كل ما يجري من حولك

الآثارُ المترتبةُ على سرعة الغضب

415

 

أم مصطفى محمد

يعتبَرُ الحلمُ قيمةً أخلاقيةً تدعو الإنسانَ إلى ضرورة ضبط نفسه أمام مثيرات الغضب؛ ولذا يجدر بنا تذكر فضائل الحلم وآثاره الجليلة كونه باعث على إعجاب الناس وثنائهم وكسب عواطفهم، وخير محفّز على الحلم قول اللّه عز وجل «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» فسطوة الغضب ودوافعه الإجرامية تعرّض الغاضب لسخط اللّه تعالى وعقابه وربما عرّضته لسطوة من أغضبه واقتصاصه منه في نفسه أَو في ماله أَو عزيز عليه يقول الإمام زين العابدين عليه السلام «أوحى اللّه تعالى إلى بعض أنبيائه: ابنَ آدم اذكرني في غضبك اذكرك في غضبي، لا أمحقك فيمن أمحق، وارض بي منتصراً، فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك» فمن الخير للغاضب إرجاء نزوات الغضب وبوادره ريثما تخفّ سورته وكذا التروّي في أقواله وأفعاله عند احتدام الغضب فذلك مما يخفّف حدّة التوتر والتهيج ويعيده إلى الرشد والصواب، ولا يُنال ذلك إلا بضبط النفس والسيطرة على الأعصاب يقول أمير المؤمنين عليه السلام «إن لم تكن حليماً فتحّلم فإنّه قَلّ من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم» ومن علاج الغضب: الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وجلوس الغاضب إذَا كان قائماً، واضطجاعه إن كان جالساً، والوضوء أَو الغسل بالماء البارد، ومس يد الرحم إن كان مغضوباً عليه، فإنه من مهدئات الغضب.

إن لضعف الحلم وسرعة الغضب آثاراً خطيرة على المرءِ نفسه وعلى الآخرين من ذلك الإصابة الجسدية والنفسية بأمراض كثيرة كالسكري والضغط والقولون العصبي وقرحة المعدة وغيرها مما يعرفها أهل الاختصاص، ومن الآثار أيضاً انتشار المشاكل وكثرة الجرائم، فكم من جريمة أُزهقت فيها الأرواح وسالت الدماء؛ بسَببِ العجلة والغضب وعدم الحلم، وكم ضاع من خير وأجر وفضل؛ بسَببِ قلة الحلم وسرعة الغضب، وكم حلّت من مصيبة ودمار وهلاك؛ بسَببِ ذلك، وبسبب لحظات غضب قطعت الأرحام، ووقع الطلاق وشُرد الأطفال، وتهاجر الجيران، وتعادى الإخوان، وقامت بين الدول الحروب وحل الظلم وسادت الفوضى، وَإذَا كانت الحاجة تدعو إلى الحلم والأناة في كُــلّ حال في هذه الحياة الدنيا فهي في زمن الشدائد والفتن أحرى وأولى، ففيها تطيش العقول، وتضطرب القلوب، وتختل المواقف، ولا يسعف المرء إلا التثبت والأناة والحلم والرفق وإتباع الحق، فالعجلة والتسرُّع والغضب المذموم قد يزيد من انتشار الشرّ وزيادة المنكر وذهاب الأمن وحلول المصائب وظهور العداوات وبالتالي يخسر المسلم دينه ودنياه وآخرته؛ بسَببِ لحظة عابرة أَو موقف تافه أَو سلوك لا يدرك خطورته ولا يستوعب عواقبه ولا يقدر نتائجه.. وَإذَا ما كان هناك من غضب يجب أن يغضبه المسلم فليكن غضبه لحرمات الله التي تنتهك ولدماء المسلمين التي تُسفك وللمقدسات التي تُدنس ولحال المسلمين وضعفهم وتفرُّقهم والظلم الواقع بينهم وهذا الغضب يقود إلى مقارعة الباطل والصبر على ذلك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى التآلف والتراحم والتنازل عن حظوظ النفس والعمل والبذل والعطاء والتفاؤل بحياة جديدة يسودها الحب والتعاون والأمن والتطور والإنتاج.

إن الحلم يحتاج إليه ربّ الأسرة في منزله، والتاجر في محل تجارته، والعالم في مجلس علمه، والمعلم داخل فصله مع طلابه، والقاضي في محكمته، والرئيس في سياسة رعيته، بل يحتاج إليه كُــلّ إنسان ما دام الإنسان مدنيَّاً بالطبع، ولا يمكنه أن يعتزل الناس جملة ويعيش في وحدة مطلقة، وإن تقارب الأرواح وتآلف القلوب وتوطيد الأخوة والعفو والتسامح بين الناس ثمرة عظيمة من ثمار الحلم في المجتمع يقول تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} فتخلقوا بالحلم ومارسوه سلوكاً في الحياة واستشعروا ثمرته وفضله في الدنيا والآخرة وقدروا الأمور ولا تتسرعوا في الخوض فيما ليس لكم به علم واحفظوا دمائكم وأعراضكم وأموالكم تسعدوا في دنياكم وآخرتكم فرُبَّ كلمةٍ بدون وجه حقٍ تُورث صاحبها ذلّاً، وُربَّ كلمة تورثه عِزَّاً ورُبَّ حلم في لحظة وصبر يُورثك عزاً في الدنيا والآخرة.

You might also like