الفصل الثاني من زلزال نجران: «المنطقة العازلة» حلم يتبدّد

بعد أيام على إعلانها تفاصيل المرحلة الأولى من عملية «نصر من الله» الحدودية، أماطت القوات المسلّحة اليمنية اللثام عن تفاصيل المرحلة الثانية من العملية. جرعةٌ جديدة تُمثل هي الأخرى فضيحة كبرى للجيش السعودي والسلاح الأميركي، وتثبّت تبدّد حلم المنطقة العازلة التي كانت الرياض تطمح إلى إقامتها بطول 20 كيلومتراً على الحدود بين نجران وصعدة
هكذا، لم تكد السعودية تستوعب الصفعة الكبرى التي تلقتها في المرحلة الأولى من عملية «نصر من الله»، حتى جاءتها الصفعة التالية التي أسقطت مجدداً هيبة المملكة العسكرية، ومعها فاعلية الأسلحة الأميركية الحديثة، وأثبتت فشل الغطاء الجوي (الأباتشي والحربي) في حسم المعركة. ما أعدّت له السعودية على مدار ثلاث سنوات تبخّر في أيام معدودات، لينتهي حلم الرياض بفرض منطقة عازلة في العمق اليمني بطول 20 كيلومتراً على الحدود بين نجران وصعدة. حلمٌ حشدت من أجل تحقيقه الآلاف من المقاتلين السلفيين، ودفعت بعدد من رموز السلفية الجهادية لتعبئة أولئك المقاتلين دينياً، كما عزّزتهم بعشرات المدرّعات والآليات العسكرية الأميركية الحديثة والمتطورة. كانت اللافتة التي أغرت السلفيين من خلالها هي إعادتهم إلى مركزهم في دماج الذي أخُرجوا منه قبل سنوات بموجب اتفاق رعاه الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، لكن في ما وراء تلك اللافتة أرادت الرياض تحويل وادي آل أبو جبارة، الواقع في الجزء الشرقي لمديرية كتاف، والذي يحتلّ موقعاً استراتيجياً لقربه من صعدة من جانب، ومنطقة الفرع المتاخمة لمدينة نجران من جانب آخر، إلى أول منطقة عازلة في الحدّ الجنوبي. وهي إرادةٌ مثّلت محور رصد دقيق للجيش واللجان، وخصوصاً أن إيجاد مناطق عازلة بين البلدين لطالما شكّل هدفاً استراتيجياً للمملكة في إطار سياستها التوسعية في اليمن منذ إبرام اتفاقية جدة عام 2000.
حملت المرحلة الثانية اسم «عملية الشهيد أبو الحسنين»
خلال الأشهر الماضية من العام الجاري، تمكّنت القوات التابعة لـ«التحالف» من التوغل في مناطق تابعة لمديرية كتاف التي تبلغ مساحتها ثلث مساحة محافظة صعدة. ومع مطلع شهر آب/ أغسطس، بدأت تصعيد عملياتها هناك، حيث دفعت، بإشراف سعودي، بثلاثة ألوية إلى المديرية، وتمكنت من التوغل قرابة 50 كيلومتراً فيها، لكن من دون تأمين الميمنة والميسرة اللتين كان يوجد فيهما رجال الجيش واللجان. هؤلاء سرعان ما أخذوا أماكنهم، وأكملوا ترتيباتهم لأكبر عملية استدراج لتلك القوات. وبعدما تحوّلت كتاف إلى محرقة للمئات من الجنود والضباط والعشرات من المدرعات، بادرت قيادة المنطقة العسكرية الخامسة الموالية لهادي إلى سحب إعلانها عن إذاعة بيان مهم في الـ 25 من آب، وإنكار أيّ مشاركة لها في الهجوم.
يروي مدير مكتب رئاسة الجمهورية، أحمد حامد، بعضاً من تفاصيل المرحلة الأولى من العملية العسكرية التي أدت إلى سقوط ألوية «الوحدة» و«الفتح» و«الفاروق»، مبيّناً أن «قوات العدو شنّت ابتداءً عملية هجومية على سلسلة جبال نجد الفارس الاستراتيجية في كتاف، ليتمّ صدّها من قِبَل الجيش واللجان، اللذين انتقلا من موقع الدفاع إلى الهجوم المضاد»، مضيفاً إنه «تم بعد ذلك شنّ عملية هجومية واسعة من ثلاثة مسارات من منطقة الصوح شرقاً، البقع شمالاً، الوادي جنوباً، أُطلق عليها اسم «عملية الشهيد أبو عبد الله حيدر»، أحد قادة محور نجران، والذي قتل قبل العملية بأسبوعين». ويقدّر حامد، في شهادته التي نشرها في صحيفة «الثورة» الرسمية بعد عودته من زيارة المقاتلين في محور نجران، «خسائر العدوان البشرية في المرحلة الأولى من العملية بأكثر من 700 قتيل وجريح»، لافتاً إلى أن «العدد الكبير من الأسرى، الذين بلغوا حتى يوم الجمعة الماضي قرابة 2500 أسير، مثّل مشكلة لمقاتلي الجيش واللجان، الذين كانت أمامهم مهمة استكمال التطهير للمنطقة، فكان المقاتل يأتي بأكثر من 50 أسيراً لتبقى أمامه مهمة حراستهم وتجميعهم وسرعة نقلهم خوفاً عليهم من الطيران الذي كان يستهدفهم، وهو الأمر الذي دعا القيادة العسكرية إلى استنفار الناس من عدة مناطق للمساهمة في إيجاد وسائل النقل والدخول لإخراج الأسرى ومساعدة إخوانهم المجاهدين، وهو ما حدث فعلاً». ويتابع حامد إن «العدو بات يُضرب بسلاحه الذي أعيد إلى نحره، وهو سلاح كثير وكبير ونوعي، ومن تلك الأسلحة التي اغتُنمت أكثر من 15 دبابة أبرامز، وأكثر من 50 مدرعة برادلي، وأكثر من 100 طقم عسكري، بالإضافة إلى المدافع والقذائف والهاونات والرشاشات، ومخازن أسلحة كثيرة ومتعددة، بما فيها صواريخ الكاتيوشا وراجمات الصواريخ».
* الأخبار| رشيد الحداد