عدم تفويت أي فرصة لإنهاء الحرب
قال معهد «الخليج العربي» في واشنطن، إنه وفي الوقت التي تشير المواجهات، التي حدثت في عدن إلى اتساع الشرخ بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، العضوين الرئيسيين في «التحالف» العسكري، الذي يسعى إلى إعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الحكم، فإن أمراً آخراً يبدو على غاية من الأهمية حدث، وهو تواجد محمد عبد السلام، الذي يعد من كبار قادة حركة «أنصار الله»، وأحد المفاوضين الرئيسيين باسم الحركة، في العاصمة العمانية مسقط.

وأوضح المعهد، أن ما يثير الاهتمام، هو نية المفاوض في «أنصار الله»، البقاء في العاصمة العُمانية مسقط، إلى وقت لأجل غير مسمّى، واعتبر ذلك، بمثابة استعداد من قبل «أنصار الله» لمعرفة ما إذا كانت أطراف أخرى في النزاع تميل إلى استئناف المحادثات بشأن ما قد تتطلبه إعادة إحياء مفاوضات السلام المتوقفة منذ زمن طويل، كاشفاً عن أن عبد السلام، قد تلقى إتصالات من بعض ممثلي الدول الغربية، وأن آخرين لا زالوا ينظرون في الأمر.
وأشار معهد «الخليج العربي»، إلى أنه لم يتضح بعد، ما إذا كانت الولايات المتحدة من بين الدول التي سترسل مسؤولين لجس النبض من طرف «أنصار الله»، لكنه شدد على أن امتناعها عن ذلك، سيكون بمثابة تقصير دبلوماسي، لافتاً إلى أن آخر اتصال تم بين الولايات المتحدة و«أنصار الله»، كان في ديسمبر العام 2016، وقام به وزير الخارجية آنذاك جون كيري، عندما حاول ايجاد أرضية مشتركة تسمح باستئناف المفاوضات.
وأكد المعهد الأمريكي، إلى أنه وفي حين لا يتوقّع أحد من خَلَف كيري، ريكس تيلرسون، أن يتدخل شخصياً في هذه المرحلة، لكنه أشار إلى أن سفير الولايات المتحدة لدى سلطنة عُمان، مارك سيفرز، والآخر لدى اليمن، ماثيو تولر، المقيم في السعودية، يستطيعان تولي الأمر، مشدداً على أهمية عدم تفويت أي فرصة مهما قلت احتمالاتها، لوضع حد للحرب في اليمن، والإبتعاد عن النزاع المسلح والتفاوض على تسوية.
ولفت المعهد، إلى أن تلك تعد فرصة لتوفير لمحة عن الشروط التي قد تكون «أنصار الله» مستعدة لقبولها كجزء من خطة لوقف الأعمال العدائية في اليمن، والسماح للمجتمع الدولي بتركيز طاقته على التخفيف من المأساة الإنسانية، مؤكداً على أنه وفي الوقت الذي يمكن فيه التكهن بالحد الأدنى من الشروط التي قد تطالب بها السعودية، وهي وضع حد لهجمات «أنصار الله» عبر الحدود، وإعادة تشكيل حكومة معترف بها دولياً، وتراجع الوجود الإيراني في اليمن، فإن الغموض لطالما لف الحد الأدنى من الشروط التي ترضي «أنصار الله».
وأكد المعهد الأمريكي، على أن الإدارة الأمريكية تحتاج إلى خطة شاملة لإنهاء الحرب، كما حدد العناصر التي ينبغي أن تشملها هذه الخطة، ومنها ممارسة ضغوطات أكبر على السعودية لثنيها عن محاولة إخضاع «أنصار الله» من الجو وحملها على صب تركيزها على التفاوض للتوصل إلى تسوية بشأن الحرب… ورجّح المعهد أن تكون مبادرات الرياض الأخيرة، المتمثلة بضخ مبلغ ملياري دولار في «البنك المركزي اليمني» للتخفيف من وطأة أزمة السيولة الخطيرة، وتخصيص مبلغ 1.5 مليار دولار لخطة المساعدة الإنسانية، استجابة للقلق الأمريكي بشأن ضرورة تلبية احتياجات اليمنيين الملحة.
