كل ما يجري من حولك

الطقوسُ الجنائزية لاستهداف مطار أبها الدولي

387

 

حمدي الرازحي

وحدَها أرسلت ذوائبَها ولبست السوادَ وبدأت تعزِفُ تراتيلَ طقوسِها الجنائزية وهي تشاهدُ بأم عينيها خروجَ نافذة من نوافذها المطلة على العالم عن الخدمة.

حشدت كل ما بوسعها من اللحاء والحناجر الصادحة والأقلام المأجورة لتنعقَ معها بآهاتِها وعويلها.. وتوسلت من استطاعت مِن دول العالم لتشاركَها طقسَها الجنائزي المتخم بروائحِ مباخر رجال دِينها المقدَّس.

وحدَها وقفت السعوديةُ تستجدي قصائدَ امرؤ القيس وعنترة وهي تقف مفجوعة على اطلال مطار أبها، غيرَ مصدقة أن ما كانت تزعمُه حديقتَها الخلفية قد شب عن الطوق مجرداً مخالبَه في وجهها، متجاهلةً بقايا اللحوم البشرية العالقة بين مخالبها وآثار الدماء الظاهرة على تلك الأردية التي تواري ترهُّلَ عجزِها.

خمس سنوات عجاف عاشتها اليمنُ في ظل عدوان وحشي أسال دماءَ اليمنيين أوديةً وأشبع سِباعَ الأرض من لحم أهلِها دون أن تطرفَ للمعتدي عينٌ.. خمس سنوات واليمنُ يتألمُ بصمت وكبرياء والعالم المتخم بالمال والنفط يزيحُ وجهَه عن خارطة اليمن بعد أن أصم سمعَه وأغمَضَ عينَيه؛ لكي لا يسمعَ أو يرى جرائمَ بقرة الأعراب الحلوب.

وعندما بدأ شعبُ اليمن الثائرُ يضرِبُ ضربتَه، ردّدت الدنيا أصداءَ صُراخ الأعراب وعويلهم، وشهدت الدنيا مراسيمَ الشجب والتنديد والترهيب تنهال على اليمنيين؛ بسبب تلك الفعلة التي أقلُّ ما يقالُ عنها إن شرائعَ السماء وأعرافَ الأسلاف قد أقرتها بعد الإنذار والإمهال.

هكذا هم طواغيتُ البشر في كل زمان ومكان يسْبَحون في مستنقعاتٍ من دماء المظلومين على أنغام العزف، وتميل مؤخراتُ الراقصات.. ولكنهم عندما يشعرون بقطراتِ الدماء وهي تسيلُ من أجسادِهم المتخمة يصرخون فيصرخُ معهم العالَمُ الأخرسُ الذي لا يرى في الوجود سوى بريق المال، وما بين صرخةِ طواغيت البشر في مجاهل التأريخ: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) وصراخ آل سعود اليوم وجهُ شبهٍ كبير لمَن تأمل سننَ الله في الوجود، فهل سيعتبرون?!.

You might also like