صنعاء: تدخل مفاجئ لـ«الإنقاذ» يوقف تدهور الريال
أغلقت نيابة الأموال العامة في العاصمة صنعاء العشرات من محلات الصرافة الغير مرخص لها بالعمل
وأغلقت نيابة الأموال العامة في العاصمة صنعاء العشرات من محلات الصرافة غير المرخص لها بالعمل في بيع وشراء العملات واستقبال وتسليم الحوالات المالية، بعد صدور أمر قضائي من قبل النيابة العامة بالقبض على المضاربين بأسعار العملة، وإغلاق كافة محلات الصرافة التي لا تحمل تصاريح ولا تخضع لرقابة البنك المركزي في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله».
مصدر أمني أكد، لـ«العربي»، أن الجهات الأمنية لديها توجيهات عليا باتخاذ كافة الإجراءات ضد كل من يتلاعب بسعر صرف الدولار في السوق المحلي مهما كان دوره، ولفت إلى أن الأجهزة الأمنية دشنت حملة بالتعاون مع النيابة العامة والبنك المركزي اليمني للرقابة على السوق، مشدداً على أن الحملة لن تتوقف وسوف تستمر لأسابيع حتى تتوقف عملية المضاربة بأسعار صرف العملة المحلية. وأشار إلى أن هناك تحريات دقيقة ومكثقة لكشف المتورطين في عملية المضاربة بسعر صرف الدولار، يقوم بها كل من جهاز الأمن القومي والجهات ذات العلاقة.
اتفاق الحل
وكان سعر الدولار ارتفع، يوم الأربعاء الماضي، إلى 399 ريالاً، بينما قفز الريال السعودي إلى 105 ريالات مقابل العملة اليمنية. إرتفاع غير منطقي دفع نائب رئيس حكومة الإنقاذ للشؤون الاقتصادية، حسين مقبولي، إلى دعوة التجار الفاعلين (تجار القمح ــ تجار المشتقات النفطية ــ كبار تجار المواد الكمالية)، ومسؤولي 17 بنكاً أهلياً في العاصمة، وعدد من شركات الصرافة المؤثرة في السوق المحلي، إلى عقد لقاء عاجل لمناقشة تداعيات تدهور القيمة الشرائية للريال اليمني.
وبعد نقاش مستفيض لأسباب التدهور وتداعياته على الاستقرار المعيشي والاقتصادي في البلد، وضلوع حكومة هادي ودول «التحالف» في المضاربة بسعر صرف الدولار، تم الاتفاق على الآتي:
• إلزام تجار المشتقات النفطية وتجار القمح بجدولة البيع وفق آلية محددة، والاستمرار في توريد مبيعاتهم من العملة المحلية للبنوك، على أن تلتزم البنوك ببيع الدولار لهم حسب الاتفاقات الموقعة بين تجار المشتقات والقمح والبنوك المحلية، والتي تلزم البنوك بتوفير احتياجات التجار من العملة الصعبة لغرض الاستيراد وتغطية السوق المحلي من السلع والمنتجات والمشتقات النفطية وفق الاحتياج المحلي.
• إلزام تجار المشتقات النفطية بتوريد 6 مليارات ريال لبنك التسليف التعاوني والزراعي، على أن يقوم البنك بالمصارفة للتجار وفق الاتفاق الموقع بينهم.
• منع خروج أي عملة أجنبية من المناطق الواقعة تحت سيطرة «المجلس السياسي الأعلى» وحكومة الإنقاذ إلا بتصريح مسبب من البنك المركزي في صنعاء.
• توقيف الحوالات الصادرة من العاصمة صنعاء إلى المحافظات الخارجة عن سيطرة «أنصار الله»، وعدم السماح بتحويل أكثر من 5 ملايين ريال.
• توقف البنوك وتجار القمح والمشتقات النفطية وتجار الاتصالات وتجار التبغ والمواد الأساسية عن الاستمرار في طلب الدولار من السوق المحلي حتى نهاية أكتوبر الجاري، على أن يمدد التوقف في حال الضرورة.
