كل ما يجري من حولك

جريحة وطن

523

 

فاطمة حسين

(جريحة وطن).. هذا هو لقبُها الذي كانت تلقِّبُ به نفسَها عندما كنّا نحن جميعاً نتشارَكُ جرحَ الوطن ومظلوميةَ الشعب في كلماتٍ بسيطةٍ نردِّدُها بأصواتنا نحن وإيّاها عبر منبر إذاعة صوت الحرية (صوت الشعب)، لم تكن لديّ معرفةً بها عن قرب ولكن كُـلّ من يشارك في ذاك المنبر أصبح كالأُسرة الواحدة كُـلّ شخص منّا يهتمُّ للآخر، إلا أن صديقتي هي التي كانت دائمةَ التواصل بها وهي صديقتُها عن قُــرْبٍ.

كانت (جريحةُ وطن) تُلقي كلماتِها عبر ذلك المنبر بكل شموخ وعنفوان ضد العدوان المتغطرس لا تأبه بشيء سوى قول كلمة الحق والدفاع عن الوطن، ولكن اليوم يصلني خبرٌ كالصاعقة حلّ على مسامعي واهتّز له بدني من هول ما سمعت عندما هاتفتني صديقتي مخبرةً إياي بأنّ (جريحة وطن) إحدى المخطوفات الثمان، ليعتصرَ قلبي وجعاً وكَمَداً، أتذكر كيف كنّا وكيف صِرنا.

حدثتني صديقتي والوجعُ والحزنُ يعتصرُها على صديقتها قائلةً لي: لقد حاولت الاتصال بهاتف (جريحة وطن) مراراً وتكراراً ليكون الرد عند كُـلّ اتصال الهاتف مغلق، فانتابني الخوفُ عليها وكأني علمت بأنّ هناك خطبٌ ما، فقمت بالاتصال بابنة عمها لأسألها لماذا (جريحة وطن) أغلقت هاتفها، لتُجيبني قائلة وهي تبكي: لقد اختُطفَتْ.

لتكمل صديقتي حديثها وهي تقول: كأن الزمن توقف هنا ولم أستطع التفوّه بكلمةٍ أُخْــرَى، ولكنّي لم أستطع تحمل ذلك وصرخت في وجهها: أنتِ كاذبة، نادي لي والدتها كي تجيبَني، فأعطتني والدة (جريحة وطن) ولكنّي لم أسمع إلا حشرجة صوتها لكثرة بكائها، فسألتها بوجعٍ: خالتي هل هو صحيحٌ بأنّها اختُطفت؟

كنت أرجو أن تقول إنّ هذا ليس صحيحاً، ولكن للأسف تصلُني ذبذباتُ صوتها الضعيفة قائلة: نعم صحيح، ومن ثم تجهَشُ بالبكاء، لقد أحسستُ ذلك الوقتَ بأنّ الهواء انقطع ولم أعد قادرةً على التنفس، لتنزلَ دموعي كالمطر، وبعد ذلك تمالكت نفسي وتوجهّت بالدعاء إلى الله كي يحفظها هي ومن معها من المخطوفات ويعيدهم سالمين.

بعدما أكملت حديثي مع صديقتي وأغلقت الهاتف، أحسستُ بأنّ هناك شيئاً ما يُخنقني وبشدّة، وأصبحت الدموعُ تترقرق في عينَيَّ، وأنا أتذكرُ حديثَ صديقتي عنها عندما قالت: كان موعد حفل زفافها الأسبوع القادم، فها قد أصبحتِ جريحةَ الوطن حقاً كما أسميتي نفسك.

وتجرَّأ الأوغادُ أن يأخذوك بالقوة من منزلك، وعندما أمسكتك أيدي أولئك الوحوش البشرية، من لا يعرفون الرحمة، أقذر الخلق وأحقرهم، كيف لا وهم من يمارسون أبشع الجرائم بحق النساء والأطفال، ولكن سأدعو اللهَ أن يحفظَك يا عزيزتي أنتِ ومن معك من كُـلّ سوءٍ ومكروه ويجعلَ لكم حِجاباً من عنده، ولكن هل من المعقول أن تصبحَ يمننا عراقاً آخرَ، نسمعُ بعملية اختطافٍ هنا وعملية اغتصابٍ هناك ونتوجّع فقط.

أين أنتم يا رجال اليمن؟، أين الحميّة؟ أين الغيرة على أعراضكم؟ اليوم هنا وغد في أحبابكم ونسائكم، إذا كنتوا تعلموا بأنّ التحَـرّك والنفير هو واجبٌ ديني ووطني، وإن لم تتحَـرّكوا أيُها القاعدون في منازلكم، سنتحَـرّك نحن النساء وندافع عن شرفنا، فلن نخضعَ ولن نسكُتَ ولن نقبَلَ بهذا الذل، فنحن لسنا كأي نساء.. إنّا نساء اليمن إنْ لم تكونوا تفقهون.

You might also like