كل ما يجري من حولك

الرئيس صالح الصماد شهيداً: فصل جديد من المواجهة

322

متابعات:

خيّم الحزن على اليمن مع إعلان أستشهاد رئيس المجلس السياسي الأعلي صالح الصماد بغارة جوية في مدينة الحديدة. حدادٌ لثلاثة أيام وتنكيسٌ للأعلام لأربعين يوماً مقابل انتشاء بانتصار كاذب على مقلب تحالف العدوان.

يمثّل أستشهاد الصماد خسارة كبيرة لليمن ولليمنيين في هذه الظروف الصعبة فهو رجل السياسة والتفاهمات كما هو رجل الحرب الذي اقترن ظهوره ورحيله بالتصدي للعدوان السعودي وأدواته من الحرب الرابعة على صعدة إلى السنة الرابعة من العدوان والحرب على اليمن.

برز اسم الصماد في الحرب الرابعة على صعدة في عام 2007 كقائد ميداني لـ«أنصار الله» في منطقة بني معاذ شرقي مدينة صعدة التي ولد فيها في عام 1979. ومنها قاد مجموعات من الشباب وفكّ الحصار عن منطقة فلة غربي المدينة والتي كانت حاصرتها قوات نظام صنعاء. لمع اسمه سريعاً في أوساط سكان صعدة بفضل قربه منهم ونشاطه في حلّ قضاياهم لتُعيِّنَه قيادة «أنصار الله» في عام 2008 المسؤول الاجتماعي .

شارك بفاعلية في مواجهة قوات صنعاء في حربها السادسة على صعدة وتصدّى لها كقائد ميداني للمديريات المحيطة بالمدينة ليُعيّن في عام 2009 مسؤولاً ثقافياً لـ«أنصار الله». وهذا المنصب استحقّه لِما أظهره من قدرات في الخطابة وكسب الجماهير إلى صف أنصار الله في أكثر من مناسبة في صعدة والمحافظات المجاورة لها.

عقب الحرب السادسة كُلّف الشهيد الصماد من قبل قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي بتمثيل أنصار الله في التخاطب مع لجان الوساطة التي قَدِمت من صنعاء لإعادة تطبيع الأوضاع في صعدة وأسهم في إعادة الهدوء والتوفيق بين الجيش واللجان الشعبية .

ومع انعقاد «مؤتمر الحوار الوطني» في صنعاء شاركت «أنصار الله» فيه بفاعلية وقدّم فريقها رؤية لحلّ القضايا اليمنية العالقة ومقترحاتها لشكل النظام السياسي والإداري لليمن. وفي هذا الشأن قالت مصادر من أنصار الله إن الصماد هو من تولى مراجعة هذه الرؤية مع الدكتور عبد الكريم جدبان والدكتور أحمد شرف الدين اللذين اغتيلا في صنعاء قبل نهاية مؤتمر الحوار.

مع دخول «أنصار الله» إلى صنعاء في الـ21 من أيلول/ سبتمبر 2014 عيّن الرئيس اليمني (المستقيل لاحقاً) هادي الصماد مستشاراً له في وقت كان يشغل فيه منصب رئيس المكتب السياسي للحركة منذ ما قبل ذلك التاريخ ببضعة شهور. وفي آب/ أغسطس 2016 تحالفت «أنصار الله» مع حزب «المؤتمر» الذي كان يقوده الرئيس السابق علي عبد الله صالح وشكّل الطرفان «المجلس السياسي» لإدارة السلطة والتنسيق بينهما في مواجهة العدوان و الحرب.

كان الصماد عضواً في المجلس وبعدها توافق الطرفان عليه رئيساً للمجلس ومن يومها إلى حين مقتله حقّق نجاحاً في إدارة شؤون السلطة في صنعاء سياسياً وعسكرياً وأمنياً وإدارياً وإلى حدّ ما في الجانب الاقتصادي رغم الحصار المفروض على اليمن.

حظي الصماد بثقة قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي ومع محاولة حليفها علي عبد الله صالح الانقلاب عليها في كانون الأول/ ديسمبر 2017 ظهر السيد عبد الملك الحوثي مخاطِباً أنصاره وأنصار صالح بقوله: «جمهورية برئاسة صالح الصماد ومن قرح يقرح» وما هي إلا ساعات حتى تمكّن الشهيد الصماد بالتفاف قيادات اليمن الأحرار من حوله من القضاء على انقلاب صالح والحفاظ على الوضع الأمني في صنعاء والشمال وصيانة تماسك أكثر من 40 جبهة قتال تحارب عليها القوات اليمنية المشتركة” الجيش واللجان الشعبية” عقب ذلك تمكن الشهيد الصماد من تجاوز تداعيات مقتل صالح والحفاظ على تحالف «أنصار الله» و«المؤتمر» واستئناف عقد جلسات البرلمان الذي ينتمي أغلب أعضائه إلى حزب صالح.

