كل ما يجري من حولك

السعودية في المهرة: اجتياح مقنّع وصراع «إقليمي» خفي

468

 

على الرغم من بعد المسافة الفاصلة بين محافظة المهرة والمناطق التي تشهد مواجهات عسكرية، منذ أربع سنوات، بين قوات الجيش الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من «التحالف»، وقوات الجيش واللجان الشعبية الموالية لـ«أنصار الله»، إلا أن أهالي هذه المحافظة وجدوا أنفسهم مؤخراً في صدارة الأطماع الاستراتيجية لدول «التحالف»، وفي مقدمتها السعودية، التي عمدت في الأشهر الأخيرة إلى بسط سيطرتها على المحافظة بالكامل، بدءًا بنشر قواتها في عاصمة المحافظة الغيظة، والسيطرة الكاملة على المطار، بنشر قوات من سلاحها الجوي، وتعطيل العملية الملاحية فيه إلى أجل غير مسمى، والسيطرة الكاملة على مينائها الرئيس «نشطون»، ومنع المواطنين من استخدامه في أي نشاط تجاري، بمن فيهم الصيادون، الذين أضحوا عاطلين عن العمل.

هذا الوضع أدى إلى تزايد حالة الغضب الشعبي، وبدأت المطالبات الجماهيرية تتصاعد، بوتيرة عالية، في مواجهة التواجد السعودي، وتحديداً منذ مطلع العام الجاري 2018، خاصة بعد تدخل السعودية، وفرضها المحافظ الحالي سعيد باكريت، وعدداً من معاونيه العسكريين والمدنيين، الذين لعبوا دوراً جوهرياً في تسهيل الطريق أمام انتشار القوات السعودية في أنحاء مختلفة من المحافظة، وفي مقدمتها سيطرتها على منفذي «شحن» و«صرفيت» على الحدود مع سلطنة عُمان، ما أدى بـ«مجلس أبناء المهرة» برئاسة عبد الله عيسى آل عفران، إلى دعوة المواطنين إلى الاعتصام الجماهيري في عاصمة المحافظة.

بدأ اعتصام أهالي المهرة في 4 مايو من العام الجاري، واستمر لأكثر من شهرين، طالب فيه المعتصمون بطرد القوات السعودية من أراضي المحافظة، ولم تتوقف تلك الاحتجاجات إلا بعد تدخل الرئيس هادي، الذي أمهل المعتصمين شهرين لتنفيذ هذا المطلب، وتلازم هذا الاتفاق مع إقالة وكيل المحافظة لشؤون الصحراء الشيخ علي سالم الحريزي، ومدير الأمن، نظراً لوقوفهما في صف المعتصمين.

التهديدات السعودية

ما إن بدأت مهلة الشهرين التي حددها الرئيس هادي، حتى تزايد عدد القوات السعودية، ومساحات انتشارها النوعي في عموم المحافظة. وتشير التقارير إلى أن القوات السعودية استحدثت خلال هذه الفترة أكثر من 16 نقطة تفتيش في مديرات مختلفة، بالإضافة إلى البدء بأعمال تسوير أراضٍ واسعة كمعسكرات خاصة بها، ومنع المواطنين من الاقتراب منها، بمن فيهم الرعاة، ما أثار الغضب الجماهيري، وأعاد الاحتجاجات إلى الشارع منذ منتصف الأسبوع الماضي، وتحديداً في مديرة المسيلة التي خرج فيها الأهالي ليعبّروا عن رفضهم لإقامة معسكر للقوات السعودية في مديريتهم، معتبرين وجوده معيقاً لحركة المواطنين، إلا أنهم قوبلوا بالتهديد باستخدام القوة العسكرية في حالة استمرارهم بالرفض، أو حتى في حالات الاقتراب من الموقع.

وكان محتجون قد عبّروا عن قلقهم من تلك التهديدات، مشيرين إلى أنها كانت الدوافع إلى تنفيذ اعتصامهم، خاصة أن هذا الموقع صار من أهم الموانع التي تحول دون تحرك الأهالي في المراعي التي يعتمدون عليها في مناطقهم، مما هدّد حياتهم بالخطر. وكان المحتجون قد أصدروا في اليوم الأول بياناً، طالبوا فيه أبناء مناطق الضالع وأبين ويافع ولحج منع أبنائهم من التجنيد في قوات من خارج قوات الجيش والأمن النظاميين، باعتبار تلك القوات هي التي تعتمد عليها دولاً في «التحالف» بهدف خلق الثارات الاجتماعية بين اليمنيين، وقد قوبل هذا البيان بمزيد من التهديد من قبل القوات السعودية، ما زاد من حماس الجماهير، التي عمدت إلى تنفيذ اعتصام مفتوح في مركز المديرية، حضره المئات من أبناء المديرية، ابتداءً من يوم الجمعة 14 من الشهر الجاري.

