كل ما يجري من حولك

ثعابين الجنوب تلتف حول أعناق بعضها! (تقرير)

494

متابعات- تقرير

ضربة جديدة للنسيج السياسي الجنوبي، بيد مكوّن جديد خرج من عباءة مكوّنين سابقين هما “مؤتمر حضرموت الجامع” و”حلف قبائل حضرموت”.
تتواصل حالة التفكك السياسي الجنوبي، وتظهر في كل مرحلة مكونات جديدة تفرضها ظروف التحالفات والمصالح الحزبية أكثر من ظروف القضية الجنوبية، وليس صراع النفوذ الشخصي بين المحافظ “فرج بن سالم البحسني” ووكيل أول المحافظة “عمرو سالم بن حبريش”، إلا جزءاً من الصراع الممتد إلى صراع خفي بين القوى الموالية لقطبي التحالف.

ورغم تصريحات أفراد محسوبين على طرفَي النزاع، حول ضرورة توحيد الجهود والحفاظ على وحدة الصف، كما صرح بذلك سابقاً “صالح محمد مولى الدويلة” -المتحدث الرسمي السابق لحلف حضرموت- إلا أن تجاذبات الوضع أخذت منحى آخر، فكان الحياد غائباً، حتى أن البعض اتهم الدويلة نفسه بالانحياز إلى هادي والتمويه على الإمارات.

أما الحدث الأبرز خلال هذه الفترة فهو إعلان “سالم مبارك بن سميدع” إنشاء كتلة حضرمية مناهضة للمكونات الموالية لحكومة “هادي” في محافظة حضرموت، بعد إسقاط عضويته، ليصبح يوم 27 سبتمبر الجاري، تاريخاً تنازعياً جديداً في مسار الجنوب وقضيته، حيث عكس ذلك حِدَّة الصراع على مصالح مادية داخل مكونات سياسية في الجنوب.

المجلس الانتقالي بارك بالطبع تشكيل المكوِّن الوليد الذي أطلق عليه “كتلة حلف وجامع حضرموت” ومقره مدينة سيئون، ووجه عيدروس الزُّبيدي بدعم المكتب، وسُرِّبت صور لوثيقة مطالبة بصرف إكراميات لعدد من الشخصيات تتراوح بين 2000 و5000 ريال سعودي نظير ما اعتُبِرَ مساهمتهم في إنجاح افتتاح المكتب.

إعلاميون حضرميون أكدوا أن إنشاء المكتب يأتي في إطار صراع النفوذ بين الانتقالي وحكومة “هادي”، وللنكاية من طرف الانتقالي والإمارات بـ”هادي” والسعودية.
أمَّا “بن سميدع” -رئيس الكتلة المستحدثة- فبدا واضحاً للعيان أنه قبِل بالمنصب وتحرك على أساس استلامه عقب إقصائه وشخصين آخرين من مؤتمر حضرموت الجامع أواخر يوليو الماضي، بحسب وثيقة قرار سحب وإسقاط للعضوية تحت إمضاء “عمرو بن علي بن حبريش العليي”، بمبرر وجود مخالفات ارتكبها الثلاثة المُقر إسقاط عضوياتهم.

على طرف غير بعيد، كان “أحمد سعيد بن بريك” -رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي- قد أكد -مطلع سبتمبر الجاري- أن الجنوب يمر بمرحلة صعبة تتطلب تضافر جهود الجميع، في اجتماع مع وجهاء مديرية حورة ومنطقة الخشعة في محافظة حضرموت يتقدمهم الشيخ “ناجي صالح بن هجان النهدي”؛ لمحاولة استقطابهم إلى صف الانتقالي، حيث شدد على ضرورة توحيد الصف الجنوبي والالتفاف حول القضية الجنوبية وحاملها السياسي (المجلس الانتقالي)، حد تعبيره، وهو ما أثار حفيظة مكونات أخرى رأت أن في تصريحات بن بريك التفافاً عليها واحتكاراً لتمثيل القضية الجنوبية، خارج إطار الشركاء الفاعلين.

سبق ذلك احتشاد قوات النخبة الحضرمية التابعة للانتقالي -نهاية أغسطس 2021- في “عقبة عجزر” بوادي عمد واتجاهها لطرد قوات المنطقة العسكرية الأولى من مديريات وادي حضرموت، بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية من ألوية العمالقة في الساحل الغربي إلى تخوم الوادي بقيادة “هيثم قاسم طاهر” بتوجيهات من القوات الإماراتية، وفق مصادر إعلامية ميدانية آنذاك، أكدت أن الأخير وصل إلى معسكر لواء “بارشيد” الذي يضم قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، في تحوُّل ميداني يُعتبَر انعكاساً للخلافات السياسية داخل المكونات الممثِّلة لمحافظة حضرموت.