عُرف عن الشهيد الصماد نزاهته ومناهضته للفساد المالي والإداري وفي هذا تقول مصادر مقرّبة منه إن الصماد لا يملك منزلاً في العاصمة صنعاء وإنه كان يقيم خلال السنوات الأربع الماضية في منزل مستأجر. كذلك عُرف عن الرجل شجاعته التي تجسّدت في زياراته المتكررة لجبهات القتال بما فيها الجبهة الحدودية حيث ظهر العام الماضي وهو يقود طقماً مسلحاً حاملاً بندقيته ومتنقّلاً بين جبال جيزان.

الرئيس صالح الصماد شهيداً: فصل جديد من المواجهة

«سنستقبلك على خناجر بنادقنا». تلك كانت آخر الكلمات التي تَوَجّه بها الرئيس الشهيد صالح الصماد إلى السفير الأميركي لدى اليمن. حتى آخر اللحظات التي خَتَم بها حياته ظلّ الرجل واعياً طبيعة المعركة وأبعادها: الأميركيون هم عرّابو عملية الحديدة خصوصاً والعدوان السعودي ــ الإماراتي عموماً. ولذا جاء الرد على تخرّصات متملّقي ماثيو تولر بهذا الشأن من داخل الحديدة نفسها في وقت كان فيه أزلام السعودية والإمارات يطلقون موجة تصعيد جديدة على الساحل الغربي. خاطبهم الصماد بشجاعته المعهودة قائلاً: «لن تجدوا في الحديدة مرتزقاً يُبلغكم مَبلَغكم» وما مخادعة «العملاء القدماء الجدد» لكم بأن «أبناء الحديدة ضابحون وسيستقبلونكم بالورود» إلا أوهام… «أنستقبل مرتزقتكم ليفعلوا بنا ما فعلوا بالأفارقة؟!».

لم يَطُل الوقت حتى غادر القائد الشاب ساح المواجهة بعدما طمأن أبناء الحديدة الذين يُشهَر سيف التهديدات في وجوههم هذه الأيام إلى أنه «لا قلق إطلاقاً» وإلى أن «أبناء اليمن سيخوضون البحر دونكم». استُشهد الصماد «ظهر الخميس (الماضي) في محافظة الحديدة إثر استهدافه بغارة جوية من طائرات العدوان وهو يؤدي واجبه الوطني» بحسب ما أعلن أمس المجلس السياسي الأعلى الذي كان الشهيد رئيساً له.

«جريمة فظيعة» تتحمّل «قوى العدوان وعلى رأسها أمريكا والنظام السعودي المسؤولية القانونية عن ارتكابها» وفق ما جزم به قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، في موقف يشير إلى بصمة أميركية في عملية الاغتيال سواء عبر تزويد «الشركاء» بالمعلومات الاستخبارية اللازمة أو عبر الاشتراك المباشر في العملية أو لمجرد الغطاء السياسي الذي لا يزال ممتداً على جرائم الرياض وأبو ظبي المتعاظمة في اليمن والتي كانت آخرها مجزرة مروّعة ارتُكبت ليل الأحد ــ الإثنين في محافظة حجة أدت إلى أستشهاد33 مدنياً معظمهم نساء وأطفال وجرح 55 آخرين.

المفارقة أن تحالف العدوان الذي كانت قائدته السعودية قد أدرجت الرئيس الشهيد صالح الصماد من ضمن 40 قيادياً يمنياً على ما سمّتها «لائحة مطلوبين» راصِدةً 20 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنهم لم يبادر على مدار الأيام القليلة الماضية إلى إعلان مقتل الرجل. وهو ما يمكن أن يُفسّر على وجهَين: إما أن الرياض لم تكن تعلم بأن من قتلته في الغارات الثلاث التي استهدفت شارع الخمسين في مدينة الحديدة هو الصماد نفسه وإما أن من نفّذ التصفية هو لاعب أكبر من السعودية وإمكاناتها وهذا الاحتمال الأخير يعزّز الحديث عن دور أميركي مفترض في العملية.

لكن أياً يكن فإن تحالف العدوان لم يجد ضيراً في الاحتفاء باستشهاد الرئيس السابق للمجلس السياسي لـ«أنصار الله» بوصفه «نصراً استخبارياً» و«ضربة كبرى» لسلطات صنعاء، على حدّ توصيف وسائل الإعلام الموالية للرياض وأبو ظبي.

