كل ما يجري من حولك

أين يكون المرء؟ ولمن ينتصر؟!

445

 

منصور هذيلي- كاتبٌ تونسي

الحلفُ بدايةً كان واسعاً، جمَعَ الأتراكَ والسعوديّين والقطريين وأدواتِهم من سلفيين وإخوانيين. رأى الجميعُ هذا وكان بين هذه الأطراف مجتمعةً كلُّ الودّ تزاوراً وتنسيقاً وتصريحاً.. هل بين هذه الأطراف بعضُ التناقض؟ قد يكون ولكنّه من التناقض الخفيف الذي لم يمنع الالتقاءَ الجِبهوي والتصويب على سوريا؛ بسببِ رجلٍ ممانِعٍ وعلى حزب الله؛ لأنَّه يدعم بشار وعلى إيران؛ بسببِ التمدّد الشيعي.

هذا الحلفُ نسّق عن قُرب وبكثافة وبشهادة وزير خارجية قطر السابق مع كلّ مخابرات الغربيين تسليحاً وتمويلاً وتسفيرَ مغرّر بهم متحمّسين.

فمتى انفرط العقد؟ بدأ التحلّل بهزيمة جبهة النصرة في معركة القصير وتجلّى بانقلاب السيسي على مرسي. حينها رأت دوائرُ غربية متنفذة أن يكون رهانُها على السعوديّين وجماعات توحّشهم وتزهد في رهان على قطريين وأتراك وإخوانيين.

على ماذا اختلف المجتمعون بداية؟ على “الصيدة” أَوْ على الطريدة. المقصود بذلك نصرٌ في سوريا سعى كُـلّ واحد للاستثمار فيه. لا حديثَ في كلّ قواميسهم المفضوحة لا عن استعمار ولا عن هيمنة ولا عن صهيونية يجب أن تزول. بالعكس رأينا مُرسي يبرق إلى بيريز وقرضاوي يستغيثُ بالأمريكيين ويطلب منهم غضبةً لله ويُطَمْئِنُ الإسرائيليين. أكثر من ذلك رأينا مقاتلين رَكَّبَ جماعاتِهم القطريون يطبّبهم صهاينةٌ في مشافي إسرائيلية. كُـلُّ الحديث عن بشار والبراميل والربيع والديمقراطية البهية. ايه جيد ولا مشكلَ مع هذا الحديث لو عضده حديثٌ آخر. الحديث الآخر غاب غياباً مريباً. لماذا؟ تكتيكاً وإكراهاً؟ لماذا أحسن الظنّ وأقامر؟ أرى في أدنى الحالات حمقاً وسوءَ تقدير. لم يتحقّق لأحد الطرفين نصرٌ في سوريا ومع دخول الروس على الخطّ أصبح النّصرُ هناك مستحيلاً بل تحوّل هزيمة لفّت الجميع. فمن انتصر في سوريا؟ انتصر الإيرانيون وانتصر الروس وانتصرت المقاومة اللبنانية التي خطّت أول نصر عسكري وازن على الصهاينة وحُماتهم، وانتصر النظام الوحيد الذي لم يوقع صلحاً مع الإسرائيليين. النظام الذي لو وقّع كما وقع أردنيون ومصريون ما كان سيجتمع كلّ هذا العالم لإسقاطه. هل التخطيط لإسقاطه مرتبط بديكتاتوريته؟ لا والله ولعنةُ الله على الكاذبين. لو كان بهم حرصٌ على ديمقراطية وشعوبٍ ما صمدت مهاناتُ الخليجية وإحداها قطرية يوماً واحداً. كلّهم يسعون في استرضاء الأمريكيين. كلهم يَعِدُ بتقديم خدماتٍ أفضلَ وضمان الاستقرار المفيد. ماذا عن الإيرانيين؟ هم في أدنى الاحوال وأقلّها أفضل من هذه الرّهوط. هم حاضرون منذ ثورتهم شوكةً في حلق الأمريكيين والصهاينة. يستقلُّون بقرارهم ويدفعون في سبيل ذلك ما يلزم من أثمان ولا يتقهقرون. وهم منذ ثورتهم يدعمون -وبالتصريح والإعلان- كلّ مقاوم لإسرائيل.

لا جُرأةَ لقطريين ولا لأتراك ناهيك عن السعوديّين والإماراتيين على إرسال خرطوشة واحدة للفلسطينيين. دون إيران وما تشبّك من قوى لا أحد يقول لأمريكا لا ولإسرائيل لا. سهلٌ قولُ هؤلاء وهؤلاء لبشار لا. هي (لا) كاذبة تحيطُ بها نعم واسعة عريضة ترتجفُ أمام الأمريكيين والصهاينة.

هذا لحقناه وشاهدناه وما عاد ممكناً إنكارُه والقفزُ عليه. عندما يكون المشهدُ هكذا ماذا تقتضي الأمانة البسيطة والفطرية؟ أين يكون المرء ولمن ينتصر وأين يقدّر مصلحة الأمّة؟

You might also like