هل اتفاق الحديدة سيكون البوابة الرئيسة للسلام في اليمن؟
متابعات:
تقدم معظم التحليلات التي أوردتها الصحف الغربية والعربية إجابات مدروسة لكل ما تم طرحه في «محادثات استوكهولم» التي حضر بعض جلساتها أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، ما يشير إلى أن الوقت قد حان للوصول إلى السلام في اليمن على الرغم من صعوبته.. وقد حظيت هذه المحادثات بقدر هائل من الاهتمام، ما يدعو للتساؤل: هل كان ذلك بسبب فشل مشاورات جنيف في أيلول الماضي، أم إن هدفاً آخر لم يَلُح في الأفق بعد.
في كل الأحوال، يرى البعض من المحللين السياسيين، أن محادثات استوكهولم لا تعني بالضرورة أن السلام في اليمن قاب قوسين أو أدنى، والسبب يعود إلى أنها ليست الأولى التي تقودها الأمم المتحدة وتركز فيها على شكليات العملية بدلاً من نتائجها، فقد سبق أن عقد مؤتمر الحوار الوطني عام 2013 وضم اليمنيين بمختلف مشاربهم، ورغم أن المؤتمر حظي آنذاك بمدح وتفاؤل كبيرين، إلا أنه فعلياً فشل في تحقيق النتائج المرجوة على الأرض، كما أن مركز تطوير البيانات الوطني في اليمن ساهم هو الآخر في عدم التركيز على جوهر القضية اليمنية.
من وجهة نظر الأمم المتحدة، لم يكن القصد من هذه المشاورات أن تكون مثقلة بالآمال الكبيرة، كما أنها لم تسع إلى تحقيق مكاسب تدريجية بين «حكومة» عبد ربه منصور هادي وأنصار الله (الحوثيين) ربما على أمل التحرك نحو مفاوضات السلام في العام المقبل.
ما لا شك فيه أن مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث قد وضع الأسس لهذه المحادثات، لكن تركيزه الأساس كان على مساعدة الطرفين على الشعور بالاطمئنان بشأن العمل معاً من خلال تطبيق «إجراءات بناء الثقة» التي من المرجح أن تكون، وحسب رأي المحللين السياسيين، قصيرة المدى، ومن غير المحتمل أن تترجم إلى ما وراء هذه الخطوة، ولاسيما أن الأطراف المتصارعة في اليمن تجد أنه من الأسهل القتال بدلاً من الاتفاق، فما الذي حققته محادثات استوكهولم التي بدأت في الـ (6) من شهر كانون الأول وانتهت منذ بضعة أيام؟
يعد الاتفاق حول ميناء الحديدة من أبرز ما حققته المحادثات، فما أهمية الحديدة؟
ميناء الحديدة – وحسبما جاء في صحيفة «نيويورك تايمز»الأمريكية – يقع على البحر الأحمر ويحتل موقعاً استراتيجياً قرب خطوط الملاحة العالمية، فهو المعبر الوحيد للمساعدات الإنسانية، حيث يستقبل 70% من واردات البلاد التجارية، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المواد الضرورية التي يعتمد عليها ما يقدر بحوالي ثلثي الشعب اليمني، وهناك حوالي 400 ألف شخص يقطنون مدينة الحديدة، وليس فيها سوى طريقين رئيسين للدخول والخروج، وأي حصار يمتد أمده طويلاً سيترك مئات آلاف السكان معزولين وغير قادرين على الفرار.
وتضيف الصحيفة: تقوم كل من الإمارات والسعودية بتهريب السلاح إلى اليمن عبر ميناء الحديدة، بينما يرى مراقبون تابعون للأمم المتحدة بأنه من غير المحتمل أن يكون هناك تهريب للسلاح عبر الموانئ الواقعة على البحر الأحمر، وهي على الأغلب تدخل عبر الحدود البرية.. يوجد في الميناء 8 أرصفة بطول إجمالي يبلغ 1461م، إضافة إلى رصيفين بطول 250م في حوض الميناء مخصصة لتفريغ حاملات النفط .. أما عن الممرات الملاحية في الميناء فيبلغ طول الممر 10,433م بحري بعرض 200 متر وعمق 10 أمتار، إضافة إلى 12 مستودعاً لتخزين البضائع، كما يمتلك الميناء 15 «لانشاً» بحرياً بمواصفات ومقاييس مختلفة لغرض الإنقاذ البحري والإرشادات والمناورات أيضاً.
سيطر أنصار الله (الحوثيون) على الميناء في منتصف تشرين الأول من العام 2014 بعد إحكامهم السيطرة على العاصمة صنعاء، لكونه المنفذ البحري الرئيس للعاصمة اليمنية صنعاء، ما مكنهم من فرض سيطرتهم على الحركة التجارية بين اليمن والعالم وأمن لهم عوائد مالية كبيرة.
هذه الأهمية لميناء الحديدة جعلته في مقدمة المحادثات التي جرت في استوكهولم، حيث جرى اتفاق حول ميناء ومدينة الحديدة التي ستشهد إعادة انتشار متبادل للقوات ووقفاً لإطلاق النار، كما ستلعب الأمم المتحدة دوراً مهماً في الإشراف على الميناء وهو ما سيسهل وصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني.
وللأهمية المتميزة للميناء أوضح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن أعضاء الوفدين المتمثلين بـوفد الحكومة اليمنية والحوثيين اتفقوا على وقف إطلاق النار في ميناء مدينة الحديدة وتبادل الأسرى، وعلى السماح بالممرات الإنسانية في المدينة المحاصرة، مع وضع إطار للمفاوضات المستقبلية، والسؤال: كيف يتم النظر إلى الاتفاق؟
البعض يعد اتفاق الحديدة انتصاراً عسكرياً لـ«الشرعية» والتحالف الذي تقوده السعودية، حتى وإن تم تصويره على أنه نتيجة حوار سياسي، وفي السياق نفسه يجد بعض المحللين أن الاتفاق انتصاراً إنسانياً كبيراً بالدرجة الأولى لليمنيين، لأن الاتفاق سيفتح الباب واسعاً لإغاثة الشعب اليمني الذي عانى الويلات.
أما البعض الآخر من المحللين فقد أبدى تحفظاً على نتائج المحادثات رغم إعلان تفاصيله، ووصف سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن النتائج بـ «الخطوة الأولى الحاسمة» إضافة إلى رغبة اليمنيين والعالم في السير على طريق الحل السياسي وإنهاء الحرب التي دخلت عامها الرابع على اليمن، وخلّفت، حسب إحصاءات الأمم المتحدة، دماراً كبيراً شمل معظم المدن من هدم للمنازل وتخريب للبنى التحتية وذلك منذ مطلع عام 2015، كما لقي عشرات آلاف المدنيين حتفهم في ظروف فرضتها الحرب وكان من الممكن تفاديها، كما نتج عن هذه الحرب المدمرة سوء التغذية وانتشار الأوبئة مع ندرة الأدوية والمعدات الطبية اللازمة، ما دعا الأمم المتحدة إلى إطلاق تحذيرات متوالية من خطورة تفشي الأمراض السارية.
ويتوجب على السياسيين أن يدركوا أن التركيز على العملية نفسها من دون معالجة الانتهاكات على الأرض بسرعة سيعود في نهاية المطاف إلى تهديد السلام الذي يتوق إليه الجميع في اليمن، وعليهم أن يفهموا أيضاً أنه ومن دون القدرة على فرض السلام على المستوى المحلي لن تكون مشاورات استوكهولم أكثر من خطوة أولى في مسار فاشل.
عن «نيويورك تايمز»