منطق مشكوك فيه
اعتبر «المجلس الأوروبي» (مؤسسة بحثية)، أن انخفاض حدة المواجهات على تخوم مدينة الحديدة، «ليس دليلاً على وجود بوادر للتهدئة بين الطرفين المتحاربين»، محذراً من أن الوضع «قد يتغيّر قريباً، خاصة في ظل التعزيزات المتواصلة التي تدفع بها الإمارات إلى تلك المنطقة».

وشدد المجلس على أن «تشغيل ميناء الحديدة، وبصورة مستمرة، أمر حيوي لبقاء 20 مليون يمني على قيد الحياة»، مشيراً إلى أن «المصالح الجيوساسية للدول الكبرى معرضة للخطر، في حال امتد الصراع خارج حدود اليمن، وأصبح البحر الأحمر منطقة حرب، كما حدث في الهجمات الصاروخية الأخيرة على ناقلات النفط السعودية، وتهديد التجارة الدولية التي تمر عبر تلك المنطقة».
ورأى «المجلس الأوروبي» أن «إدعاءات كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان تقودان التحالف في اليمن، بأن سيطرتهما على مدينة الحديدة سيزيد الضغط على الحوثيين للمطالبة بالسلام، يستند إلى منطق مشكوك فيه»، مستبعداً أن «تمنع سيطرتهما على الحديدة في حالة حدوثها، تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، أو حرمانهم من الإيرادات التي يحصلون عليها، كونهم مازالوا قادرين على فرض رسوم استيراد داخلية».
ونوه المجلس إلى أن ذلك «سيكون له نتيجة مضاعفة على الضرائب وارتفاع الأسعار، ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المعاناة، كتلك التي أعقبت الحصار الذي فرضه التحالف على ميناءي الحديدة والصليف، حيث تسبب في نقص الإمدادات الحيوية وارتفاع الأسعار»، مبيناً إن «سيطرة التحالف على الميناء ستجعل من السهل عليه فرض الحصار والتأثير فوراً على الواردات». وأشار إلى أنه لتلك الأسباب، «أثار التهديد بالهجوم على مدينة الحديدة ومينائها موجة من القلق لدى الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية، التي تحاول تجنب سيناريو المجاعة الشاملة في اليمن».
وتوقع المجلس الأوروبي أن «تبقى طرق الإمداد الرئيسية من الحديدة عبر مناخا إلى صنعاء، مفتوحة حتى إذا اندلع قتال عنيف في مدينة الحديدة، لأن هذا يمكن أن سيكون مفيدا لكلا الطرفين في النزاع»، كما توقع أيضاً أن تكون الطرق عبر الضواحي الشمالية وعبر السهل الساحلي «مثيرة للمخاوف لأسباب عسكرية».
وحذّر المجلس الأوروبي من أن «يؤدي استمرار الأعمال العسكرية إلى ارتفاع حاد في سوء التغذية الشديد والتجويع في اليمن»، مبيناً أنه «نظراً للقيود المفروضة على مرافق التخزين في البلد، فإن مخزونات المواد الغذائية سوف تنفد وسوف ترتفع الأسعار ما لم تؤمِّن وكالات المعونة الدولية الوصول المستمر للمساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين».
ولفت المجلس إلى أن «الضغط على الإمدادات الغذائية، سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار الدقيق والسكر الذي يقتات عليهما اليمنيون الأكثر فقراً، كما كان في نوفمبر الماضي، عندما أغلقت المملكة العربية السعودية مرافئي الحديدة والصليف، وبالمثل، دفعت العمليات العسكرية للتحالف ضد الحديدة في يونيو 2018 إلى حالة هلع في الشراء ما أدى إلى ارتفاع أسعار القمح بنسبة 50 في المائة، كما أنه وبالمثل أيضاً سيكون لنقص الوقود آثاراً مدمرة».
ونوه المجلس إلى أنه وفي الوقت نفسه، «انخفض دخل العديد من اليمنيين أو اختفى بشكل شبه كامل، بسبب عدم دفع الرواتب، وتشريد المجتمعات المحلية، والضربات الجوية للتحالف على المصانع والمزارع ومصائد الأسماك، حيث تقلص الاقتصاد اليمني بالفعل بنحو 45 في المائة منذ بدء الحرب»، محذراً من أنه «لا يمكن تصوّر أن أي معركة كبرى من أجل السيطرة على مدينة الحديدة ستوفر الميناء أو تسمح له بالبقاء في حالة تشغيل كاملة».
وذهب المجلس الأوروبي إلى القول «لقد تبخر حديث التحالف المبكر عن انتصار سريع ونظيف، وبدلاً من ذلك، تتحدث الإمارات العربية المتحدة عن نهج مرحلي»، مشدداً على أنه «كلما طال أمد المعركة، ازداد فقدان سبل كسب الرزق، وإلحاق الضرر بالاقتصاد». ولفت إلى أن «نظام الإنذار المبكر بالمجاعات في الولايات المتحدة، حذر من أن استمرار الأعمال العدائية وتعطيل الواردات، قد يؤدي إلى نفاذ الإمدادات الغذائية في غضون شهرين، مما سيؤدي إلى المجاعة».

