لم تصل الحرب إلى مدينة الحديدة حتى الآن، ولكن وصلت أوزارها ودفعت الآلاف من الأسر التي تسكن في أطراف المدينة إلى النزوح بحثاً عن مناطق آمنة. موجة النزوح التي بدأت قبل أن تبدأ معركة الحديدة، مدفوعة بالمخاوف، وتنذر بكارثة إنسانية في حال استمرارها. 
استخدم «التحالف» سياسة الرعب ضد سكان الحديدة البسطاء، وتعمد طيرانه الأسبوع الماضي، إستهداف عدد من أحياء المدينة بصواريخ شديدة الانفجار، حيث استهدف جولتي «يمن موبايل» والغراسي بعدة غارات، كما استهدف أسراً نازحة شرق المدينة، وما عزز مخاوف الكثير من سكان الحديدة، الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على النزوح من مدينتهم، بحثاً عن الأمان، في ظل اعتماد «التحالف» على الحرب النفسية، والمبالغة في الحديث عن سير المعارك العسكرية، التي لا تزال في مناطق محدودة غرب الحديدة.

نزوح قسري

قبل سبعة أيام، بدأت موجة النزوح القسري من مدينة الحديدة، التي يصل عدد سكانها إلى المليون نسمة، والتي لا تزال بعيدة عن طاحونة الصراع حتى الآن، لتضاعف مأساة الحرب التي يفرضها «التحالف» بقيادة السعودية، منذ أكثر من ثلاثة أعوام، والتي شردت ما يزيد عن 3,4 مليون إنسان يمني حتى الآن، وفق آخر إحصائيات وزارة حقوق الإنسان في حكومة «الإنقاذ الوطني» في صنعاء.
الآلاف من الأسر التهامية، نزحت إلى أكثر من اتجاه، خلال الأيام الماضية، فالعاصمة صنعاء ومحافظات إب وتعز، وحتى عدن وحجة وذمار والمحويت، استقبلت الكثير من نازحي الحديدة، إلا أن مدينة إب، استقبلت حتى الآن عشرات الآلاف من النازحين، الذين قدموا عبر طريق «الحديدة ـ العدين ـ إب» خلال الأيام الماضية. 
وجاءت العاصمة صنعاء في المرتبة الثانية بعد إب في استقبال النازحين، وفقاً لإحصائيات أولية، أوضحت أن صنعاء استقبلت ما يقارب الـ 10 آلاف نازح ونازحة حتى يوم الجمعة الماضية، بحسب تأكيد رئيس جمعية الحديدة الاجتماعية الخيرية، أحمد محمد مكي، الذي أشار إلى أن أعداد النازحين في تزايد مستمر.
في منطقة عصر، غرب صنعاء، تحتضن مدرسة أبو بكر الصديق العشرات من الأسر النازحة من الحديدة، إلا أن هناك أربع مدارس أخرى يتم تهيأتها من قبل الوحدة التنفيذية، لأيواء النازحين في العاصمة صنعاء، لإستقبال المزيد من نازحي الحديدة. 
النازح إبراهيم عمر فتيني (35 عاماً)، من حي صدام في مدينة الحديدة، أكد لـ «العربي»، نزوح معظم سكان الحي الذي يقطنه، لكنة أشار أثناء لقائه إمام مدرسة أبو بكر الصديق، التي تم تحويلها إلى مركز إيواء للنازحين، إلى أن «المئات من الأسر التي وصلت نزحت باتجاه العاصمة صنعاء».

فكرة النزوح

الإعلامي عبدة العبدلي، أحد أبناء الحديدة، أكد في حديث إلى «العربي»، «وجود قصور في استقبال النازحين في صنعاء من قبل الجهات الرسمية»، مشيراً إلى أن «الأسر التي نزحت قبل عدة أيام إلى صنعاء، تم استقبالها في مخيمات النازحين، وهناك الكثير من الأسر تم استقبالها من قبل أقرباء لها يسكنون في العاصمة، وتم تأمين المأوى والمأكل والمشرب لها، كما احتضنت العشرات من الأسر في صنعاء، أسر نازحة من الحديدة».
ولفت العبدلي، إلى أن «هناك المئات من النازحين تقطعت بهم السبل ويعيشون في الشتات».
وكشف الإعلامي، عن عدم تقبل فكرة نزوح أبناء الحديدة من بعض الجهات في العاصمة صنعاء، التي اعتبرت موجة النزوح غير مبررة، وحاولت طمأنة النازحين بأن الأوضاع في المدينة مستقرة، لكنة يرى أن «ذلك التعامل غير سليم، على الرغم من أن المعارك لا تزال في محيط المطار، أي في تخوم المدينة، لكن مخاوف المواطنين المسالمين، هي من دفعتهم إلى النزوح، ويفترض توفير أدنى متطلبات البقاء للنازحين حتى تستقر الأوضاع». 
العبدلي الذي تولى عملية استقبال ثلاث أسر نازحة في منزله في صنعاء، أشاد بـ«المبادرات الذاتية التي قامت بها عدد من الأسر في صنعاء، والتي فتحت أبواب منازلها للأسر النازحة من الحديدة، وتقاسمت معها لقمة العيش، على الرغم من الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها معظم اليمنيين».

إب… مدينة السلام

مدينة إب، التي تستقبل الآلاف من نازحي تعز حتى الآن، استقبلت الآلاف من الأسر النازحة من الحديدة، ووفقاً لمسؤول تسجيل بيانات النازحين في منطقة عنه، في مديرية العدين، فإن معظم الأسر التي نزحت من الحديدة، متجهة نحو مدينة إب، بينما هناك مئات الأسر وفق البيانات التي اطلع عليها «العربي»، اتخذت من طريق «الحديدة ـ إب» ممر عبور للعودة إلى مناطق حيفان والتربية وسامع وصبر وذي سفال والجند في تعز، وهي في طريق عودتها إلى منازل أقربائها، ولفت مسؤول تسجيل بيانات النازحين إلى أن بعض تلك الأسر النازحة من الحديدة، كانت نازحة من تعز واستقرت في مدينة الحديدة منذ عامين.
السلطات المحلية في مدينة إب، أعلنت عن استعدادها استقبال 1000 أسرة نازحة من محافظة الحديدة، بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية، كما وجه محافظ إب، عبدالواحد صلاح، خلال اجتماع عقدة أمس الأول مع عدد من المنظمات المحلية والإنسانية، بإنشاء عدد من المخيمات لنازحي الحديدة، وتم تحديد مخيم كبير بمساحة شاسعة في مديرية العدين قرب وادي عنه، بالإضافة إلى تحديد مخيم آخر في ساحة المعهد التجاري بالسحول.