إلى العِراق، وتشنّون حربًا على اليمن مُنذ سبع سنوات، وتحتجزون آلاف العامِلين اللبنانيين في بلادكم كرهائن، ومُشاركة بلادكم السعوديّة في الحرب الكونيّة على المِنطقة”.

هُجوم السيّد نصر الله، وبهذه الشّراسة على العاهل السعودي ومملكته، الذي جاء بمُناسبة مُرور الذكرى الثانية لاغتيال اللواء قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس، يجب النّظر إليه من زاويةِ العُلاقة المُتوتّرة جدًّا هذه الأيّام بين لبنان والمملكة العربيّة السعوديّة على أرضيّة تصريحات أدلى بها السيد جورج قرداحي وزير الإعلام المُستقيل، أو المُقال، قبل تولّيه منصبه، وانتقد فيها الحرب السعوديّة في اليمن ووصفها بالعبثيّة.

ما أغضب السيّد نصر الله، والكثيرين من أنصار حزبه في لبنان، أن وصف الحزب بـ”الإرهابي” وردت على لسان العاهل السعودي، وفي خطابٍ مُباشر، وليس من قبل وزير أو وسيلة إعلاميّة، وبشَكلٍ “تحريضيّ” مُباشر، الأمر الذي يُشَكِّل سابقةً فريدةً من نوعها، تتناقض كُلِّيًّا مع إرث المُلوك السعوديين في التّخاطب مع خُصومهم، حسب ما ذكره لنا مصدر لبناني يملك خبرة عميقة في ملف العلاقات السعوديّة اللبنانيّة.

لا نعرف ما إذا كان العاهل السعودي الملك سلمان قد اختار هذا “التّوصيف” أيّ “الإرهابي” في إشارته إلى “حزب الله” في الخِطاب الأخير، فآثار المرض كانت باديةً عليه وهو يُلقيه، كما أنّه تغيّب أو “غُيّب” كُلِّيًّا عن حدثين مُهمّين في الشّهر الماضي، الأوّل زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون للرياض، والثاني انعِقاد قمّة مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي يُرَجِّح أن هذا الخِطاب قد جرى إعداده له من قبل أحد المُستشارين، وبتَوصيةٍ من الأمير محمد بن سلمان وليّ عهده، والحاكِم الفِعلي للمملكة الذي يتّخذ مواقف عدائيّة من “حزب الله” ورئيسه، ويدعم الأحزاب والطّوائف اللبنانيّة التي تقف في الخندق الآخَر لمُواجهته.

السعوديّة تغيّرت، وشَمِلَ هذا التّغيير مُعظَم سِياساتها السّابقة الداخليّة والخارجيّة التي كانت تتّسم بالحكمة والصّبر والنّفس الطّويل، وتحرص على تجنّب المُواجهات، عسكريّة كانت أو سياسيّة، أو إعلاميّة، إلا ما ندر، ولبنان أيضًا تغيّر على الصُّعُد كافّة، فحزب الله بات قُوَّةً سياسيّة وعسكريّة يُعتَدُّ بها في لبنان، وحقّق انتِصارات لبنانيّة لا يُمكن تجاهلها أبرزها تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، وهزيمة العُدوان الإسرائيلي في حرب عام 2006، وبات يُشَكِّل تهديدًا وجوديًّا لدولة الاحتِلال الإسرائيلي بامتِلاكه 150 ألف صاروخ نسبة كبيرة منها من النّوع المُتطوّر والدّقيق.

المُشكلة الكُبرى تكمن في أن القِيادة السعوديّة الجديدة ترفض أن تستوعب هذا التّغيير، وما زالت تتعامل مع لبنان كدولةٍ ضعيفة يُمكن حُكمه، والسّيطرة عليه، بالمُساعدات الماليّة، والرّهان على القِوى السياسيّة والطائفيّة التاريخيّة القديمة، في تِكرارٍ للخطأ نفسه الذي جرى ارتكابه في التّعاطي مع اليمن، وخريطة الصّراع فيه، والقُوّة الجديدة التي برزت على أرضه، والدّعم الإقليمي الضّخم لها على مدى السّنوات السّبع الماضية من عُمُر الحرب.

السيّد نجيب ميقاتي رئيس وزراء لبنان وقع في الخطأ نفسه أيضًا، عندما انتقد خِطاب السيّد نصر الله، ووصف هُجومه على السعوديّة بأنّه لا يخدم المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة، ولا يُمثّل الموقف الرّسمي للبِلاد، بينما حرص الرئيس ميشال عون على اتّخاذ موقف تُجاه الخطاب، يتّسم بالكثير من العقلانيّة والحِرص على كرامة لبنان عندما أكّد في بيانٍ رسميّ تطلّعه إلى عُلاقاتٍ جيّدة مع السعوديّة ودول الخليج الأُخرى ولكن شريطة أن يكون هذا الحِرص مُتبادَلًا وطريقًا من اتّجاهين وبما يخدم مصالح الجميع.

“حزب الله” رُكنٌ أساسيّ من الجسم السّياسي اللبناني، وشريكٌ مُهم في الحُكومة بالتّالي، وكان يجب على الرئيس ميقاتي الوعي جيّدًا بهذه الحقيقة، وإذا كان لا يُريد الوقوف في خندقه، والدّفاع عنه كشَريكٍ لبنانيّ في وجه الهُجوم السّعودي الذي تعرّض له فقد توجّب عليه أن لا ينأى بنفسه كُلِّيًّا، ويقف في الخندق الآخَر، خاصَّةً أن سِياساته الاستِرضائيّة للجانب السعودي، لم تُقابَل بأيّ تجاوب، وضُغوطه على الوزير قرداحي بالاستِقالة لم تُعطِ أيّ نتائج إيجابيّة، ولم يحظ باتّصالٍ هاتفيّ من قِبَل السّفير السعودي في لبنان، ناهِيك عن العاهل السعودي أو وليّ عهده، ولم يَعُد أيّ سفير خليجي واحد من الذين سحبتهم دولهم إلى سفاراتهم في بيروت، ونجزم بأنّ هذا الموقف للرئيس ميقاتي سيُعَمِّق الأزمة الوزاريّة وقد يُعَجِّل باستِقالته.

السيّد حسن نصر الله يختار كلماته بعنايةٍ فائقة، مثلما يختار التّوقيت المُناسب والطّريقة المُناسبة لإلقائها، وتزامن هُجومه الشّرس والقويّ على الولايات المتحدة الأمريكيّة، ومن ثمّ المملكة العربيّة السعوديّة، وفي وقتٍ تدخل فيه مُفاوضات فيينا النوويّة مرحلة الحسم سلبًا أو إيجابًا، وتتصاعد فيه التّهديدات الإسرائيليّة بضرب إيران، وتزايد التكهّنات حول قُرب انعِقاد جولة خامسة من الحِوار الإيراني السعودي في بغداد أو مسقط، كلّها تُوحي بالكثير، وتطرح العديد من علامات الاستِفهام حول طبيعة التطوّرات القادمة في هذه الملفّات، فالسيّد نصر الله يعرف الكثير، ولذلك لا نُريد استِباق هذه التطوّرات، ونُفَضِّل الانتِظار، ومن المُؤكَّد ستكون لنا عودة في المُستقبل القريب.

* رأي اليوم

You might also like