كل ما يجري من حولك

 (المومري والبخيتي والصلاحي) ظواهر يمنية تستحق الدراسة

717
عبدالقوي السباعي

يخرُجُ اليومَ بعضُ الشباب اليمني وكأنهُ ناقمٌ على التقاليد والأعراف والأخلاقيات العامة، وساخطاً على تدهور الواقع المجتمعي المتأزم، فضلاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتي قد تكون كرد فعل على فقدان الثقة بالثقافة المعززة للوعي والإدراك خلال الفترة الحالية التي يعيشها أُولئك الشباب من الفراغ الروحي ومن إفرازات الحرب الناعمة التي تعصف بهم ليلاً ونهارا.

وليس كما يعتقد الكثير أن مبادرات مجموعة من الشباب إلى بلورة أفكار خَاصَّة بهم، جاءت كأفكار قد تكون فنية وفلسفية في جوهرها وقد تكون على شكل يعارض الواقع، على أنها انعكاسٌ طبيعيٌّ وكنتيجة حتمية لما شهده ويشهدهُ اليمن من احداث ومآسي خلال العدوان الأمريكي السعودي على اليمن الأرض والإنسان.

بدايةً يمكن تحديد عناصر عينات لهذه الظاهرة أَو سميها حركة تجديد أَو سمّها ما شئت، ونأخذ على سبيل المثال (علي البخيتي ومصطفى المومري وجلال الصلاحي) والذين يقومون بصياغة الأعمال الفنية والإنتاجات الفكرية الخَاصَّة بهم، التي قد تحتوي على أي شيء أَو أية مادة أَو أية قضية أَو موضوع، وهذا هو أَسَاس فكرتهم المتمثلة بالخروج عن القواعد العامة ومشاكسة المجتمع في قيمه وأخلاقياته، في معتقداته وقناعاته، دون مراعاةٍ منهم فيما قد يؤثر هذا الخطاب سلباً أَو إيجاباً على وعي الجماهير، من وجهة النظر الاجتماعية فالمنشورات والمقاطع والتغريدات وغيرها، التي يطرقونها هي عبارة عن خليط من الفوضى تحتوي على مجموع من الأشكال والجمل والكلمات والحركات التي يمكن أن تبث أَو تنشر فيها أي مواد أَو أخبار أَو فكرة عابرة، بلهجة عامية ساخرة، وقد ساهم تطور وسائل الاتصال الجماهيري والتواصل الاجتماعي، في تكوين جمهور واسع ومساحة كبيرة لهم، ففترة العنف التي سادت خلال الفترة الماضية غيرت فهم الناس لعالمهم على نحو جذري، وقولبت هذه الاكتشافاتُ والابتكارات التكنولوجية في عصر الآلة والشبكة العنكبوتية، الوعيَ البشري بشكلٍ عميق، ولجأ إليها الكثير للهروب من الواقع إلى العالم الافتراضي كمتنفسٍ لهم من متاعب الحياة ولو مؤقتاً.

ومن وجهة نظر علم النفس، سجَّلت شطحات البخيتي وتعبيرات المومري وسخرية الصلاحي أنماطًا حداثية جديدة بشكل مميز للشعور والإدراك المجتمعي، تتَّسِم بإحساس واضح بالانقطاع والتمرد من الناحية الثقافية والدينية، والتمرد عن الواقع المعاش المكبوت جانبه؛ لأَنَّ الإحساس المتزامن بالبهجة نتيجة طرفة عابرة وسخرية فكاهية وحركة عفوية، مع الشعور بالكارثة الوشيكة، الذي تعكسهُ الظروفَ المضطربة للحياة حَـاليًّا، قد أصبح المحدّد لهذا الوعي الناجم، والمحرك لمبرّرات الكبت النفسي على الظهور.

دعونا نقول أن هذه العينات الثلاث من الظاهرة الناشئة، تشكلت على نحوٍ عفوي مستقل متفاوت الظهور ومتفاوت الأهداف والبرامج، وقد شاهدناها تتنافس فيما بينها وتشتم بعضها بعضا وتسخر من بعض، لذلك كانت وجهة النظر الثقافية بحقهم تشير إلى أن الهدف من التمرد الذي يسعون إليه على الواقع والسخرية من القيم ومهاجمة المبادئ وتخريب القناعات وتشوه الوعي، من خلال انتهاجهم لقوالب ذات مضامين عبثية عدمية عشوائية جاءت لتناقض الثقافة السائدة فتعرض كُـلّ مَـا هو قبيح وغريب وعابث وغير معقول ولا منطقي وألفاظاً نابية وسوقية، تعكس ثقافة هابطة، وهو الأمر الذي جعلها تنتشر بسرعة مذهلة؛ بسَببِ طبيعتها المتمردة على كُـلّ ما هو معقول ومنطقي فجمال فكرتها وسحر تأثيرها يكمن في هذه العبثية والفوضى المستمدة من مبدأ معأدَاة الثقافة السائدة، واختراق حدود المعقول في توظيف متقن لوسائل التعبير ووسائط الاتصال، والخروج عن نطاق القيم والمثل السائدة والجاهزة والقواعد الثقافية والفقهية والأكاديمية، لذلك اعطت ثقافة ذات مفهوماً جديدًا لم تكن معهودة من قبل، واشتهرت على نطاق واسع ولها من المتابعين والمعجبين ما ليس لسواهم في الدائرة المحلية.

ولكنْ السؤال الذي يطرح نفسه: ما التوجّـه الذي يربط بين الظواهر اليمنية الثلاث وبين الظواهر المماثلة لها في البلدان الأُخرى، وما علاقتهم بالحرب الناعمة، وما سر هذه النجومية المفاجئة؟ ولعل الأيّام القليلة القادمة ستجيب على تلك التساؤلات في الوقت المناسب.

You might also like