كل ما يجري من حولك

تفريط بالحقوق أم تحفيز للمواجهة؟

تفريط بالحقوق أم تحفيز للمواجهة؟

412

متابعات:

منذ أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لتصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان «صفقة القرن» كثرت التحليلات والتكهنات والشروح بشأن بنود الخطة وتفاصيلها ومساراتها والوسائل المتبعة لتنفيذها وإتمام إنجازها.
الأمر الذي لا ريب فيه أن كل هذه الشروحات والتفسيرات والتسريبات لا تعدو كونها تكهنات تدور في رؤوس أصحابها ومطلقيها.

إن العنوان العريض لما بات يعرف باسم «صفقة القرن» هو إنهاء القضية الفلسطينية «بحّل» أمريكي ينسجم ويتطابق مع الرؤية الصهيونية للهيمنة على كل الأرض الفلسطينية وتهجير من تبقى من الفلسطينيين عن أرضهم أو تجنيسهم بالجنسية الصهيونية حتى لا يبقى هناك ما يعرف في أذهان العرب والعالم «بفلسطين» التي تحمل اسمها منذ آلاف السنين.

الدليل القطعي والحي على ما نقول هو ما حصل في مؤتمر «وارسو» الذي أطلق عليه منظموه اسم «مؤتمر بحث قضايا الشرق الأوسط» الذي أسقط من تفاصيل نقاشاته العلنية عن قصد خبيث ذكر القضية الفلسطينية في محاولة مفضوحة لإلغاء هذه القضية من أذهان العالم.

إن ما يدور في ذهن الصهيوني والأمريكي الذي ينفذ سياسته في المنطقة هو أن القضية الفلسطينية «لم تعد موجودة» وأنهما على أعتاب الشروع بالخطوة التالية وهي تكريس «الاعتراف» بالكيان الصهيوني «وجوداً وحيداً» من قبل المحيط الجغرافي والإقليمي لدولة فلسطين التي يحتلها ويستوطن أرضها ويدمر كل معالمها التاريخية العربية والإسلامية والمسيحية وكل ما له علاقة بدحض ادعاءاته الكاذبة «بحقه التاريخي» بهذه الأرض.

لقد بدا واضحاً في مؤتمر «وارسو» «الفاشل» بكل ما للكلمة من معنى ومن خلال التسريبات الإعلامية والفيديوهات المصورة أن أحد أبرز أهداف المؤتمر هو تسويق الكيان الصهيوني وإظهار حالة التطبيع والتواصل معه من قبل ثلة من العربان المتآمرين على القضايا العربية منذ عقود عدة والذين لم ينقطعوا يوماً عن التواصل مع هذا الكيان في الخفاء، وإن كان ما يفعلونه ليس خافياً على أحد كما يتوهمون.

من هذا المنطلق، يمكن للمراقب أن يفهم لماذا كُرس العنوان العريض لمؤتمر وارسو «مواجهة إيران» وعزلها وعدّها «العدو الخطير» لبعض «كيانات» المنطقة والجواب بمنتهى البساطة والتلقائية لأنها لا تزال ترفض الاعتراف بوجود الكيان الصهيوني، وتقف حجر عثرة في وجه هؤلاء المتهافتين على التطبيع، وتظهر خياناتهم لشعوبهم وقضاياهم ومقدساتهم وهذا ما يفسر قول وزير خارجية إحدى مشيخات الخليج إن القضية الفلسطينية لم تعد موجودة وإن الكيان الصهيوني ليس خطراً عليه، ولكن إيران «هي الخطر» الذي يتهدده، فيغار منه آخر ليسوغ عدوان هذا الكيان بحقه في الدفاع عن النفس أي «شرعنة» وجوده ولكن الأغرب من هذا وذاك هو أن ينبري من يسمي نفسه وزير خارجية بلد عربي لإصلاح وضعية ميكرفون نتنياهو ليسمع صوته للحضور وليثبت بالصوت والصورة أنه مع نتنياهو في صف واحد لعله يثبت لمن سبقوه أنه يكرس ما يتفوهون به قولاً وفعلاً.

لهؤلاء نقول: ما تقومون به ليس جديداً ولا مفاجئاً وعدّكم أحد أركان محور المقاومة والممانعة خطيراً عليكم وعلى الكيان الصهيوني لا يدهش أحداً مادمتم ارتضيتم أن تجلسوا في أحضانه وتأتمرون بأوامره، ولكن ذلك لن يغير من الأمر شيئاً فمادام هنالك فلسطيني واحد وعربي واحد ومسلم واحد يقر ويطالب بفلسطين ويدافع عنها ستبقى فلسطين موجودة فكيف إذا كان هنالك مئات الملايين من العرب والمسلمين، وأحرار العالم يقرون بحق الفلسطينيين بأرضهم ويعملون على إعادة حقهم في تقرير مصيرهم بالعيش فيها وعلى ترابها ويرفضون الاعتراف بحليفكم الكيان الغاصب وبما اغتصبه من أرض ليست أرضه وملك ليس ملكه فهل يبقى لما تقولونه أثر أم سيذهب بذهابكم ويزول بزوالكم، هكذا فعل أسلافكم في الخفاء ورحلوا وهكذا تفعلون في العلن وسترحلون، وستبقى قضية فلسطين عصية على الصفقات والمقايضات وستعود إلى أصحابها الشرعيين، إن سلماً أو حرباً، وإن غداً لناظره قريب.

*هيثم صالح – كاتب من سوريا

You might also like