وقد افترش المعتصمون الأرض، ونصبوا الخيام، ورددوا هتافات برحيل «المحتل السعودي» من أرضهم، وسط تكهنات بإمكانية إقدام القوات السعودية على استخدام القوة المفرطة ضد المعتصمين منذ الوهلة الأولى.

وفي هذا الصدد، قال الباحث سند عبد العزيز، لـ«العربي» إنه «لا يوجد ما يمنع السعوديين من استخدام القوة في مواجهة المعتصمين في المهرة، فهم منفردون في مواجهة أطماعها وغطرستها، خاصة أن ولاء السلطات المحلية خالص للسعودية، والحكومة ليس لديها ما يؤهلها لمنع السعودية من أي تصرف حيالهم»، وفي رده عن تأثير نداء أبناء المديرية للمحافظات الجنوبية التي تجند جنوبيين لصالح دول في التحالف، قال عبد العزيز، إنه لا يعتقد «أنه سيجد آذاناً صاغية، فهذه المناطق قدر لها أن تكون معولاً في يد التحالف».

سقوط طائرة سعودية

تزايدت حالة الخشية السعودية من تصاعد حدة الاحتجاجات في مديرية المسيلة في محافظة المهرة، وانتقالها إلى عاصمة المحافظة، ومديريات أخرى، خاصة وأن أهالي المحافظة يكتسبون تعاطفاً كبيراً من الرأي العام المحلي والإقليمي، باعتبار هذه المحافظة بعيدة عن مناطق الحرب مع من تسميهم الرياض بـ«الانقلابيين» الذين تدعي محاربتهم، بموجب القرارات الأممية، ويمثل وجود قواتها في هذه المحافظة خرقاً لتلك القرارات، إلا أن السعودية بدأت مؤخراً بتسويق مبررات لوجودها هناك، ومنها ملاحقة تهريب الأسلحة عبر أراضي سلطنة عُمان، و«محاربة الإرهاب»، وهي المبررات التي صارت معلنة، وآخرها ما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم «التحالف»، تركي المالكي، الذي برر في مؤتمره الصحافي يوم الجمعة 14 من الشهر الجاري، على إثر سقوط إحدى مروحيات «الأباتشي» التابعة لقواتها الجوية في صبيحة ذات اليوم، ومصرع قائديها في منطقة تنهالي على مقربة من عاصمة المحافظة «الغيضة».

وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن محافظة المهرة لم تشهد أي عمل إرهابي، كما أنها لم تكن يوماً من الأيام حاضنة لجماعات إرهابية، ويعتبر هذا المبرر شكلياً فقط، كما أن الخطورة تتزايد في اتهام السعودية لسلطنة عُمان بتمرير أسلحة لـ«الانقلابيين»، وهذا يعتبر مؤشراً على أن صراعاً بين السلطة و«التحالف» صار في الطريق، وأن وجود القوات السعودية بهذا العدد والنوعية، دليل على ذلك أيضاً.

الأمر الذي جعل بعض المتابعين للأوضاع في محافظة المهرة، يشكون بأن يكون سقوط الطائرة السعودية، بسبب خلل فني، كما جاء في المبرر الذي سرده العقيد تركي المالكي، ملمّحين إلى أن السبب قد يكون «صراع المصالح بين أطراف إقليمية تحاول منازعة السعودية في المحافظة».

إلى ذلك، قال الصحافي صادق العمر، لـ«العربي» إن «هذه الحادثة تعبر عن صراع المصالح لأطراف مهمة في المنطقة، وتؤكد أن المهرة ستكون مسرحاً للصراع القادم بين أطراف إقليمية مهمة، ولا استبعد أن يتحول الصراع الخليجي إليها»، في إشارة منه إلى الخلاف الخليجي مع قطر، وأن سلطنة عمان يمكن أن تكون جزءًا منه.

 

(العربي)

You might also like