كل ما يجري من حولك

قانون المسؤولية الطبية هو الحَــلّ للحد من الأخطاء الطبية

594

 

محمد عبدالمؤمن الشامي*

* رئيس مركز وطن للدراسات والاستشارات والتطوير المؤسسي

مهنةُ الطب تُعَدُّ من أشرف وَأرقى المهن الإنْسَانية بل وَأَكْثَـرها رحمةً وإجلالاً، فالطبيبُ بردائه الأبيض كملاك الرحمة للمرضى، وعند رؤيته تهدأ النفوس وتطمئن، وكإنْسَانٍ نبيلٍ يبذل الطبيب نفسه، ووقته، وحياته، ثمناً لراحة الآخرين، لذلك يرى الجميع فيه صورة الشخص المنقذ الذي جعلَ الله تعالى الشفاء على يديه بإذنه تعالى، ممّا جعل مهنة الطبيب من أرقى المهن في العالم، ولذلك ينظرون إليه نظرة إجلال وإكبار، حتى أنّ معظم الناس يتمنون لو أنّهم أطباء، لما للطبيب من مكانة رائعة في نفوسِ الجميع، إذ ليسَ أروع من مهنة تخفّفُ الألم وتزرع البسمة على الوجوه.

لكن بالرغم من هذا القول فالحقيقة أن هناك أخطاءً طبيةً موجودة في مستشفياتنا، وَأسباب الأخطاء الطبية هي عدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية، وعدم اتّخاذ معايير الحيطة والحذر أثناء أداء العمل، عدم الاهتمام الكافي بالمريض، وعدم توقع النتائج قبل البدء بالتشخيص والعلاج، وَالإهمال الناجم عن التقصير في أداء الواجبات بالتوقيت المناسب والطريقة الصحيحة، وَعدم المقدرة على التشخيص السليم، ممّا يؤدّي إلى فشل التشخيص وبالتالي تفاقم المشكلة، وَعدم الاهتمام بحل النتائج السيئة للعلاج الخاطئ عند العلم بالخطأ، ممارسة من هم غير مؤهّلين وغير مرخصين للمهنة الطبية، وصرف الدواء الخاطئ، وعدم مراقبة المريض بالشكل المناسب في المستشفيات، تأخير النظر إلى حالة المريض الخطرة، وحدوث خلل بالأجهزة المستخدمة للفحص والعلاج، وعدم توفر بعض الإمكانيات والأجهزة الضرورية للفحص والتشخيص الدقيق، ومزاولة المهنة قبل التأكّــد من كفاية مدّة التدريب اللازمة للحصول على الخبرة، وعدم عمل ملف لكل مريض يحتوي على كافة التفاصيل اللازمة لمعرفة حالته الصحية ويشمل جميع الفحوصات، في حال انتقل المريض من مكان لمكانٍ آخر للعلاج.

فقد ذكر الأُستاذ الدكتور طه المتوكل وزير الصحة العامة والسكان أمام مجلس النواب أن إجمالي شكاوى الأخطاء الطبية الواردة للمجلس الطبي الأعلى وصلت إلى 785 ملف وَأن إجمالي الأخطاء الطبية والإهمال والقصور في اليمن يوازي 20. 4 بالمائة بالمقارنة مع بقية دول العالم.. مرجعة ما نسبته 42 بالمائة من الأخطاء الطبية ناتجة عن الكادر الطبي في حين يتحمل الكادر الأجنبي البقية. وقال إن أعلى نسبة من الأخطاء تقعُ في التخصصات ذات الجانب الجراحي وعمليات النساء والتوليد يليها عمليات الجراحة العامة ثم جراحة العظام وطب التخدير والإنعاش.

لذلك إن الأخطاء الطبية، باتت تتفاقم، أَكْثَـر من أي وقت مضى، وأصبحت ضحاياها تحتل نسبة لا يستهان، صحيح أن الأخطاء الطبية هي ظاهرة عالمية تعاني منها كافة المجتمعات المتقدمة منها والنامية ولكنها في بلادنا كثيرة ومعظمه غير معلنة ذلك نظراً لغياب الوعي بالإبلاغ عن الأخطاء فضلاً عن حل الكثير منها في إطار الصلح مع المتسببين بها، وكذلك وجود ثقافة العيب من إظهار العاهات وعدم وجود جهة حماية سريعة يتجه إليها المريض وأسرته، ولكن ليس معنى ذلك أن يظل التستر على الأخطاء الطبية قائماً، وعدم الوقوف أمام تلك الأخطاء، مهما يكن من أمر، فالتشريعات الحالية في بلادنا تعاني من أن قواعدها عامة، وليس فيها نصوص محدّدة تعالج المسؤولية الطبية، وعلى رأس ذلك، تعريف محدّد للخطأ الطبي، أَو تقرير لواجبات الطبيب وحقوقه. وهو ما يجعل الأمور إلى حدّ ما عائمة وغير واضحة. لذلك نرى أن يتم تعديل القانون رقم 26 لسنة 2002 المنظم لمزاولة المهن الطبية والصيدلانية وكذلك قانون إنشاء المجلس الطبي، وأن يتم تدارك النواقص التشريعية ذات الدلالات الغامضة في النصوص القانونية للقوانين الطبية، والتي تخاطب بالأساس فئة الأطباء المُجَــرّدة من الجزاء القانوني عن المخالفات المهنية، كما ينبغي الاستفادة من تجارب الدول العربية في قانون المسئولية الطبية، والاستفادة من تجارب الآخرين وصياغة أفكار الخبراء وايجاد نصوص قانونية تأخذ بخصوصية الوضع والقطاع الطبي في بلادنا، والعمل على إعداد مشروع قانون خاص بالمسؤولية الطبية لدى وزارة الصحة العامة والسكان يقوم على الامتثال للقواعد القانونية، والالتزامات الملقاة على عاتق الأطباء قبل وأثناء وبعد العمل الطبي تجاه المرضى، ويكون ضمانة لضبط جودة الممارسة الطبية، وحفظ حقوق المريض والطبيب، ومن خلال هذا القانون سنعمل على تطوير مهنة الطب والقطاع الطبي، فكما أن كان القانون يسعى إلى تمكين الطبيب من أداء أعماله بثقة واطمئنان وفقًا للقواعد الطبية المتعارف عليها، فَإنَّه في الوقت ذاته يسعى إلى تأمين سلامة المرضى ضد أي خطأ أَو تقصير قد يضع حياتهم أَو صحتهم على المحك، ومن هنا تأتي أهميّة إيجاد قانون المسؤولية الطبية.

You might also like