احتفاء تجلّى في وقت كانت فيه القوة الصاروخية في الجيش اليمني واللجان الشعبية تواصل استهداف الداخل السعودي مُطلِقةً أمس صاروخيَن باليستيَين من طراز «بدر 1» على ميناء تابع لشركة «أرامكو» النفطية في منطقة جيزان. كذلك فاخرت دول العدوان ومعها حكومة هادي التي تعجز عن تثبيت قدميها في ما تسمّيها «المناطق المحرّرة» بـ«الإنجاز»، في ظل خسائر إضافية كانت تلحق بمقاتلي العدوان على جبهة الساحل الغربي لليوم الخامس على التوالي. وفي المشهدَين المتقدمَين إشارة واضحة إلى أن ما تأمل السعودية والإمارات أن تجنياه من وراء تصفية الرجل الأول في سلطات صنعاء السياسية ليس إلا نتاج «السكرة» التي تعقب اللحظة الأولى.

يقوّي التقديرَ المتقدم الموقف الجامع والحازم الذي تمظهر في صنعاء عقب إعلان استشهاد الصماد. موقف لعلّ أهمّ ما وسمه أبعاد رئيسة ثلاثة: أوّلها أن سلطات صنعاء لم تنشر نبأ الاغتيال إلا مترافِقاً مع خبر اختيار خليفة للشهيد (مهدي المشّاط) وهو ما يمكن أن يُقرأ سبباً في تأخير الإعلان لحوالى 4 أيام. ثانيها هو وحدة الكلمة الصادرة عن قيادات صنعاء والتي خلت من أي «نشاز» مُطمِئنةً إلى متانة الجبهة الداخلية وتماسكها على الرغم من تغييب الرجل الذي لعب دوراً رئيساً في الحفاظ على قوتها إبان الأزمة التي عصفت بها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. أما ثالث تلك الأبعاد فهو التوعّد بردّ قوي على جريمة الاغتيال والتعهد بمواصلة المواجهة سواء على الجبهات أو في إدارة الدولة.

هذا ما أكده قائد الثورة السيد عبد الملك  الحوثي بنفسه في كلمته التي أعقبت الاجتماع الطارئ للمجلس السياسي الأعلى حيث جزم بأن «هذه الجريمة لن تمر من دون محاسبة» و«لن تحقق لقوى العدوان أي نتيجة لصالحها لا في مؤسسات الدولة التي اتخذت قرارها بمواصلة السير في طريق الشهيد» ولا «على المستوى الشعبي الذي يرى في تضحية الشهيد الصماد حافزاً نحو المزيد من الصمود» ولا على مستوى «الجبهة الداخلية والروابط في ما بين المكونات والقوى السياسية».

وفي الاتجاه نفسه شدد المجلس السياسي الأعلى على أن «الشعار الذي رفعه الشهيد (يد تبني ويد تحمي) سيكون عنواناً للمرحلة القادمة وخارطة طريق نحو عمل مؤسّسي بنّاء، وتحرك جهادي شامل وفاعل لمقارعة قوى الغزو والاحتلال». وأعلن الناطق الرسمي باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام بدوره «(أننا) نقف إلى جانب الرئيس مهدي المشاط في حمل الراية السياسية للمجلس السياسي الأعلى… ونشدّ على يده لينهج بنهج الرئيس الشهيد» مضيفاً أن «على كل أجهزة الدولة أن تتحمل مسؤوليتها» وأن «الجميع ملزم بالتحرك لتقديم ردّ عملي على هذا العدوان».

ردٌّ برز أول ملامحه في البيان الصادر عن مجلس الدفاع الوطني الذي عقد اجتماعاً استثنائياً عصر أمس أعلن عقبه «حالة الاستنفار ورفع الجاهزية إلى الحالة القصوى» مؤكداً أن «اليمن اليوم أكثر قوة وصموداً وثباتاً في مواجهة العدوان» وأن «اغتيال الرئيس الشهيد سينال الردّ الرادع».

وفي انتظار الصورة التي سيتبلور عليها هذا الردّ، تتجه الأنظار إلى مراسم تشييع الشهيد التي سيعقبها خطاب للسيد عبد الملك الحوثي الذي دعا أمس إلى أوسع مشاركة في تظاهرة شعبية بمدينة الحديدة كان الصماد أعلن عنها قبيل استشهاده لـ«نقول للأميركي إنه إذا كان هناك أناسٌ يشجعونه أو يكذبون عليه بأن له موطئ قدم في الحديدة فعليه أن يفهم أن أبناء محافظة الحديدة على قلب رجل واحد».

هكذا يتجاوز اليمنيون مصابهم بـ«الرجل المؤمن المجاهد العظيم» ــ كما وصفه المجلس السياسي الأعلى ــ بخروجهم مجدّداً إلى الساحات ليؤكدوا أنهم «بتضحيات شهدائهم أمضى عزماً وأقوى إرادة» ولتنفتح بذلك صفحة جديدة من مواجهة العدوان لن يُكتب فيها للسعودية والإمارات ما تتمنّيانه.

You might also like