كل ما يجري من حولك

بدء مراسم استقبال واجب العزاء في فقيد اليمن الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي

928

 

 

اليومَ وبعدَ مرورِ أكثرَ من (٤١) عاماً من مصابِه الجَلَل، حُقَّ لليمن وآنَ له على امتداد جغرافيته وأوجاعه وآهاته المكتومة أن يعلنَ شعبياً ورسمياً بدءَ مراسمِ استقباله لواجب العزاء والمواساة في فقيده الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.

تلك الدموعُ الحرّى التي كنتُ أراها منذ طفولتي تنهمرُ على خَدَّي والدِي ووالدتي كلما عرَضَتْ أمام ناظريهما صورةُ الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي أَو تكرّر اسمُه على مسمعيهما، ها هو طفلي يراها اليومَ تنهمرُ على خدَيّ، وذاتُ السؤال الذي كنتُ أوجهه باستغرابٍ لوالديَّ عن سرِّ تلك الدموع التي كانت تنهمرُ من عيونهما في صمتٍ وبحزنٍ وحُرقة، ها هو طفلي يوجّهه إليّ وهو يرى دموعي تنهمرُ على خَدَّيَّ، إلّا أنَّ المفارقةَ تكْمُنُ في أنّ والديّ -وطوال أربعة عقود مضت- لم يتمكّنا من الإفصاحِ لي قطعاً بالجواب عنِ ذلكم السؤال رغم معرفتهما به، بينما تسنّى لي اليوم أن أُفصِحَ لطفلي جازماً بأن من باشر بتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي هو ذلك الشخص الذي لم أعرف -منذ أول يومٍ لي في هذه الدنيا وعلى مدى (٣٣) عاماً من عمري- غيرَه رئيساً لليمن، جاءَ يحكمُنا ويتحكّمُ بنا متّشحاً رداءَ الوطن الذي نسَجَهُ من دماءِ ضحيته؛ ليوهمَنا بأنه ما فاتَ مات وكلُّ ما هو آتٍ آت؛ وبالفعل أوهمَنا مع من أوهمَ، فظللنا نهتفُ له مع من هتف: “بالروح بالدم نفديكَ يا علي!!”، إلى أن عَمِدَ إلى زيادةِ انبهارِنا به يومَ أن ارتقى أكتافنا ذاتَ دعايةٍ انتخابية ليقول: “لا، لا تهتفوا باسمي، بل اهتفوا باسم اليمن وقولوا: بالروح بالدم نفديكَ يا يمن”!!.

بينما كنتُ متسمرّاً أمام شاشات التلفزة عصر يومِ ٢٦ من نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٩م، أتابعُ وقائعَ المؤتمر الصحافيّ الذي تلَتْ خلالَه دائرةُ التوجيه المعنوي للقوات المسلحة اليمنية النصَّ النهائيَّ لأوّلِ تقريرٍ رسميٍّ لحادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، اكتشفتُ ولأولِ مرّةٍ سرَّ الصّلف السعودي الأمريكي وكلّ تلك الهمجيّة في عدوانهما على اليمن منذُ خمسة أعوام، فمَن اغتالَوا الرئيسَ إبراهيمَ الحمدي هم أنفسُهم وبذات أدواتهم من اغتالوا الرئيسَ صالح الصماد، الذي حملَ مشروعَه الوطني التحرّري من هيمنةِ كُـلّ القوى الرجعيّة والإمبريالية، وما يزالون مُصرّين على اغتيالِ شعبهما الذي ما يزالُ مُتمسّكاً بهما وحاملاً لمشروعِهما الذي باتَ شعارُه اليوم “يدٌ تبني.. ويدٌ تحمي”.

لولا أن التقريرَ الذي أعلن تفاصيلَ حادثة اغتيال الرئيس الحمدي كانَ مدعّماً بالوثائقِ التي أدانت كُـلَّ أولئكَ القتلةِ والمأجورين، الذين كشفَ عن أسمائهم وصفاتِهم ووجوههم الحقيقية، لظلّت تحومُ حولي كُـلُّ تلك الشكوكِ التي أثارها أولئك القتلةُ لإقناعنا أن المؤسّسَ الأولَ لـ “المؤتمر الشعبي العام” ولـ “لوحدة اليمن شمالاً وجنوباً” وباني نهضته الحديثة ليس هو الرئيس “إبراهيم الحمدي”، وإنما هو “علي عبدالله صالح”!!، لكنّ الذي تأكّـد لي اليوم ولأبناء الشعب اليمني قاطبةً في الشمال والجنوب، وفي مقدّمتهم محبو الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي من أحرار وشرفاء المؤتمر الشعبي العام، أن العكسَ تماماً هو الصحيحُ وهو الحقيقةُ، وأنَّ “علي عفاش” لم يكن أكثرَ من مُجَـرّد “قاتلٍ” مأجور، وليتَ أن أُجرته التي سلّمها له أسياده أعداء اليمن التاريخيون كانت بعضَ الملايين من الدولارات فحسب، لكنهم –ويا للكارثة- سلّموا له وَطَناً بأكمله.

اليوم لم أعد أتذكّرُ من الكلماتِ والشعارات الخالدة “للزعيم” علي عبدالله صالح عفاش إلّا عبارتين اثنتين.. إلّا وهما: “ما فيش عميل يصبح زعيم” وَ”من خرج من الباب ما بيعود من الطاقة”، وما أصدقَهما من عبارتين فعلاً، فـ”الملطام” الذي وجّهه الملحقُ العسكريُّ بالسفارة السعودية بصنعاء “صالح الهديّان” للرئيس إبراهيم الحمدي، بينما كان مُكتّفاً لحظة تنفيذ جريمة اغتياله ظهيرة ١١ أُكتوبر ١٩٧٧م لم يكن إهانةً له فحسب، بل وإهانة للشعب اليمني بأكمله بمن فيهم الرائد علي عبدالله صالح ومَن شاركه في تنفيذ تلك الجريمة من مرتزِقة اليمن الأوائل؛ ولذا فلا غرابةَ في ما قام به الرائد علي عبدالله صالح يوم أن عادَ بعد أكثر من (٣٥) عاماً ليوجّه “الملطام” الثاني لهذا الشعب في ٢ ديسمبر ٢٠١٧م، لكن ليس بعد الآن، فالمثل الشعبي السائر يقول: “من لطمني مرّة الله يبريه ويسامحه، ومن لطمني مرتين الله لا أبراه ولا سامحه”.. فحذارِ حذارِ يا شعبَنا اليمني من “الملطام” الثالث، فـ “عفاش” لم يكن مجرّدَ شخص، بل و”فكرة” لا بُــدَّ لها أن تموتَ.

اليوم آن للدولةِ المدنية وللقبيلة اليمنية والمؤسّسة العسكرية وكل القوى والتيارات الحرة والوطنية، أن تقتصَّ لدماء الرئيسين الشهيدين إبراهيم الحمدي وَصالح الصماد من قاتليهما، ولكن ليس بعد ردّ “الملطامين” بعشرة “ملاطيم” على الخدِّ السعودي في “بقيق” وعشرة أُخرى على الخدِّ الصهيو أمريكي في “ديمونة” أَو أينما كان، وبعدها لنخرجَ جميعاً -كُـلَّ عام- لتشييع جثمانَيهما الطاهرَينِ مجدّداً في موكبِ انتصار الجمهورية اليمنية إلى مثواهما الأول والأخير، بقلوب كُـلّ من لم تتلطخ أياديهم بدمائهما الطاهرة.

حمود محمد شرف

You might also like