ونوه المعهد الأمريكي في ختام تحليله، بالتأكيد على أن مخطط عبد السلام للإقامة فترة طويلة في العاصمة العُمانية، يشير إلى احتمال وجود تطورات أخرى تستدعي النظر فيه، متسائلاً عما إذا كانت الأطراف المعنية، على استعداد لانتهاز هذه الفرص، وشدد على ضرورة مواصلة السعي إلى التزام بناء إذا كان هناك بصيص أمل في إنهاء الحرب، بغض النظر عن مكان عقد المحادثات أو احتمال مغادرة عبدالسلام لمسقط.
شرعية هادي… هشة ومهمة
رأى «مركز السياسية الدولية»، أن الاشتباكات التي وقعت في مدينة عدن الساحلية الجنوبية، قد أظهرت ثقة الإنفصاليين في موقفهم على الأرض، ونفاذ صبرهم عن انتظار مكان على الطاولة السياسية، كما رأى أنها قد كشفت المواجهات عن الموقف الهش للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

ولفت المركز في تحليل أورده للباحث الاستشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس»، بيتر ساليسبري، إلى أنه ومنذ توحيد اليمن في العام 1990، كان هناك إيمان مشترك بين الدبلوماسيين الأجانب والمسؤولين الحكوميين اليمنيين، من أن الإنفصاليين الجنوبيين متشتتون جداً، وغير منظمين إلى حد كبير، لكي يطالبوا بالاستقلال أو حتى ببعض الأهمية السياسية، مشيراً إلى أنه كان يُنظر إليهم على أنهم رعاع أصحاب صوت عال، من دون أي منصة حقيقية سياسية أو أي استراتيجية للعمل، لكنه أكد أن الحرب الأهلية في اليمن، غيرت كل ذلك، بحيث توجه مجموعة من الانفصاليين الآن لبناء دولة، داخل حالة من الفوضى في اليمن، بحسب قوله.
وأكد ساليسبري، على أن السعوديين وحكومة الرئيس هادي، يحرصون دائماً على تسليط الضوء على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، الذي يطلب من «أنصار الله» تسليم صنعاء إلى هادي، بالإضافة إلى أي أسلحة كانوا قد حصلوا عليها بعد سيطرتهم على العاصمة اليمنية في 21 سبتمر العام 2014، كون ذلك يعطي الغطاء السياسي والقانوني لدور السعوديين في اليمن، ويجعل هادي وحكومته ممثلين شرعيين وحيدين للدولة اليمنية حتى إشعار آخر، مع الأخذ في الاعتبار وجوب حضورهم في أي اتفاق سياسي في اليمن.
وأشار ساليسبري، إلى أنه وفي مقابل الموقف السعودي، يرى المسؤولون الإماراتيون أن هادي شكل عقبة أمام السلام، كونه يستفيد تماماً من استمرار الحرب، عطفاً على أن أي اتفاق سلام، من شأنه أن يطيح به بالتأكيد، وكشف ساليسبيري، عن أن سبب شعور الإماراتيين بالإحباط بشكل متزايد من هادي، يعود لكونهم يرون أن حكومته قد فشلت في إدارة المناطق المحررة، على الرغم من الدعم الخارجي الوفير، والأهم من ذلك، توجه هادي إلى جعل «الإصلاح»، الحزب الإسلامي السني الذي له صلات مع «جماعة الإخوان المسلمين»، حليفه المفضل على الأرض.
وأوضح ساليسبري إلى أن المواجهة الأخيرة في عدن، أثبتت مدى هشاشة شرعية هادي، وأنه ليس لديه سوى عدد قليل من الدوائر الحقيقية على أرض الواقع، وأن السعوديين والإماراتيين أكثر استعداداً للتخلي عنه في حالة التوصل إلى اتفاق سلام يخدم مصالحهم، مشيراً إلى أن ما يحصل عليه هادي من نفوذ، يأتي فقط من منصبه الرسمي، الذي يسمح له بتسمية المسؤولين، وأن يقول لا عند الضرورة بصوت عال وعلني. كما حدث في العام 2016، عندما أمر بسحب المفاوضين من محادثات السلام في الكويت، عندما بدا وكأن صفقة قد تم توقيعها بين «أنصار الله» والسعوديين. بالإضافة إلى تعيينه لشخصية مثل علي محسن الأحمر، والإطاحة بحليف الإمارات خالد بحاح من منصب نائب الرئيس.
