كل ما يجري من حولك

دمعةٌ في وداعك

595

عبدالحليم إدريس

حكايةُ تأريخ، وقصةُ علمٍ وجهادٍ، وإخلاصٍ وولاءٍ لعلماء آل محمد، ورحلة عمرٍ حافلة بالعطاء والبذل، ذلكم هو شهيدنا العالم المجاهد عبدالرحمن اللاعي..

هو كتابٌ يتعلمُ منه الأحرار، ويقلب أوراقَه المخلصون الثائرون، ففي صفحاته الإخلاص والحب، والإيْمَــان والتقوى، والإيثار والسكينة، والوقار والمعرفة، والقُدوة والبصيرة والجهاد.

وكيف لا يكون كذلك وهو من شجرة باسقة المكارم والأخلاق، شجرة تنسبل القادة الأخيار، وتنشر النور والمعرفة.

ترعرع في بيت المكارم وكان أحدها.

استقى من المعارف والعلوم فكان من رُوّادها.

عرفته الوديانُ حين قطع المسافات فيها مرشداً.

وعرفته المنابرُ خطيباً مفوهاً ومحاضراً مصقعاً.

وعرفته الجبهاتُ وخطوطُ التماس مرابطاً وأسداً مغواراً، وفوق هذا وذاك صبرٌ وجلدٌ، وهمة وعزيمة تناطح الجبال.

عبدالرحمن حزام حزام اللاعي، من عرفه فقد عرفه ومن لم يعرفه أَنْبَأْتُهُ عن حَسَبِه ومَجْدِه.

تربَّى في دوحة المكارم والأخلاق في منزل حجت ملبية اليه النور والفضيلة. فجده الشاعر المتيم بآل البيت حزام اللاعي، وأبوه الشاعر حزام حزام اللاعي، الذي لطالما كان ينافح بشعره عن اهل البيت ويذود عن مبادئ الحق ويزين مجالسه بمدح العلماء الصادقين، وأمه زينبية في صبرها وجأشها، وكل أسرته من شيعة اهل البيت وجلهم شعراء ومن أبرزهم الشهيد العلامة عمار حزام حزام اللاعي وهو القائل

مَن ذا يداني حزامَ الدين في خلقٍ

 مَن ذا يداني أباه مَن ذا يدانينا

فينا الفصاحةُ منا الشعرُ منبعُهُ

 دربُ الفضائل يمشي فيه ماشينا

نحن الذين بحورُ الشعر تخدُمُهم

 طوراً وتسجد طوراً بين أيدينا

أما المكارم قد حجت ملبيةً

 تطوي الفيافي أجابت صوتَ داعينا

هو الشاعرُ والمرشدُ والخطيبُ والمحاضر والمجاهد. لين العريكة سهل الخليقة ويحمل بين جوانحه الرحمة الواسعة، عمارٌ بن ياسر في ثباته وصلابته والأشترُ في عشقه للحق وشجاعته، تأخذه الرهبة من خشية الله، يقول أحدهم كان الشهيد بالنسبة لي بلسم جراحي وأوجاعي، ويقول آخر رأيته في بعض المواعظ يبكي من خشية الله، ويتحدث آخر عن بعض مواقفه حين طلب من القيادة الذهاب للجبهة فمُنع لمصلحة ما، فبكى أسفا وحزنا أن الفرصة لم تتح له، ومع ذلك لم يُرى على وجهه الامتعاض فكان يحث المؤمنين المجاهدين على التسليم والانقياد. ويشهد له أخوه الشهيد العلامة عمار اللاعي في حياته فيقول -إن في أخي عبدالرحمن صفة ليست موجودة في أحد أخوتي وهي أن به رحمة ورأفة قل أن يوجد لها نظير –

فليس لهؤلاء العظماء إلا جنة الخلد (في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مُقتدر)

وهكذا سيدنا الغالي عرف فلسفة الحياة فاختار الحياة الأبدية وآثر الحياة الأخرى فلم يألوا جهدا في التعليم والإرشاد ولم يكتفي بأنه مسؤول الثقافة بالملتقى الإسلامي بل كان مع موعد مع الجبهات مزاوراً ومرابطاً لها بين الفينة والأخرى.

وفي آخر المطاف كان له موعد مع الشهادة التي لطالما تمناها طيلة حياته. حين استدعت الحاجة للنزول إلى الساحل الغربي فنزل مع كوكبة من طلاب العالم الشريف وكان في طليعتهم يعمل بكل همة وحماس وبصيرة ووعي نافذ، ولكن طائرات الموت استمرأت سفك الدماء والتلذذ بدماء العظماء فكان سيدنا الغالي أحد الشهداء الذين سقطوا بغارات الطيران الصهيوسعودي.

فهنيئاً لك هذا المقام العظيم..

وهنيئاً لأُسرة أنتَ منها هنيئاً لكم (آل حزام)..

وداعاً سيدنا الغالي العزيز.

وداعاً خالي حيثُ كنت تناديني بها واليوم أنا أستعيرها.

وداعاً أيها الشهم الكريم ولا جعله الله آخر العهد بك.

((سلامٌ عليكم بما صبرتم فنِعم عقبى الدار))

You might also like