بعد قرابة أربع سنوات من العدوان المدمر لتحالف بني سعود وبني زايد على الشعب اليمني، وبدعم أمريكي- صهيوني، وتواطؤ دولي وأممي، يبدو أن نافذة أمل بدأت تفتح لإنهاء معاناة اليمنيين وإنقاذهم من الكارثة الإنسانية الفظيعة التي حلت بهم، فدمرت الحجر والبشر وتهدد بإبادة شعب بأكمله.

نافذة الأمل هذه تمثلت في اتفاق استوكهولم في السويد بين وفدي صنعاء وعبد ربه منصور هادي، وبرعاية من الأمم المتحدة وهو ما بات يعرف بـ«اتفاق الحديدة- تعز»، الذي قال عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش أنه بداية لإنهاء الحرب في اليمن باتفاق كل الأطراف الإقليمية.

والسؤال: ما مدى جدية تحالف العدوان السعودي في تنفيذ الاتفاق؟ وما هي الظروف والعوامل التي دفعت قوى العدوان للانصياع إلى ضرورة إنهاء هذه الحرب الكارثية؟

الحقيقة، وقبل الدخول في الأسباب والدوافع، لابد من الإشارة إلى أن اتفاق «الحديدة- تعز» ينص على ضرورة وقف إطلاق النار في الحديدة، ومن ثم في مختلف أنحاء اليمن، وخروج كل القوات الأجنبية من هذا البلد وإبقاء ميناء الحديدة، ممراً آمناً للمساعدات الإنسانية وبإشراف الأمم المتحدة وإنهاء كل المظاهر المسلحة في المدينة، وهذا ما حدا بـ غوتيرش للقول إنه بداية لإنهاء الحرب.

أما الأسباب والدوافع فهي كثيرة ويأتي في مقدمتها صمود الشعب اليمني بجيشه الوطني ولجانه الشعبية طوال الفترة الماضية في زمن العدوان، وإحباط أي هدف من أهدافه سواء العسكرية أو السياسية، بل إلحاق الهزيمة به والتوغل في أراضي رأس العدوان «السعودية»، وتطور قوة الردع الصاروخية البالستية التي أصبحت تطول العمق السعودي والإماراتي.

ثانياً: الخسارة الاقتصادية المتصاعدة لتحالف العدوان، والتي تتمثل بإهدار مليارات الدولارات على صفقات السلاح والذخائر التي ترمى على الشعب اليمني وتقتل أطفاله ونساءه وشيوخه من دون أي جدوى عسكرية أو تحقيق أي تقدم يذكر على الأرض، بل على العكس تمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية من استرداد الكثير من المدن والمواقع العسكرية بعد فترة قصيرة من انسحابهم منها تكتيكياً ما شكل عملية استنزاف باهظة الثمن، جربتها قبل تحالف العدوان الإمبراطورية البريطانية وخسرت الحرب فيها.

ثالثاً: الخسارة الأخلاقية المتزايدة لتحالف العدوان ومن يقف معهم بسبب المجازر الفظيعة التي ارتكبت بحق المدنيين العزل وطلاب المدارس وتجمعات الأعراس ودور العزاء وحافلات النازحين والمنازل السكنية، حتى أصبحت (رؤية محمد بن سلمان /2030/) تعني القتل والدمار وتقطيع الجثث وهدم البيوت واستيراد «الكوليرا» والأوبئة، وتلويث سمعة كل من يتعامل معه ويدعمه ويدافع عنه، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، الذين لم يعودوا يستطيعون أن يعموا ويخرسوا أكثر من ذلك رغم نفاقهم الأخلاقي والسياسي أمام شعوبهم وشعوب العالم، ولاسيما أن تقارير منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية الأخرى فضحت حجم الكارثة وأظهرت مدى المأساة المرتقبة التي ترقى إلى مصاف الإبادة الجماعية.

رابعاً: إدراك قوى العدوان، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، أن التعويل على الرئيس المستقيل منصور هادي وبقية العملاء والمتعاملين غير ذي جدوى، وأن الشعب اليمني برمته أصبح تواقاً لإنهاء الحرب والعيش بسلام أن هؤلاء العملاء ربما في لحظة قريبة قد يتخلون عن العمل لمصلحتهم، وبذلك تكون الهزيمة واضحة وفاضحة في الوقت نفسه، لذلك سارعوا إلى الدفع بهم إلى الخوض في غمار المحادثات ربما يحققون قدراً ما من المكاسب قبل أن يعودوا «بخفي حنين».

خامساً: إقرارهم في دواخل أنفسهم بفشل كل محاولاتهم للسيطرة على اليمن وإلحاقه بهم أو دفعه للدوران في أفلاكهم التآمرية على القضايا العربية، ولاسيما القضية الفلسطينية والتطبيع مع العدو الصهيوني، وإصرار الشعب اليمني على أن يكون عربياً في الصميم يرفض الذل والهوان وكل أشكال الخيانة والتآمر والتفريط.

سادساً: قد يكون قبول أطراف العدوان ومشغليهم الذهاب إلى السويد والتفاوض مع وفد صنعاء تنازلاً تكتيكياً لذر الرماد في العيون والإعلان عن رغبة بالحل السياسي، ومن ثم رمي الكرة في ملعب الطرف الآخر، وتحميله مسؤولية الفشل، والدليل على ذلك حملة الأكاذيب التي تسوقها وسائل إعلامهم عن عدم التزام حكومة صنعاء بالاتفاق، وتخفّي عناصر الجيش واللجان الشعبية بأزياء مدنية، وبقائهم داخل الحديدة وما إلى ذلك من أكاذيب.

في كل الأحوال، ومع كل موجة التفاؤل والإيجابية التي سادت المحادثات اليمنية، وأهمية الاتفاق الذي تم التوصل إليه، فإن ما هو أهم من الاتفاق هو ضمان تنفيذ الاتفاق كما أكد رئيس وفد صنعاء محمد عبد السلام، وأن الأيام القادمة ستثبت مدى جدية كل طرف من الأطراف بإنهاء هذه الحرب المدمرة، فضلاً عن مدى جدية الأمم المتحدة في إرساء السلام في هذا البلد الفقير والإشارة الصريحة والصادقة إلى من ينوي تعطيله وإبقاء مذبحة اليمن مستمرة ونار الحرب والدمار مشتعلة، وفي كل الأحوال فهي ليست من مصلحة اليمنيين.. كل اليمنيين.

بقلم/ هيثم صالح