وختم ساليسبيري تحليله بالتأكيد على شيئين إثنين، هما:
أولاً: لا يمكن إزالة أو تهمييش الرئيس هادي من دون تقويض شرعية الحملة السعودية والإماراتية. ثانياً: أن الإنفصاليين الجنوبيين وحدهم هم القادرون على الذهاب بعيداً حتى الآن، ولكنه تساءل إلى متى هم على استعداد للانتظار؟
إجراءات ضرورية لانقاذ الاقتصاد اليمني
وفي سياق آخر أكد «معهد الخليج العربي» في واشنطن، على أن الأزمة الإنسانية في اليمن، هي الآن أكبر أزمة في العالم من حيث عدد المحتاجين، مرجعاً أسبابها لقضايا هيكلية طويلة الأمد في الاقتصاد اليمني، بالاضافة إلى نشوب الحرب الأهلية، وتسييس الاقتصاد خلال الصراع الدائر منذ ثلاث سنوات.

كما أكد المعهد الأمريكي، على عدم إمكانية حل تلك الأزمة من خلال المعونة الإنسانية وحدها، لافتاً إلى أن أي تحسن في البيئة الإنسانية سيتطلب تدخلاً في الاقتصاد الكلي لليمن، ولا سيما في نظامه المصرفي، الذي أشار المعهد إلى أن قدراته البشرية اللازمة تنقسم بين المؤسسات المتنافسة في صنعاء وعدن، موضحاً أن الشرعية الدولية تقع على عاتق حكومة هادي، ولكن الخبرة والقدرة التقنية تكمن إلى حد كبير في المؤسسات القائمة على صنعاء. 
وشدد المعهد على أنه إذا لم يكن الجانبان في تكامل ثنائي، فإن هناك خطر حقيقي قد يؤدي إلى انهيار النظام المصرفي والمالي بشكل كامل.
ولفت معهد «معهد الخليج العربي»، إلى أن كلا الجانبين في صنعاء وعدن، يواجهان مشاكل مماثلة، كنقص احتياطيات النقد الأجنبي، وضعف فرص الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، ونقص الإيرادات، وانخفاض قيمة الريال اليمني، وأزمة الديون الداخلية، مبيناً أن الأحداث على أرض الواقع، تعرقل التقدم في اتجاه تحسين بيئة الاقتصاد الكلي.
وقدم المعهد في سياق تقريره، سلسلة من التوصيات، التي شدد على وجوب أن تتبعها الولايات المتحدة والأمم المتحدة وغيرها من أصحاب المصلحة الدوليين في اليمن، لوضع تدخل هادف في الاقتصاد الكلي، ومنها ضرورة معاجلة النقص في احتياطيات النقد الأجنبي، بالإضافة إلى تشكيل هيئة تنسيق جديدة مع المسؤولين اليمنيين أصحاب الكفاءات من الأطراف المنقسمة سياسياً في عدن وصنعاء على حد سواء، مع المساعدة والإشراف من الموظفين الدوليين المحايدين، وأن يكون مقر تلك الهيئة في بلد ثالث، مرجحاً أن تكون في الأردن.
وبيّن المعهد الأمريكي، أن مهام تلك الهيئة يتلخص في وضع خطة تفصيلية للتصدي للأزمات المتزامنة في النقد الأجنبي، والإيرادات، وخدمة الديون، والتضخم، بالتنسيق مع المانحين الدوليين، على أن تشمل هذه الخطة ميزانية مفصلة لعام 2018، وآليات واقعية للإشراف على إدارة العملات وتوزيع المرتبات.
وشدد معهد «معهد الخليج العربي» في ختام توصياته، على أنه وعلى المدى الأطول، لا يمكن للاقتصاد الكلي لليمن أن يتعافى، في ظل عدم وجود حل سياسي مستدام لصراع في اليمن، ومؤكداً على أنه إذا فشل التدخل الكلي في اليمن، سواء بسبب الزخم أو الثقة المفرطة في رغبة الجهات الفاعلة الأخرى في العمل، فأن ذلك سيزيد الأزمة تفاقماً.