كل ما يجري من حولك

مرتكزات سياسة واشنطن الإمبريالية تجاه إفريقيا ثابتة.. المصالح الاقتصادية والعسكرية «فوق كل اعتبار»!

مرتكزات سياسة واشنطن الإمبريالية تجاه إفريقيا ثابتة.. المصالح الاقتصادية والعسكرية «فوق كل اعتبار»!

324

متابعات:

في كلمة له عن استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة تجاه إفريقيا في مؤسسة «هيريتيدج» للدراسات في 13 كانون الأول الماضي، شدّد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، على أن سياسة إدارة ترامب تجاه إفريقيا ستضع مصالح الولايات المتحدة فوق كل اعتبار، مشيراً إلى أنه لن تكون هناك مساعدات للدول الإفريقية من دون مساءلة!
من المثير للاهتمام، أن ما تقدم به بولتون لا يمثل مساراً بديلاً لما كان قائماً لعقود في ظل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ حتى في ظل قيادة الحزب الديمقراطي، ظلت المصالح الاقتصادية والعسكرية الأمريكية ذات أهمية قصوى في صياغة العلاقات مع معظم الحكومات الأفريقية.

وقد تم تصميم جزء كبير من المساعدات الأمريكية المقدمة إلى الدول الإفريقية لتعزيز ربحية الشركات متعددة الجنسيات الموجودة في الولايات المتحدة، إلى جانب تسهيل اختراق أعمق لـ«البنتاغون» في جميع أنحاء القارة، حيث عملت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على تعزيز القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم» التي تأسست في عهد الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن في عام 2008.

وكانت إدارة أوباما هي من قاد حملة القصف المكثفة ضد ليبيا في شمال إفريقيا، في الوقت الذي كانت فيه ليبيا الدولة الأكثر ازدهاراً في القارة. أما اليوم، وبعد غزو البلاد في عام 2011، فإن ليبيا غارقة في الفقر، على الرغم من غناها بالنفط والغاز الطبيعي وموقعها الجغرافي الاستراتيجي على البحر المتوسط، كما أصبحت مصدراً للفوضى وعدم الاستقرار في جميع أنحاء شمال وغرب أفريقيا، فضلاً عن أنها باتت مركزاً للاتجار بالبشر والاستعباد في العصر الحديث.

وبالنسبة للصومال، فقد كثفت الإدارة الأمريكية الحالية قصف الصومال تحت ستار «الحرب على الإرهاب» كما لم تقدم إدارة ترامب تفسيراً وافياً حول مهام الجيش الأمريكي في إفريقيا عندما قتل أربعة من القوات الخاصة الأمريكية في هجوم في أواخر 2017 في النيجر.

إن السياسات الأمريكية الأساسية تجاه إفريقيا تبقى على حالها في ظل قيادة الديمقراطيين أو الجمهوريين، وعلى الرغم من توجيه انتقادات لاذعة إلى ترامب الجمهوري على خلفية تصريحاته التي استخدم فيها لغة بذيئة ومهينة في معرض حديثه عن الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، فقد تم التعبير عن آراء مماثلة عبر التاريخ من كلا الحزبين، وإن استخدمت فيها لغة «أكثر رقياً» وفي الواقع، لم ينظر البيت الأبيض إلى إفريقيا على الإطلاق كشريك على قدم المساواة.

وقد عملت واشنطن على تقديم الدعم الخطابي المضلل لإفريقيا حول تقرير المصير والاستقلال الوطني خلال فترات مختلفة منذ الخمسينيات، بهدف حماية المصالح الاقتصادية للشركات، ولكن عندما كان هناك تهديد بالسيادة الحقيقية والوحدة المستدامة، استهدفت واشنطن هذه الدول لزعزعة استقرارها وتغيير نظمها.

في شباط 1966 تمت الإطاحة بجمهورية غانا الأولى تحت حكم الرئيس كوامي نكروما من قبل ضباط الجيش وقوات الشرطة الساخطين، ورغم أن العديد من الغانيين ذوي التوجه الغربي كانوا يعتقدون أنهم قاموا بالانقلاب رداً على ما كان يُنظر إليه على أنه معارضة لسياسات حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، فقد لمست العناصر التقدمية أن عملية الانقلاب قد تم تصميمها من قبل واشنطن.

وكان الرئيس الديمقراطي ليندون بي جونسون، الذي كان رئيساً للولايات المتحدة في عام 1966 غالباً ما يُصوّر على أنه الرئيس الأكثر ليبرالية بعد اغتيال سلفه جون كيندي، وقد قام بتصعيد حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفييتنامي في 1964-1965 وغزا الجمهورية الدومينيكية في عام 1965، لمنع الحكومة اليسارية من الاستيلاء على السلطة.

