منذ اتخاذ «المجلس الإنتقالي» خطوة تأسيس «الجمعية العمومية» كبرلمان تشريعي مصغّر في الجنوب، والمواقف تتضارب في تفسير ما أقدم عليه المجلس يوم السبت الماضي، وتقدير مدى تأثير تلك الخطوة على مجريات الساحة الجنوبية، وما يمكن أن تحقق من مكاسب للمجلس في صراعه مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي هادي.
«الجمعية العمومية»، التي تضم 303 أعضاء من كل المحافظات الجنوبية، بحسب تصريحات الناطق الرسمي للمجلس، سالم ثابت العولقي، التقسيم ستوضع تشكيلتها «بناءً على معيار المساحة والسكان»، وهي تعتبر «أعلى سلطة مشرّعة في المجلس، لإدارة المراحل ومواجهة الإستحقاقات القادمة». ومن ضمن عملها، بحسب تصريحات العولقي، «المصادقة على مشروع الرؤية السياسية والاتفاقيات السياسية ذات الطابع العام، أياً كانت»، علاوة على إقرار «أي مسار أو توجه في التفاوض السياسي مع أي طرف».
وبنظر مناوئي المجلس، فإن تشكيل «الجمعية العمومية» يأتي في إطار محاولة «الإنتقالي» توسيع نفوذه وسيطرته على ما تبقى من مفاصل السلطة في الجنوب، وإيذاناً ببدء العمل على إخراج حكومة هادي من عدن، خصوصاً وأن تلك الخطوة جاءت بالتوازي مع إعلان التصعيد الشعبي ضد الحكومة.
ولا يستبعد مراقبون أن تكون «الجمعية العمومية» جهة مشرّعة في عدد من القضايا التي تهم بدرجة أساسية الدول الإقليمية التي لها أطماع في الجنوب، وبالأخص دولة الإمارات، التي يهمها التشريع لها في القضايا السيادية، والتي تتمثل في الثروات النفطية والغازية والموانىء والجزر. كما لا يستبعد المراقبون أن تلعب «الجمعية» الدور نفسه في العديد من القضايا المحلية، كإسكات الأصوات المعارضة، ووضع قيود على الصحافة والإعلام، وإطلاق يد الجهات الأمنية في تنفيذ عمليات الإعتقال والمداهمات، وفرض مشاريع تتوافق مع سياسة الإمارات في الجنوب.
في المقابل، ترى قيادات ووجوه سياسية مؤيدة للمجلس أن «الجمعية العمومية» تحمل «بعداً استراتيجياً» فيما يتصل بالقضية الجنوبية. هذا ما عبر عنه، على سبيل الذكر، عمرو البيض، نجل الرئيس السابق، علي سالم البيض، في تغريدة اعتبر فيها أن القرار «ذو طابع استراتيجي… يهيئ لقرارات وطنية مهمة قد يكون من ضمنها إقامة استفتاء لشعب الجنوب». 

وعلى الرغم من أن معارضي المجلس يقللون من أهمية قراراته الأخيرة، ويعتبرونها مجرد تسجيل حضور ومحاولة لإحياء المجلس من جديد، إلا أن رئيس «الإنتقالي»، اللواء عيدروس الزبيدي، قال إن «المجلس يعمل بمهنية ومنهجية»، وبتوافق مطلق مع «سياسات دول التحالف»، متحدثاً عن «لقاءات غير رسمية بممثلين عن الدول العظمى، أخبروه بأنهم يعانون من عدم وجود قيادة في الجنوب والحراك الجنوبي، والآن أصبحتم قيادة لشعب الجنوب وجزءً من الحلول للمشكلة والقضية الجنوبية واليمنية بشكل عام».
وتأتي خطوة تشكيل «الجمعية العمومية» بالتوازي مع مساعٍ إقليمية ودولية لإحياء عملية المفاوضات من أجل السلام في اليمن. وفي هذا الإطار، تتحدث تسريبات عن قمة رباعية ستجمع السعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مسقط خلال أيام. وفي حال تم التوصل إلى اتفاق على انطلاق قطار المفاوضات مجدداً، فقد يشارك «المجلس الإنتقالي»، وفقاً لتلك التسريبات، في العملية التفاوضية كطرف ممثل للجنوب، من أجل المساعدة في فرض وتطبيق مخرجات العملية السياسية هناك.
ويعتبر الكاتب، نبيل عبد الله، في حديث إلى «العربي»، أن «قرار (تشكيل الجمعية الوطنية) تحول محوري هام. ومع تشكيل المجلس العسكري، سيتعامل المجتمع الدولي مع مجلس لديه مقومات الدولة، لديه منظومة متكاملة على امتداد الجنوب، لديه سلطة تشريعية ومؤسسة عسكرية وأمنية، ولن تكون هناك أي مخاوف من حدوث فراغ أمني وسياسي».
ولم تعلق حكومة الرئيس هادي على قرارات المجلس، إلا أنها حذرت، قبل أيام، من «إسقاط عدن بالقوة»، في حين صعدت القوات الأمنية التابعة للمجلس من ممارساتها ضد الحكومة، وقامت بإنزال صور الرئيس هادي من على مبنى أمن المعلا وإحراقها. كما أن «المجلس الإنتقالي» عقد جلسة لمناقشة برنامج التصعيد الشعبي ضد «الشرعية».
وسخر ناشطون وكتاب جنوبيون من خطوات المجلس. واعتبرها الناشط، عدنان باوزير، في حديث إلى «العربي»، «قرارات لا تمتلك أي شرعية سياسية، ولا أساس قانونياً لها، ولا مرجعية شعبية بالطبع. كما شكل هادي حكومته في الرياض أسس هؤلاء جمعيتهم في أبو ظبي، مشروع إماراتي خالص».
ورأى الإعلامي، قيس الشاعر، بدوره، في حديث إلى «العربي»، أن «القرارات عبارة عن خطوة ركيكة وورقة ضغط». وأضاف أنهم «من خلال تصريحاتهم، يؤكدون على حضور أي تسوية سياسية يمنية، طبعاً ستكون وفق المرجعيات الثلاث التي تؤكد على الحفاظ على الوحدة ضمن اليمن الإتحادي».
توقع يجمع عليه كثير من المراقبين، الذين يعتقدون أن انخراط «المجلس الإنتقالي» في أي عملية تفاوضية مقبلة سيعني، حكماً، التخلي عن المطالب «الراديكالية» التي كان يرفعها المجلس من أجل «مغازلة الشعب في الجنوب»، والدخول في طور «أكثر واقعية» يمنحه حصة في «كعكة ما بعد الحرب».