كل ما يجري من حولك

الرحمةُ العالمية وتبديعُ الوهّابية

605

 

أمة الرزاق جحاف

كانت الثقافةُ الوهّابيةُ قد تمكّنت بشكلٍ كبيرٍ من إزاحة رسولِ الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله- من حياتنا، وأقامت بيننا وبينه حاجزاً قويًّا من التضليل والتيه؛ لتتمكّنَ من تحقيق أهداف الصهيونية والماسونية العالمية، في إضعاف الأُمَّـة الإسلامية وإذلالها، بتطويعها -في غفلة من وعيها- لخدمةِ أهدافها، مستخدمةً لتحقيق ذلك وسائلَ شيطانيةً خبيثة، فتارةً تقولُ: إنَّ رسولَ الله -صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله- مجرّدُ بشر لا يختلفُ عن غيره من الناس، كلّفه اللهُ بمهمة أدّاها وانتهى دورُه بموته، وتارةً يصفونه في كتبهم الثقافية -التي يطبعونها في مجلدات أنيقة ويوزعونها مجاناً في الشوارع والطرقات، وفي مناهجنا المدرسية التي قاموا بتأليفها- بأنه إنسانٌ ضعيفٌ وجبانٌ، ولا يستطيع أن يتخذَ قراراً إلّا بعدَ مشورةِ بعض أصحابه الذين كانوا يشيرون عليه بما يفعل، والذين لولاهم لما قامت للدين الذي جاء به قائمةٌ.. وغيرها من الأساليب الشيطانية، حتى اختفى من أعماق شبابنا الإعجابُ بشخصية رسول الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله- وتعظيمه وتوقيره، بما يتناسَبُ مع عظمته، وعظمة الدور الذي كلّفه اللهُ به في إخراج الأمَّة من الظلماتِ إلى النور، قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا).

وفي العقودِ الأخيرة بدأت الوهّابيةُ تروِّجُ لنشر ِمفاهيمَ ثقافيةٍ خطيرةٍ تدّعي أنَّ الاحتفالَ بذكرى مولد النبي -صلواتُ الله عليه وعلى آله- بدعةٌ، وأن رسولَ الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله- قال: (كُلُّ بدعة ضلالةٌ وكلُّ ضلالة في النار) وَحين نذّكرهم بما ابتدعه أحد الخلفاء الذي قام بإلغاء أحكام كاملة جاء بها القرآنُ الكريم يدافعون عنه بقولهم: لقد قال رسولُ الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: (من ابتدع بدعةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عمل بها)، متجاهلين ما في الحديثين من تعارض وتناقض، وتناسوا أنَّ اليمنيين كانوا يحتفلون بمولدِ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله- في كُـلِّ أنحاء اليمن، ويعدّونه من أعظم أعيادهم؛ استجابةً لأمر الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- الذي أمرنا بالاحتفاء والفرح بهذه الرحمة الإلهية كأمَّةٍ فضّلها اللهُ على غيرها من الأمم وخصّها بهذه العطيةِ الكريمةِ والمنَّة العظيمة، وذلك في قوله تعالى: (قل بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، وهل هناك من رحمة تستحقُّ أن نفرحَ بتفضّل الله علينا بها خير من هذا الرسول الذي قال اللهُ عنه بأنه رحمةٌ للعالمين؟!.

وفي هذه الأيّام، ونحن نستعدُّ للاحتفال بهذه المناسبة العظيمة والغالية، تذكّرت ذلك الغضبَ السطحيَّ الشديدَ الذي عمَّ الأوساطَ الإسلامية، ولم تنتجْ عنه أيةُ قرارات أَو إجراءات عملية، بعدَ أن قامت الدنمارك بإنتاج الفيلم الذي أساءوا فيه إلى رسول الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله-، يومَها أنا كنتُ في رحلةِ عملٍ إلى باريس، والتقيت بسيّدة فرنسية كانت قد زارت اليمنَ في منتصف السبعينيات، وكانت قد حاولت أن تدرُسَ الدينَ الإسلاميَّ، ولكن للأسف من خلال كتب الوهّابية التي لم يكن في متناولها سواها، ولم تجدْ فيها ما يقنعُها باعتناق هذا الدين العظيم؛ بسَببِ استخفافِها بالعقل وقدراته على تمييز الغثِّ من السمين.

