كل ما يجري من حولك

3 أساليب حاول بها ابن سلمان «امتصاص» صدمة خاشقجي

754

 

بعد أكثر من شهر ونصف من مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، لا تزال التسريبات التركية تتوالى على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، في الوقت الذي تحاول الرواية الرسمية السعودية مجاراتها بما يجعلها أقرب إلى الإقناع ويحفظ ماء وجه القيادة السعودية في الوقت نفسه، ويقوم قصر الحكم في السعودية بخطوات متسارعة في سبيل «امتصاص» الصدمة ومواجهة الأزمة التي تعد الأبرز في تاريخ المملكة ربما منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2011.

 

الرهان على الوقت.. هل يداوي الزمن جراح خاشقجي؟

منذ تأكد أنباء مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، بدا جليًا أن السلطات السعودية تحاول «شراء الوقت»، ومد أجل الأزمة إلى أطول وقت ممكن، فبرغم أن خاشقجي قد انقطعت أخباره منذ ظهر الثلاثاء 2 أكتوبر (تشرين الأول)، إلا أن السعودية لم تعترف رسميًا بمقتله داخل القنصلية إلا يوم 20 من الشهر، أي بعد مرور قرابة العشرين يومًَا من الحادثة، في الوقت الذي كان الرأي العام العالمي «يغلي» على إثر اختفاء الرجل، ويوجه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى السلطات السعودية.

 

فضلًا عن ذلك، فإن السلطات السعودية لم تسمح للمحققين الأتراك بتفتيش مقر القنصلية، إلا بحلول منتصف الشهر، أي بعد مرور أسبوعين من الحادثة، وفي أعقاب مكالمة جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعاهل السعودي، وهو التأخير الذي تكشفت أسبابه لاحقًا، حيث أكد مسؤولون أتراك لوسائل إعلام أن السعودية قد أرسلت – بعد أسبوع من قتل خاشقجي – فريقًا من رجلين «لمحو الأدلة» المتعلقة بالقضية، وهما خبير في الكيمياء، وآخر في السموم، كانت مهمتهما «تنظيف» مسرح الجريمة قبل السماح للمحققين الأتراك بالدخول للتفتيش.

 

وبرغم محاولة الرياض الظهور بمظهر المتعاون مع التحقيقات، والوقوف على تفاصيل الجريمة، وتأكيد المسؤولين السعوديين على جدية  القضاء السعودي في تلك القضية، إلا أن بطء الخطوات السعودية، وعدم تحقيقها أي تقدم يذكر، كان أمرًا لافتًا للنظر، ومنها زيارة النائب العام السعودي إلى تركيا، التي استغرقت عدة أيام، ثم لم تسفر في النهاية عن تطورات ذات قيمة، وهو الأمر الذي أصاب سلطات التحقيق في تركيا بـ«خيبة الأمل»، وفق تسريبات صحافية، قبل أن يخرج أردوغان نفسه في إعلان صريح لينتقد تلك الزيارة ونتائجها قائلًا: «السلطات السعودية أرسلت النائب العام إلى إسطنبول، لكنه جاء لوضع العراقيل».

 

ومؤخرًا تناقلت وسائل إعلام إماراتية مقربة من الرياض أنباء عن نية السعودية إضافة تفاصيل جديدة إلى روايتها الرسمية حول الحادثة، تتعلق بإمكانية طلب الرياض «تسليم قيادات أمنية تركية «قدمت دعماً ومساعدات وتسهيلات مختلفة للمجموعة عند وصولها وتنقلها في إسطنبول». بحسب تلك المصادر، التي ادعت أن المجموعة التي نفذت الاغتيال «كانت تتحرك بمتابعة مؤكدة من القيادات الأمنية التركية».