تخطي المرجعيات يساعد على الحل
وفي السياق شدد المجلس الأوروبي، على ضرورة تعاون القادة الأوروبيين مع الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، «لدعم جهود المبعوث مارتن غريفيث، الساعي لإيجاد هدنة مؤقتة لوقف الأعمال القتالية الآخذة بالتوسع، وحماية مينائي الحديدة والصليف، اللذان يمرّ عبرهما 70 في المائة من واردات اليمن من السلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود».

وأوضح المجلس أن الدعم الدولي لمارتن غريفيث، «بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى، حتى يتمكّن من كسر الجمود وإقناع الطرفين بتقديم تنازلات، ليتم بموجبه إيجاد حل مؤقت على الطاولة»، مشيراً إلى أن الحوثيبن «يمكن أن ينسحبوا من ميناء الحديدة في حال تلقيهم ضمانات بعد شن هجوم آخر على المدينة، وسيسمحون باتفاق متبادل على الهيئة الدولية لإدارته».
كما أكد المجلس أنه «يمكن للقوى الأوروبية أن تلعب دوراً بنّاءاً في تفادي أزمة إنسانية، بعدما أظهرت انقساماً حيال اليمن، وذلك من خلال وضع خلافاتها جانباً وتوحيد جهودها لدعم مبادرة رفيعة المستوى من قبل الأمين العام للأمم المتحدة نفسه»، مشددا على وجوب أن «تكون فرنسا والمملكة المتحدة أن أكثر حزما في التعامل مع القادة في اليمن والرياض وأبو ظبي وواشنطن، والتحذير من أن مزيد من الهجمات على الحديدة، سيكون خطأ فادحاً، يمكن أن يكلف التحالف موارد قيّمة، ويدمر سمعته الدولية أكثر، ويورط في أزمة إنسانية فظيعة على نحو متزايد». 
وأضاف «وبالتوازي مع ذلك، يجب على الحكومات الأوروبية الأخرى، والاتحاد الأوروبي، استخدام حوارهما المفتوح مع إيران وقنوات اتصالاتهما مع الحوثيين، للتأكيد على النكسات المدمرة التي ستواجهها معركة في الحديدة، وحقيقة أنه يمكنهم حماية مصالحهم بشكل أفضل من خلال التفاوض للتوافق بموجبها على هيئة دولية تتولى مسؤولية ميناء الحديدة».
ولفت المجلس إلى أنه «وعلاوة على ذلك، يستطيع القادة الأوروبيون، بموافقة مجلس الأمن الدولي، أن يقودوا مبادرة مشتركة يتخطى فيها المبعوث الخاص القيود التي يفرضها القرار 2216، ومبادرة مجلس التعاون الخليجي، والالتزام المبالغ فيه بنتائج الحوار الوطني»، معتبراً وجود تلك المكونات في الإطار الدبلوماسي الحالي «تهديداً لجهود غريفيث وتهدده بالوصول إلى نفس الطريق المسدود الذي سلكه سلفه».
وختم المجلس الأوروبي بالتأكيد على أن المخاطر في اليمن عالية جداً، ما ينذر بتفاقم التوتر بين الحلفاء والتهديد بالمواجهة الإقليمية، مشيراً إلى أن «هناك حاجة لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة لوقف الحرب من قبل القوى الأوروبية، التي ينظر إليها العديد من اليمنيين أن بإمكانها فعل ذلك».

الحل الوحيد لوقف الانهيار الاقتصادي
ومن جانبه، أوضح «المجلس الأطلسي» (مؤسسة بحثية)، أنه، «على الرغم من تدهور الاقتصاد اليمني، وموجة النزوح الكبيرة للسكان، والانخفاض الكبير في الناتج القومي، والدمار المادي الذي تقدر تكلفته بالميارات، فإن اليمن لا يزال مؤهلاً للحصول على قروض منخفضة الفائدة من البنك الدولي، بسبب صعوبة جمع بيانات كافية ودقيقة في البلد الذي مزقته الحرب».

وأشار «المجلس الأطلسي» إلى أنه «خلال ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، أخذ الاقتصاد اليمني بالتدهور، حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي الحالي لليمن بنسبة 47 في المائة، عن أرقام ما قبل الحرب، في بلد يشكل الإنتاج الزراعي والنفطي الجزء الأكبر من اقتصاده، وانخفض إنتاج النفط الخام بمقدار أربعة أخماس، وبات الإنتاج الزراعي محدوداً بسبب عدم وصول الوقود للري والبذور والأسمدة والآلات»، مبيناً أن وجود ثلاثة ملايين نازحاً داخلياً، و38 بالمائة من السكان على حافة المجاعة، يفسح المجال لحدوث اضطراب اقتصادي وإنتاجي».
وأوضح المجلس أن طبيعة الصراع في اليمن، «يُضاعف حجم المعاناة، حيث لدى البلاد حكومة مدعومة دوليا في عدن، ومنفصلة كلياً عن المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال، حيث لا يدفع السكان هناك الضرائب أو العائدات إلى الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في عدن، وفي المقابل لا تدفع عدن رواتب 1.2 مليون موظف حكومي يعيشون في منطقة الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ سبتمبر 2016».
وأكد المجلس أن «الحل الوحيد للمشكلة الاقتصادية في اليمن يتمثل في الحل السياسي، كونه من غير الواضح ما إذا كان من الممكن حدوث نمو اقتصادي كبير في اليمن مستقبلاً، خاصة في ظل استمرار الحرب الأهلية التي تسببت في الانهيار الاقتصادي للبلاد».