وجّهت لي تلك الفرنسيةُ سؤالاً محرجاً، بينما نحن نشاهدُ التلفازَ ونصغي لاحتجاجاتِ الشارع العربي المسلم المثقّف بالفكر الوهّابي والمغيّب عقله وفكره، قالت: لماذا أنتم غاضبون من الفيلم، وهو لم يأتِ بشيءٍ جديدٍ سوى ما جاء في كتبكم عن نبيكم؟!

ألم تقولوا في كتبكم عنه، أنه لم يكن يُحبُّ من دنياكم سوى ثلاثة أشياء: (الطيب والنساء وقرة عينه في الصلاة)؟!

ألم تصوِّره في كتبكم بأنه رجلٌ تتحكّمُ به غرائزُه الجنسيةُ، وأنَّ أصحابَه لم يكونوا يخجلون من التجسّس عليه ليلاً، واكتشفوا أنه كان ينامُ مع زوجاته التسع في ليلة واحدة، وعلى غسلٍ واحد.. بل إن أصحابَه لم يمنعْهم الحياءُ عن الخوض في مثل هذه المواضيع الخَاصَّة، فذهبوا ليسألوا السيّدةَ عائشةَ عن السرِّ الكامن خلفَ هذه القدرة الجنسية المذهلة لنبيهم، وهي بدورها لم تخجلْ عن الإجابة، وبادرت بكلِّ بساطة تفسّر لهم ذلك بقولها: (لقد أوتي قوة عشرين رجلاً، وفي رواية أُخرى عشرين حصاناً)؟! وغيرها الكثيرُ من الأحاديث التي رويتموها عنه، والتي أستحي أن أقولها أمامكِ.

فلماذا تستنكرون على الدنمارك أن ينتجوا عنه ذلك الفيلم، الذي أعتقد أن مرجعيتَهم فيه كانت كتبُ البخاري ومسلم، التي تعتبرونها أصحَّ كتاب بعد القرآن الكريم؟! على الأقلِّ هم معذورون؛ لأَنَّهم على غير دينكم.

لقد تمَّ تشويهُ صورة رسول الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله- خلقاً وديناً، وتم تشويه سيرته العظيمة وطمس دوره الجهادي العظيم، في بناء الأُمَّـة التي جاهد على أن يجعلَ منها خيرَ أُمَّـة على وجه الأرض، كما يريد اللهُ تعالى.

ولذلك، فقد كان من الطبيعي أن يكونَ إلغاءُ الاحتفال بالمولد أحدَ وسائلهم؛ لأَنَّهم يعلمون أن تعظيم رسول الله وجعلَه النموذجَ الأعلى للاقتداء والتولي، لا بُدَّ أن يصنعَ أُمَّـةً يصعُبُ إذلالُها وتطويعُها وتهجينُها، وتحويلُها من أمَّة أراد اللهُ لها العزة والكرامة على يد نبيها، إلى أُمَّـة ذليلة مهانة بفصلها وعزلها عنه -صلواتُ الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين-.

ولتأكيد ذلك، ما علينا سوى أن نتأمّلَ في واقعنا كيمنيين مستضعفين قبلَ العدوان، حين كنّا مستلبين من هُويتنا الإيمانية، وحالنا بعدَ العدوان، وقد أصبحنا أقوياءً مهابين حين استعدناها.

صلواتُ الله عليك وسلامه يا سيدنا ومولانا وهادينا إلى الحق، وسراجنا الذي ينير لنا ظلمات مكائد أعدائنا، وعلى آله أعلام الهدى الذين يستنيرون بنورك ويقودوننا مقتفين إثر خطاك على سراط الله المستقيم نحو العزة والكرامة التي أرادها اللهُ لنا.

وسترى أممُ الضلال والشرك، في جموعنا المتدفقة إلى ساحات الاحتفال بك، وبمولدك، فشلاً لكلِّ ما بذلوه من جهد ومال من أجل غوايتنا، قد أصبح (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا).

You might also like