 

وقد كانت دولة قطر حاضرة أيضًُا في تلك الرواية التي ادعت أن الدوحة «كانت على علم بالتسهيلات التي قدمتها قيادات أمنية تركية، وأنها كانت تتابع عمل المجموعة التي نفذت العملية… وأن معرفة القطريين بتفاصيل الدعم الأمني التركي للمجموعة تثير الشبهة»، هذا الرواية بحسب مراقبين قد تكون وسيلة سعودية أخرى لكسب المزيد من الوقت، ومد أجل القضية إلى أطول وقت ممكن، اعتمادًا على أن الشرق الأوسط مكان مليء بالأزمات المتلاحقة والمتسارعة، ومن ثم فإنه لا يمكن لقضية واحدة – مهما اكتسبت من الدعم الدولي – أن تستحوذ على اهتمام العالم فيه لوقت طويل، وبأنه كلما طال أجل الأزمة، كلما قل الاهتمام العالمي بها، ومن ثم خفت حدة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومات الغربية ضد الرياض إذا ثبت تورط رؤوسها الكبار في عملية الاغتيال.

 

 

إسرائيل تدافع عن «حليف استراتيجي»

لقد كان استقبال ولي العهد السعودي علانية لزعامات مسيحية إنجيلية في القصر لحظة تاريخية. لقد سعدنا بالصدق الذي اكتنف المحادثة التي استمرت لساعتين

 

مثّل التصريح السابق جزءًا من بيان أصدره وفد من رموز المسيحية الإنجيلية الأمريكية المقربين من إسرائيل الذين زاروا السعودية بداية الشهر الماضي، كان الوفد برئاسة خبير الاتصال جويل روزنبرج، كما ضم أيضًا ضمّ العضوة السابقة في الكونجرس الأمريكي ميشيل باكمان، فضلًا عن رؤساء منظمات أمريكية إنجيلية بعضهم لهم علاقة بإسرائيل.

 

وتعد تلك الزيارة تطورًا نوعيًا من الجانب السعودي، بالنسبة لزعامات دينية غير مسلمة تقول: إنها تمثل 60 مليونًا من الأمريكيين و600 مليونًا على مستوى العالم، كما أن بعض أفراد الوفد كانوا يصرحون بعلاقتهم المباشرة بإسرائيل، في الوقت الذي لا زال فيه يتمسك الموقف «الرسمي» السعودي بأن يكون التطبيع مع الإسرائيليين مقرونًا بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وبالتوصل لسلام شامل مع الفلسطينيين، الأمر الذي يفسر حرص الوفد الإنجيلي على إتمام تلك الزيارة «التاريخية» في الوقت الذي تشهد فيه المملكة حملة انتقادات عالمية بسبب قضية خاشقجي.

 

وبحسب ما كشفت تقارير صحافية، فقد تطرقت الزيارة إلى العلاقات «الدافئة» التي صارت تجمع الرياض وتل أبيب (وهو الجزء الذي طلب ابن سلمان من الوفد عدم الكشف عنه للإعلام)، كما كانت قضية خاشقجي حاضرة في بداية اللقاء، حيث وصف ابن سلمان مقتل الصحافي السعودي بأنه «شنيع ومروع».

 

 

وسبق لولي العهد السعودي التصريح في أبريل (نيسان) الماضي أن من حق الإسرائيليين «العيش على أرضهم»، ولم تخف وسائل الإعلام أو التصريحات الرسمية الإسرائيلية، انزعاجها من تأثير قضية خاشقجي على مكانة ابن سلمان، كما عبر محللون عبريون عن حزنهم جراء إقالة نائب رئيس الاستخبارات السعودية أحمد العسيري على خلفية الأزمة، واصفين الأخير بأنه كان «شريكًا (عالي القدر) لإسرائيل»، كما عبر آخرون عن استيائهم من تراجع نفوذ ابن سلمان الإقليمي بعد الأزمة، وبأنه لن يكون بعد الآن «المحرك الذي سيفرض صفقة القرن على الفلسطينيين»، كما أن إخفاقاته ستبقي إسرائيل وحيدة في الحرب ضد الإيرانيين

 

ويبدو أن التقرب في الوقت الذي عانت فيه الرياض من العزلة بسبب مقتل خاشقجي، وتسابقت الحكومات لإصدار بيانات الشجب والتنديد بحق السعوديين، كانت تل أبيب وسط أطراف قليلة أظهرت تعاطفًاً واضحًا مع الرياض، حيث أعرب الرئيس الوزراء الإسرائيلي عن أهمية «استقرار السعودية» لأمن المنطقة والعالم، رغم اعترافه بأن ما حدث (لخاشقجي) في قنصلية اسطنبول «أمر مروع»، كما نقلت تقارير صحافية أن نتنياهو تدخل لدى البيت الأبيض في محاولة لمساعدة ولي العهد السعودي، حيث طالب ترامب بإبقاء دعمه لابن سلمان، واصفًا إياه بـ«حليف استراتيجي».