• توجيه جهاز الأمن القومي والجهات الأمنية بتنفيذ الاتفاق، واتخاذ الإجراءات الصارمة ضد المخالفين.
تجار النفط
ارتفاع سعر صرف الدولار تسبب بارتفاع أسعار الديزل من 4700 ريال للدبة سعة 20 لتراً، إلى 6400 ريال يوم الخميس الماضي. كما ارتفع سعر البترول (البنزين) بفارق 300 ريال، ليباع بسعر 5600 ريال مقابل 5200 ريال. إلا أن ذلك الارتفاع كشف عن محاولة قام بها تجار المشتقات النفطية للضغط على حكومة صنعاء للعدول عن إجراءات اتخذتها الأجهزة الأمنية ضد المتلاعبين بأسعار المشتقات النفطية.
وأوضح مصدر اقتصادي، لـ«العربي»، أن حكومة الإنقاذ اكتشفت، بالأدلة القاطعة، قيام الكثير من تجار النفط بسحب الدولار من صنعاء، وشرائه بمبالغ تفوق قيمته في السوق، مستغلين قرار تعويم المشتقات النفطية الذي سمح للقطاع الخاص باستيراد النفط وتسويقه في السوق.
وأشار المصدر إلى أن الاتفاق مع التجار وآلية تنفيذ قرار تعويم المشتقات النفطية ينص على قيام تجار النفط باستيراد احتياجات اليمن من المشتقات، إلا أنهم عمدوا إلى استغلال القرار، وقاموا بسجب كميات كبيرة من الدولار لشراء شحنات نفط تفوق الاحتياج المحلي بأضعاف وبيعها في دول القرن الأفريقي، بالإضافة إلى سحب الدولار من صنعاء وتوريد النفط إلى عدن، وهو ما تسبب بضغط كبير على الاحتياطات النقدية الأجنبية المتواجدة في القطاع المصرفي المحلي وخصوصاً في صنعاء.
وبين أن الهدف من تلك الممارسات إيصال البلد إلى أزمة مدفوعات، وصولاً إلى عجز القطاع المصرفي عن استيراد الاحتياجات الأساسية من الغذاء والدواء والوقود، مشيراً إلى أن حكومة الإنقاذ طالبت التجار بالتوقيع على استيراد احتياجات المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله».
دور حكومة بن دغر
حكومة عبد ربه منصور هادي، التي ضخت كميات كبيرة من العملة المطبوعة في روسيا لسحب الدولار في الآونة الأخيرة، اعترفت بعجزها عن القيام بأي دور لوقف تدهور سعر صرف العملة الوطنية على لسان رئيسها، أحمد عبيد بن دغر، الذي اتهم «أنصار الله» بالتسبب بتراجع سعر العملة، متجاهلاً أن قرار نقل البنك تسبب بفقدان الريال اليمني 63.2% من قيمته الشرائية، بالإضافة إلى ضلوع حكومته في إنفاق ما يقارب مليار دولار في عام واحد، منها 700 مليون دولار قيمة مبيعات نفط، و300 مليون سحبت من البنوك الأهلية من عدن وصنعاء، فضلاً عن قيامها بتعويم العملة وإخلاء مسؤوليتها عن حمايته.
وعلى الرغم من تفاقم الأزمة، إلا أن بن دغر لم يلتق محافظ البنك المركزي في عدن ولا القائم بأعماله، واكتفى بلقاء رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، حسين حلبوب، أمس الأول. ويفتقر البنك المركزي في عدن، هو الآخر، لأي رؤيا لإدارة الأزمات المالية. وقد عاد، أواخر الأسبوع الماضي، إلى ما قبل قرار التعويم، ليحدد سعر الريال بـ280 مقابل الدولار، وهو ما يعني أن البنك عاد إلى التعويم المدار، والذي يُلزِمه بحماية العملة، والتدخل في سوق الصرف، وتشديد الرقابة على السوق، وضخ مئات الملايين من الدولارات لإعادة استقرار الريال اليمني. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، فالبنك في عدن فاقد لقراره ولا يمتلك أي آليات لحماية العملة، أو فرض دوره الرقابي على البنوك ومحلات الصرافة العشوائية.