كل ما يجري من حولك

الحفاظُ على السلم الاجتماعي مسؤوليةُ مَنْ؟

499

 

علي عبدالله صومل

لا شيء أخطر على الشعوب والمجتمعات والأسر من مشاكل القتل وقضايا الثأر، ومع غياب مساعي الصلح وسلطان العدل فإنَّ دائرةَ الشر تتسع أكثر فأكثر، لتصبح حياةُ المتخاصمين عرضةً لعمليات القتل ومسرحاً للتوحّش والفوضى والجريمة والغدر، فيفتقد الناسُ سعادةَ العيش ونعمةَ السكينة والأمن.

إن للجهل والجشع وانعدام التقوى من قلوب الكثير من الخلق دورها الكبير في الجرأة على سفك الدماء وإزهاق الأرواح بغير حقٍّ، فكم من قضية ثأر ذهب ضحيتها عشراتُ القتلى ومئاتُ الجرحى وألحقت بالمجتمعات أو الأسر المتصارعة أضراراً بالغة وخسائرَ فادحة، وعندما تأتي تحقّق في جذور الجريمة وخلفيات الثأر تكتشف بطلانَ الذريعة وتفاهةَ السبب لكلّ هذه الوحشية والعدوانية والشر، وحينها تشعر بأنك تعيش في مجتمع تحكمه شريعةُ الغاب وقانونُ الافتراس وتسكنه وحوشٌ ضارية وصقورٌ جارحة لا تتلذّذ بشيءٍ مثل تلذّذها بطعام اللحم ورائحة الدم.

إننا نهيبُ بكلِّ شرائح المجتمع اليمني الحر أن يغادروا لغةَ السلاح وعقليةَ الجرم، فللأرواح والدماء حرمتُها وكرامتُها التي أوجبها العقلُ، وأكّـد عليها الشرعُ، فإن من أهم واجبات الدولة ومسئوليات الحكم هي حماية حياة مواطنيها من جرائم الغيلة والفتك، وحماية حقوقهم وممتلكاتهم من المصادرة والنهب؛ لينعم جميعُ أبناء الشعب بالسلامة والسكينة والأمن، فلا قيمةَ للحياة في مجتمع تحكمه الفوضى الخلّاقة، وتنتشر بين أبنائه عملياتُ السطو، بل وتُرتكب بحقّ أفراده كُـلّ جنايا الإجرام والحرابة والعدوان على النفس، وقد تصل الخسة والدناءة بالبعض إلى التعرّض للمرأة والطفل بالضرب أَو القتل وهمجية الإقدام على هتك العرض، دعك عن خراب البيوت واستلاب الحقوق والإفراط في ممارسة الظلم في مشهد عدواني بالغ المساءة والعنف، وإن كان هناك من يقف حائلاً بين فرعنة الطغاة ودماء وأرواح وأعراض وممتلكات الخلق، ويستحقُّ من الجميع جميل المكافأة وجزيل الشكر، فهم اللجان الأمنية التي تقوم بدورِ فاعل في إحلال السكينة والحفاظ على السلم الاجتماعي من كُـلِّ محاولات الفوضى والمشاغبة والبغي.

ورغم أهميّة الدور الذي يقوم به أبطالُ الحماية والأمن، إلّا أن تفريط بقية الجهات المعنية من القيام بواجبها الوطني والإنساني المتمثل في إحاطة الحقوق بالرعاية والحفظ والقضاء على مظاهر اللصوصية والأذية والظلم، ساهم إلى حد كبير في حدوث الكثير من مشاكل التظالم والتصادم في هذه المنطقة أو تلك، وتأتي في مقدمة الجهات المفرطة عن القيام بمسئوليتها في هذا الأمر وزارة العدل ولجان الإنصاف والشخصيات الاجتماعية التي لا تجيد سوى الجباية والفيد وتعقيد الأزمات وسد منافذ المصالحة والسلم، فمحاكمُ القضاء تطيلَ أمــدَ المرافعة إلى أجلٍ غير مسمى، وكثيراً ما تُعقد خيوط المشكلة لتنجب منها مشكلة أكبر، أما الشخصياتُ الاجتماعية التي تقوم بدور المحاكم القضائية في النظر في دعاوى المتخاصمين واستماع الشهادات وجمع البراهين وإصدار الحكم، فأكثر هؤلاء المتصدرين لمهمة الإصلاح والعدالة والفصل ليسوا أهلاً للقيام بهذا الدور، فأكثرهم صُمٌّ بكمٌ عميٌ (لا يخرجون بهيمة من رمك، وعمياء تخضب مجنونة) ولا يجيدون سوى الهندمة والفخر، فنشاطهم الاجتماعي العديم الفائدة والنفع بل والعظيم الكارثة والضرر يؤهلوهم للدخول ضمنَ سماسرة العقارات وعصابات الفيد، فإرهاق كاهل المتخاصمين بالضيافة والغرم هي غايةُ ما يطلبونه من قبلُ ومن بعدُ.

إن الحفاظَ على السلم الاجتماعي من خناجر الحماقة والطيش فريضةٌ دينيةٌ لازمةٌ وضرورةٌ وطنيةٌ قائمةٌ، فأمام الجميع تحالف عدوان ظالم وحصار جائر لن يتمكّن اليمنيون الأحرار من تكسير قيوده السياسية والاقتصادية وتتبير جنوده العسكرية والإعلامية، إلّا بصلاح ذات بينهم ووحدة صفهم والتآخي والتكافل والتناصر والتعاون على القيام بواجب الدفاع عن مقدسات الدين والوطن والكرامة والعرض، وعن كُـلِّ ما يتصل بحقّنا في الحياة وحريتنا في الحكم.

You might also like