 

تزامنت قضية مقتل خاشقجي مع مرور عام على أحد أهم الأحداث في تاريخ السعودية وعائلتها الحاكمة، وهو اعتقال عشرات الأمراء ورجال الأعمال السعوديين واحتجازهم في فندق «ريتز كارلتون» بالرياض، وهو الحدث الذي مثل ذروة سطوة ابن سلمان داخل آل سعود، وأرسى دعائم الحكم الجديد الذي تتمحور فيه السلطة بشكل مركزي في قبضة الملك وولي عهده، دون وجود أي «مراكز قوة» أخرى كما كان الحال في المملكة منذ تأسيسها.

 

لكن يبدو أن التحدي الذي بدأ يواجه ولي العهد السعودي منذ مقتل خاشقجي، قد فرض عليه التراجع قليلاً، وإعادة الاستمساك بالأطر العائلية القديمة، إذ ظهرت بوادر على إبداء الملك وولي عهده بعض التسامح إزاء «خصوم» ابن سلمان داخل العائلة، كان أولها إطلاق سراح الأمير خالد بن طلال، شقيق الوليد بن طلال، بعد اعتقاله مدة عام كامل إثر ما أشيع عن معارضته لولي العهد وسياساته، ونشرت الأميرة ريم بنت الوليد صورة لعمها على موقع «تويتر» وهو يحتضن بعض أفراد عائلته.

 

وقد بدا جليا عودة الأمير الوليد بن طلال نفسه إلى دائرة الضوء مرة أخرى، فقد ظهر على وسائل الإعلام لينفي تورط ولي العهد السعودي في حادث مقتل خاشقجي، معبرًا عن ثقته في أن التحقيقات ستنتهي إلى براءته، الأمر الذي أثار رفض أوساط إعلامية وحقوقية، اعتبرت أن «الأمير الثري» ليس حرًا فيما يقول، وبأن كلامه لا يجب أن يؤخذ على محمل الجد.

 

كما ظهرت صور أخرى للأمير عبد العزيز بن فهد، الذي تعرض للاعتقال والإخفاء لشهور طويلة، بعد سلسلة تغريدات أبدى فيها جرأة بالغة في انتقاد سياسات ابن سلمان – الأمر الذي جعل البعض يعتبر ابن فهد منافسًا محتملًا لولي العهد خاصة أنه ابن ملك سابق هو الملك فهد بن عبد العزيز – وظهر عبد العزي بعد إطلاق سراحه وهو يعانق بناته الصغير ويتناول الطعام مع بعض أفراد عائلته.

إحدى الخطوات البارزة كذلك كانت عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان، الشقيق الأصغر للعاهل السعودي، ووزير الداخلية السابق المعروف بمواقفه الرافضة لمحمد بن سلمان ولتوليته ولاية العهد، وتشير تقارير صحفية إلى حصول الأمير أحمد على ضمانات بعدم التعرض له قبل عودته إلى البلاد، وسواء أكانت تلك العودة من أجل تنظيم الصفوف والاضطلاع بدور في مستقبل البلاد – كما تتكهن بعض التقارير الصحافية – أو غير ذلك، فالأكيد أن سماح السلطات السعودية للرجل بالعودة بعد أن قضى شهورًا خارج البلاد يمثل رغبة في لملمة شتات الأسرة، لتقف صفًا واحدًا في مواجهة العاصفة العاتية.

 

وفيما رآه البعض محاولة لحشد الدعم الداخلي في مواجهة أصعب أزمة سياسية تواجهها المملكة منذ سنوات، دشن الملك سلمان جولة داخلية طاف بها محافظات القصيم وحائل شمال غربي الرياض، في خطوة هي الأولى من نوعها من توليه الحكم عام 2015، كما تتحدث تقارير عن نية الملك القيام بجولة أخرى في المناطق الشمالية من البلاد خلال الأسبوع القادم.

You might also like