وعلى الصعيد الشعبي، شهدت حضرموت موجة استقالات جماعية في أغسطس الماضي، حيث قدَّم مدير عام وموظفو مكتب الخدمة المدينة والتأمينات في ساحل حضرموت استقالاتهم للمحافظ “فرج سالمين البحسني”؛ احتجاجاً على ما وصفوها بـ”حرب مناطقية” وإساءات وهجمات وحملات تشهير واتهامات بالفساد تعرضوا لها من قِبل الوزارة ومَن وصفوهم بـ”ضعاف النفوس” في مواقع التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي، ووقتها أكد ناشطون أن الاستقالات الجماعية في مكتب الخدمة المدنية جاءت بسبب حملة تشهير يقودها وزير الخدمة المدنية والتأمينات “عبدالناصر الوالي” وآخرون في الوزارة، بهدف إزاحة “الحضارم” واستبدالهم بآخرين من يافع الضالع بدوافع مناطقية، وهو ما نفاه إعلاميون وناشطون موالون للمجلس الانتقالي وقالوا إن الاستقالات الجماعية لموظفي مكتب الخدمة المدنية مجرد محاولة للتغطية على الفساد، وخصوصاً في صفقة التوظيف الكبيرة في فرع شركة النفط لأشخاص من خارج حضرموت، في إشارة منهم إلى ما تناقلت وسائل إعلام -أواخر يونيو 2021- عن فضيحة فساد لحكومة هادي والسلطة المحلية في محافظة حضرموت، واتهامات لوزير النفط والمعادن “عبدالسلام باعبود” والمحافظ “فرج سالمين البحسني” باستغلال منصبيهما وتوظيف أشخاص بالوساطة والمحسوبية وتجاهل الكفاءات وأصحاب المؤهلات.

وشعبياً -أيضاً- حذَّر حلف قبائل حضرموت الوادي والصحراء، في أغسطس الماضي -وهو شهر اشتعال المواجهات والملاسنات بين المكونات- من استمرار هادي وحكومته في ما وصفه ناشطو الحلف بإهمال معاناة المواطنين جراء انهيار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخِدمية والأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف، وظهر الشيخ “عبدالله بن صالح الكثيري” وشدَّد في اجتماع ضمّ المرجعيات القبلية في مدينة سيئون، على ضرورة توحيد المكوِّنات الحضرمية وتكثيف الجهود؛ للمطالبة بصوت واحد بحقوق المحافظة الغنية بالثروات النفطية، ورفع معاناة المواطنين، الناتجة عن حالة الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي والمعيشي والخدمي.

وواكبت ذلك تحركات شعبية وقبلية مناهضة لحكومة هادي، حيث دشَّنت قبيلة “آل جابر” -إحدى قبائل الشنافر بوادي حضرموت- خطوات تصعيدية ضد السلطات المحلية التي تتهمها بالفساد ونهب الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، مطالبة باستعادة أرضها المنهوبة الواقعة بحقول شركة “بترومسيلة” القطاع 14 بوادي سنا من قِبل وكيل أول محافظة حضرموت “عمرو بن حبريش”.

وإلى ذلك، شهدت حضرموت مسيرات احتجاجية وإضرابات شاملة وعصياناً مدنياً؛ تنديداً برفع أسعار المشتقات النفطية وانهيار العملة المحلية التي وصلت إلى أدنى المستويات وتردي الخدمات الأساسية وعلى رأسها الكهرباء، وما وصفوها بجرائم القتل خارج القانون التي حدثت بحق مدنيين وجنود وسُجِّلت ضد مجهول، كل ذلك مهّد لاندلاع الانتفاضة الشعبية أواخر سبتمبر الجاري، وهي الانتفاضة التي اتسعت لتشمل المحافظات الجنوبية والشرقية من أقصاها إلى أقصاها.

قد يتوعد “عمرو بن علي بن حبريش العليي” الذي سُحِبت وأُسقِطت عضويته من حلف حضرموت الجامع، في يوليو الماضي؛ بالتجرد لخدمة القضية الجنوبية بعيداً عن حلفه السابق، ولكن المراقبين يتوقعون أن ذلك لن يتم إلا في إطار تواليات المشهد السياسي في الجنوب، خاصة وأن العضوين الآخرين اللذين أُسقطت عضويتهما معه وهما: “صالح يسلم با زقامة” -عضو اللجنة التنظيمية، والعضو في الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي- و”سالم حسين السعدي” -شيخ قبائل يافع ـ حضرموت الساحل- لم يُدليا بدلوهما في هذا المجال إلى الآن، ما يشي بحقيقة بداية التفاف الشخصيات السياسية الجنوبية على بعضها تأسيساً على اختلاف يتعدى مجرد اختلاف وجهات النظر، ويتبين من خلاله مدى تشرذم المكونات الجنوبية التي فرخها التحالف، وتحول مسارات عملها من مسار وطني إلى مسار أحادي نفعي لكل منها على حِدة، وربما يعيد هذا إلى الأذهان تاريخ الصراع الجنوبي ـ الجنوبي، الذي لا يزال -رغم دعوات تجاوز الماضي- حاضراً وبقوة، ولن يكون من السهل احتواؤه في ظل رعاية كلٍّ من الإمارات والسعودية لأدواتهما وحرصهما على تأجيج الصراعات بينها لترسيخ تواجدهما ونفوذهما والحفاظ على موطئ قدميهما في الجنوب، فوق رؤوس ثعابين السياسة الجنوبية التي بدأت تتنازع بينها وتلتف على بعضها.

المصدر- وكالة عدن الاخبارية

You might also like