كل ما يجري من حولك

30 نوفمبر.. عدن بين أطماع المحتلّ القديم والجديد

509

 

الشيخ صادق حسن يحيى البعداني

عيد الجلاء أو عيد الاستقلال يحتفل به في اليمنُ في يوم 30 نوفمبر من كلِّ عام، وهو تاريخ جلاء آخر جندي بريطاني عن أراضي جنوب اليمن المحتلّة في 30 نوفمبر 1967.

ومن المفارقات العجيبة أن نحتفلَ اليوم بهذه المناسبة ولا تزال مدينتنا الحبيبة والباسلة عدن ترزح تحتَ وطأة الاحتلال مرّةً أخرى ولنفس الدولة بريطانيا ومعها أمريكا وإسرائيل، ولكن عبرَ أدواتها من الأعراب والمنافقين، وعلى رأسهم النظامان السعودي والإماراتي، اللذان يحتلان المحافظاتِ الجنوبية منذُ 5 سنوات تحت غطاء ما يُسمّى إعادة الشرعية المرتزقة ويعيثان في تلك المناطق فساداً وانتهاكاً لحقوق الإنسان والإنسانية، هو الأخطرُ على مستوى العالم وفق التقارير الدولية.

الأطماعُ التي يحملها الاحتلالُ الجديدُ في عدن والجنوب اليومَ هي نفسُ الأطماع التي حملها البريطانيون سابقاً، أي أنَّ القاسمَ مشتركٌ بينهما، حيث يعود اهتمامُ الاستعمار البريطاني باليمن إلى القرن السابع عشر الميلادي عندما حاول احتلالَ جزيرة ميون الواقعة في مدخل باب المندب، ودافعُه الموقعُ الاستراتيجي لليمن، وتحديداً عدن وسقطرى وباب المندب، وتحكّم اليمنِ في طريق الملاحة البحرية بين الشرق والغرب، ناهيك عن الأهمية الجيوسياسية، المتيحة للاستعمار البريطاني، التحكّم بمستعمراته في شرق وجنوب أفريقيا وغرب وجنوب آسيا انطلاقاً من عدن، أضف لذلك الأطماعَ البريطانية في الثروات التي تزخر بها بلادُ اليمن.

وفي التاسع عشر من يناير1839 تمكّن الاحتلالُ البريطانيُّ عملياً من وضع اللبنة الأولى لمخططاته باحتلال مدينة عدن، وعلى الرغم من المقاومة اليمنية الباسلة للغزاة، فقد تمكّنت بريطانيا مع مرور السنين من تكبيلِ العديد من السلطنات المجاورة لعدن، باتفاقات مختلفة وتسميات عدة، هدفت من ورائها إلى إحكام القبضة على كاملِ المناطق الجنوبية والشرقية في اليمن، وفي 1 أبريل 1937م كبّل الاستعمار الإنجليزي المحميات الشرقية ومستعمرة عدن، بعد فصلها عن بومباي وإلحاقها بوزارة المستعمرات البريطانية.

المتغيراتُ العالميةُ التي استجدت ما بين الحربين العالميتين وبداية انهيار النظام الاستعماري فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور المنظومة الاشتراكية وتعاظم مد حركة التحرر الوطني وجلاء القواعد العسكرية البريطانية من أكثر البلدان المستعمرة، جعل أنظارَ البريطانيين ترنو إلى عدن كمركز مستقبلي، لقيادات قواتهم المسلحة المختلفة في المشرق العربي ولحماية مصالحهم في المنطقة عامّةً، فشرعوا بإدخالِ بعض التطورات التي من شأنها مواكبة هذه المتطلبات، من قبيل تشجيع نمو “برجوازية كمبرادورية” طفيلية مرتبطة بالمصالح البريطانية، وإقامة عدد من المشاريع الاقتصادية الهامشية، فشجعت زراعةَ القطن في أبين 1947 ولحج في 1954 وزراعة الفواكه الأوروبية، وبناء مصفاة عدن في عام 1954 وقيام شبكة واسعة من مشاريع البناء؛ لتلبية احتياجات القوات البريطانية في عدن، وفتح أبواب الهجرة الأجنبية إليها، ومحاربة العنصر الوطني؛ بغرضِ التهيئة لهندسة مشاريع سياسية مستقبلية للمنطقة مرتبطة بالاستعمار البريطاني، مثل: الحكم الذاتي لعدن، اتّحاد الجنوب العربي، الحكومة الانتقالية.

ومثلما يحرص الاحتلالُ الإماراتيُّ السعوديُّ اليومَ على تمزيق الوحدة الوطنية وتدمير النسيج الاجتماعي، فقد حرصت السياسة الانجليزية في المناطق اليمنية المحتلّة في طابعها العام على تمزيق الوحدة اليمنية والنسيج اليمني، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، في وقتٍ تجزأ فيه اليمنَ إلى ثلاثة أجزاء هي الإنجليز والأدارسة والإمامة، في حين كانت عناوينُ السياسة الاستعمارية واحدة في معانيها ومبانيها منذ عام 1839 بدءاً بسياسة “فرّق تسد” ومروراً بسياسة معاهدات واتّفاقيات الحماية وانتهاءً بسياسة التقدّم نحو الأمام وإعمال نظام الانتداب والاستشارة، تبعاً لمقتضيات التجزئة ومتطلبات كبح جماح نمو الوعي الوطني الواصلة ذروتها في 1959 بإنشاء اتّحاد الجنوب العربي، بدعم وتواطؤ رابطة أبناء الجنوب والجمعية العدنية؛ أملاً في تمديد سيطرة الاستعمار السياسية والعسكرية على المنطقة أكبر مدة ممكنة.

وتكمن خطورةُ ذلك في توجّه الاستعمار منذُ بداية عام 1934 إلى سلخ هُوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن، عن هُويتها التاريخية والجغرافية، عبر تغليب الثقافات والهويات المحلية وتغذية النزعات الانفصالية وتعميق هوة الخلافات والصراعات البينية، لضمان طمس الثقافة والهُوية الوطنية اليمنية وتكبيل ووأد أية هبة شعبية تحررية.

You might also like