لا ضمانات تحول دون أن يُستهدف السيد القائد بشار الأسد بالكيفية التي استهدف بها الشهيد الرئيس صالح الصماد، فالقضية لا تتعلق بتفاوت مناسيب القدرة الدفاعية العسكرية بين بلدين أحدهما معدم كاليمن ووحيد والآخر حصين ومقتدر كسوريا، قدر ما تتعلق باجتراء مركز الهيمنة الأمريكية وأذرعته الصهيونية والعربية، على الفضاءات الخاصة للشعوب والبلدان المناضلة في سبيل الانعتاق من حظائر الهيمنة أو الممانِعة أمام محاولات تعبيدها كقيمة محدثة مضافة لهذه الحظائر.
تفعل أجهزة المخابرات الصهيوأمريكية الشيء ذاته منذ مطلع الحرب الباردة اغتيال رموز وقادة الحركات التحررية بل واختطاف شخصيات سياسية وعلمائية كبيرة وأدهى من ذلك رؤساء دول مستقلة.
من بيروت لبنان إلى «بنما سيتي»، ومن إنزال مظلي لكوماندوس إسرائيلي في جبشيت استهدف عبد الكريم عبيد وطار به مكبلاً إلى سجون الكيان الصهيوني، إلى إنزال مظلي أمريكي في العاصمة البنمية عاد برئيس الدولة مخفوراً إلى الولايات المتحدة…
قرصنة مخابراتية صهيوأمريكية تتمظهر على هيئة عمليات عسكرية خاطفة ومحفوزة بالاجتراء على المواثيق والأعراف والمعاهدات الحارسة ـ مجازاً ـ للفضاءات الخاصة القطرية والقومية والمشددة على حرمة المساس بسيادتها واستقلال شعوبها.
اغتيل عماد مغنية في كفرسوسة بسوريا، بعملية استخباراتية صهيونية في 2008، ونجله جهاد مغنية بضربة جوية إسرائيلية في سوريا كذلك عام 2015، والمناضل سمير القنطار في ذات التراب السوري نهاية العام نفسه بضربة جوية مماثلة…
اختطف وأخفي موسى الصدر وأوجلان واغتيل عباس موسوي وسلفادور الليندي وتعرَّض كاسترو لمئات محاولات الاغتيال، وكانت غاية الغايات الصهيوأمريكية من كل هذه القرصنة الدنيئة والفاضحة لجم وتكبيل وتسيير الفضاءات الخاصة السياسية للبلدان والشعوب وحركات المقاومة والعمل الثوري التحرري وفق المشيئة الامبريالية، كلما أخفقت في تحقيق ذلك عبر وكلائها في الأوساط المستهدفة.
العشرة أيام الفائتة حفلت بنشاط استخباراتي محموم وفاضح خارج مجريات الاشتباك الدائر على المسرحين السوري المنتصر واليمني الصامد والفلسطيني الآيل لمتغيرات صدام نوعي مقتدر لجهة المقاومة مع العدو الإسرائيلي، على خلفية تنامي محور المقاومة إقليمياً باندحار عصابات الإرهاب الأمريكي…
عدوان ثلاثي أمريكي ـ بريطاني ـ فرنسي على سوريا، اغتيال عالم فلسطيني بارز في مجال الردع الصاروخي المقاوم، ثم اغتيال الرئيس اليمني صالح علي الصماد والاستمرار في التهديد باستهداف شخصيات سياسية أخرى في اليمن.
لم تغير ضربات العدوان الثلاثي الغربي على سوريا موازين القوى على مسرح الاشتباك الذي يفرض الجيش العربي السوري وحلفاؤه سيطرة نوعية متنامية عليه… وبطبيعة الحال فإن الهدف لم يكن إحداث تحول في هذه الموازين يدرك منفذو العدوان استحالته، وإنما وضع البناء الفوقي الوطني لدمشق تحت رحمة ضربات خاطفة متباعدة وباغتة قد تثمر ـ وفق تقديرات الثالوث الغربي ـ عن الإطاحة بالرئيس الأسد بما يتيح لدول العدوان فرض مسار سياسي مستقبلي في سوريا ضامن لأمن الكيان الصهيوني ومصالح الغرب الامبريالي كغاية أخفقت في تحقيقها طيلة سبعة أعوام من الحرب على دمشق تحت يافطة الثورة.
وفي اليمن، فإن تحالف العدوان الأمريكي العاثر يدرك أن تعديل كفة الاشتباك لجهة عصاباته بات أمراً بعيد المنال، وأن ما يأمله من وراء عملية اغتيال الرئيس الصماد بغارة جوية هو أمر آخر: تقويض الفضاء التوافقي السياسي المواجه للعدوان وعزل الحركة الثورية خارج الفضاء التشاركي الوطني بترهيب المكونات الحليفة والمتعاونة من كلفة التحالف مع «أنصار الله»، واستدراجها بالترغيب لبناء تحالفات ساندة لملعب عملاء العدوان المضعضع والمتصدع…
إن الرد على تحدٍّ وجودي بهذا المستوى تحاول أمريكا عبره نسف مسار الاشتباك بمعطياته المتنامية سلباً لجهة مشروعها، لا ينبغي أن يكون رداً أحادياً بل حزمة ردود تصدر عن محددات واحدة يتولى تدشينها اليمن ومحور المقاومة وتكون كفيلة بكبح جماح هذه القرصنة الكونية الأمريكية التي تستهدف ـ لا بلداً بعينه في هذا الاصطفاف المقاوم ـ بل مجموع قوى المقاومة بكل بلدانها وحركاتها…
إنهم يقاتلوننا كافة وليس من الصواب أن نقاتلهم فرادى…
إن هذه الدبلوماسية الخجولة المرتعشة على الضفة الشرقية للمقاومة لن تعفي أصحابها من الوقوع غداً في أتون اشتباك يتسع نطاقه بحتمية المجريات التصعيدية الراهنة ليلتهم زرافاتها وأفرادها كتحصيل حاصل.