ماكرون .. الفشل يكبله والرحيل ينتظره بعد “السبت الأسود”
متابعات:
مرحلة جديدة تعيشها فرنسا واحتمالات عديدة وأسئلة كبيرة دخلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد اتساع رقعة الاحتجاجات ضد سياساته, ولا سيما الاقتصادية وتصعيد المحتجين سقف مطالبهم تدريجياً من إلغاء زيادة الضرائب ورفع الرواتب إلى المطالبة برحيله شخصياً عن السلطة مع حكومته.
المطالبات بتنحية ماكرون بدأت منذ خروج آلاف المحتجين إلى شوارع باريس، وقد غابت المطالب الاجتماعية بشكل كامل تقريباً في الأسبوع الرابع من مظاهرات “السترات الصفراء” عن الشعارات المرفوعة، لتحل محلها مطالب سياسية أبرزها رحيل ماكرون عن السلطة وحل الجمعية الوطنية الفرنسية.
مجموعة قرارات وإجراءات اقتصادية وأخرى سياسية اتخذها ماكرون منذ تسلمه الرئاسة في فرنسا عام 2017، أثقلت كاهل الفرنسيين, ولا سيما الفقراء وجعلتهم ينتفضون في مواجهة السياسات الفاشلة التي صبت في مصلحة الأثرياء، وأدت إلى ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية للسكان، فما كان منهم إلا الخروج بأعداد هائلة من المتظاهرين في إطار حركة احتجاجية شعبية أطلق عليها اسم “السترات الصفراء”، وتخطى تأثيرها حدود فرنسا إلى دول أخرى بما فيها بلجيكا وهولندا وألمانيا وأسبانيا.
الاحتجاجات التي توالت على مدى أربعة أسابيع فيما سمي يوم “السبت الأسود” شلت العاصمة الفرنسية باريس، وشهدت حدوث أعمال عنف ووقوع أكثر من 130 إصابة بين صفوف المحتجين، مع إطلاق الشرطة الفرنسية القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين, واستخدامها الهراوات والمدرعات لقمعهم وشنها حملات اعتقالات في أنحاء البلاد احتجزت خلالها أكثر من 1700 شخص.
نطاق التحركات الاحتجاجية المناهضة لماكرون اتسع، أمس، مع خروج مظاهرات في عشرات المدارس للاعتراض على إجراءات تتعلق بالتسجيل في الجامعات الفرنسية بينما دعا مزارعون إلى احتجاجات الأسبوع المقبل واستغلت نقابة العمل الفرنسية “سي جي تي” الاحتجاجات داعية إلى إضرابات في صفوف عمال السكك الحديدية والمترو يوم الجمعة المقبل للمطالبة بزيادة فورية للرواتب والمعاشات التقاعدية.
القرار الذي أصدره ماكرون في بداية عهده الرئاسي بخفض الضرائب على الأغنياء في فرنسا، كان بمنزلة القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة للفرنسيين الغاضبين, وأضافت زيادة أسعار الوقود إليها في حين أدت سلسلة التصريحات المجحفة بحق العمال العاديين التي أدلى بها ماكرون إلى إطلاق كثيرين لقب “رئيس الأغنياء” عليه.
ماكرون الذي يتخبط في مواجهة أزمة الاحتجاجات المناهضة له صب الزيت على النار بعد أن وجه الشكر لقوات الشرطة الفرنسية التي قمعت المتظاهرين المطالبين بتحسين الظروف المعيشية في البلاد، وكتب في تغريدة على موقع “تويتر”: إلى جميع قوى النظام المعبأة اليوم أشكركم على الشجاعة والمهنية الاستثنائية التى أظهرتموها, بينما أعلن وزير داخليته كريستوف كاستانير أن ماكرون أعطى تعليمات قبل أسبوع بـ “تغيير استراتيجية وتكتيك احتواء الاحتجاجات”.
استطلاع جديد للرأي أجراه معهد “ايلابي” أظهر أن 73 بالمئة من الفرنسيين يدعمون الحركة الاحتجاجية ضد ماكرون في حين أن 54 بالمئة من الفرنسيين الذين انتخبوا ماكرون أعربوا عن تعاطفهم مع المحتجين.
الدول المجاورة لفرنسا والحكومات الأجنبية الأخرى تراقب بحذر الأوضاع في فرنسا، وقد أصدرت السفارة الأمريكية تحذيراً لمواطنيها في باريس داعية إياهم إلى تفادي الظهور وتجنب التجمعات, بينما حثت الحكومات البلجيكية والبرتغالية والتشيكية مواطنيها الذين ينوون التوجه إلى باريس على تأجيل سفرهم.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اعتاد التدخل وإدلاء آرائه المثيرة للجدل والسخرية في معظم الأحيان, لجأ إلى صفحته على موقع “تويتر” للتعبير عن رأيه فيما تشهده فرنسا، ووصف احتجاجات “السترات الصفراء” بأنها إثبات فشل اتفاق باريس للمناخ, وذلك في محاولة منه لاستغلال الاضطرابات والتباهي بقرار انسحابه من الاتفاق العام الماضي.
تأزم الأوضاع في فرنسا وحنق الشارع الفرنسي ينذران بمستقبل قاتم بالنسبة للرئيس الفرنسي، ويبدو أن الحلول التي تحاول حكومته إيجادها للخروج من الأزمة لن تنجح, ولم يتبق أمام ماكرون الآن إلا ورقة أخيرة ليلعبها، وهي إقالة الحكومة كما جرت العادة عند مواجهة أحد الرؤساء الفرنسيين مثل هذه الأزمات.