وقد تم فضح الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الولايات المتحدة من خلال التقارير التي ظهرت إلى العلن، بداية مع اقتحام مكتب التحقيقات الفيدرالي في بنسلفانيا، والذي كشفت عن برنامج «مكافحة الذكاء» (COINTELPRO) في عام 1971، ومن بعدها الكشف الموثق عن التجاوزات التي ارتكبتها وكالة المخابرات المركزية من خلال مشاريع مثل «عملية الفوضى» إلى جانب التحقيقات التي أثارتها فضيحة «ووترغيت» وقد كشف مقال للكاتب سيمور هيرش في صحيفة «نيويورك تايمز» التي تقول إنها تحافظ على السجل التاريخي لأحداث أمريكا والعالم، عن الدور الفعلي لواشنطن في الإطاحة بحكومة نكروما، علماً أن الصحيفة لم تكن مؤيدة للحكومات المناهضة للرأسمالية والمعادية للإمبريالية في القارة الإفريقية وحول العالم.

وقالت «نيويورك تايمز»: قامت وكالة المخابرات المركزية بدعم مجموعة من ضباط الجيش المنشقين ممن أطاحوا بالرئيس نكروما في شباط 1966 وذلك وفقاً لمصادر استخباراتية مباشرة، وقد تم تنفيذ دور الوكالة في الانقلاب من دون موافقة مسبقة من الفريق الإداري المشترك بين الوكالات في واشنطن الذي يراقب أنشطة الـ«سي آي إيه» السرية، وقد رفضت تلك المجموعة، المعروفة في عام 1966 باسم «اللجنة 303»، مناشدة الـ«سي آي إيه» تخويلها السلطة لحياكة مؤامرة انقلاب ضد نكروما، الذي أغضب واشنطن من خلال الحفاظ على علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي السابق والصين، بينما لم تعلق الـ«سي.آي.إيه» مباشرة على ذلك.

ومع ذلك، فإن رفع السرية عن وثائق وزارة الخارجية الأمريكية في وقت لاحق يدحض سياسة الإنكار تلك، ويثبت أن خطط زعزعة استقرار غانا كانت قيد العمل لسنوات عديدة بمساعدة السفارة الأمريكية. وفي الواقع، فقد قامت الإمبريالية الأمريكية بمعارضة الحركات الثورية في جميع أنحاء القارة الإفريقية بشكل منهجي من الستينيات وحتى الوقت الحاضر، في أنغولا سعت واشنطن من عام 1975 حتى عام 1989، إلى تقويض الحركة الشعبية لتحرير أنغولا. كما أدت هزيمة قوات الدفاع الجنوب إفريقية، أثناء نظام «أبارتايد» للفصل العنصري، في جنوب أنغولا في عام 1988 إلى تحرير ناميبيا (1990) وجنوب إفريقيا (1994) عبر القضاء على سيطرة الأقلية البيضاء. ولكن ماذا عن دور الحركات المناهضة للحرب في الغرب؟

لابدّ من أن تعارض حركات حقوق الإنسان والسلام في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية باستمرار السياسات العسكرية والاستغلالية إزاء إفريقيا، جنباً إلى جنب مع جهود مماثلة في أمريكا اللاتينية وآسيا، ولكن أثبتت العديد من المواقف المناهضة لترامب، من قبل الحزب الديمقراطي وحلفائه، أن تلك المعارضة سطحية إلى حد كبير. عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا الديمقراطية نانسي بيلوسى، التي أعيد تنصيبها في وقت سابق من الشهر الماضي رئيسة لمجلس النواب، كانت منعتها إدارة ترامب من السفر إلى أفغانستان وبروكسل على متن طائرة عسكرية خلال فترة الإغلاق الحكومي، وكان الغرض من هذه الزيارة هو طمأنة الـ(ناتو) بأن الحزب الديمقراطي يرغب في الحفاظ على هذا الكيان الإمبريالي لتنفيذ عمليات مستقبلية ضد روسيا والصين وبقية دول العالم.

هذا الحزب الديمقراطي نفسه، رغم توجهه الليبرالي، يعارض أي اقتراح بشأن انسحاب القوات الأمريكية من سورية والعراق، أو وقف دعم واشنطن لـ«إسرائيل»، أضف إلى ذلك أن بيلوسي لم تقل كلمة واحدة ضد زعزعة استقرار فنزويلا، حيث اعترفت إدارة ترامب بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيساً للبلاد في محاولة للإطاحة بالجمهورية البوليفارية بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو. ولا يطالب الديمقراطيون بتفكيك «أفريكوم» وقواعدها العسكرية ومهابط الطائرات ومحطات الاستخبارات في إفريقيا. ويبدو أنه لا يوجد تشريع من الكونغرس، الذي يهيمن عليه الديمقراطيون، لإصلاح السياسات التجارية، التي تديم التخلف والتبعية، بين إفريقيا والدول الغربية.

يجب أن يأخذ أي برنامج سياسي مصمم لدعم الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي هذه العوامل في الحسبان.. وإلى أن يحدث تحول جوهري في النظام السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة، فإن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أفريقيا ستبقى إمبريالية.

عن موقع «غلوبال ريسيرش»

You might also like