في 28 فبراير من العام الماضي، اغتيل الشيخ عبد الرحمن بن مرعي العدني، في منطقة الفيوش، بمحافظة لحج، القريبة من محافظة عدن، على يد مسلحين مجهولين، وظل قَتَلَته مجهولين حتى هذه اللحظة.
قبل اغتيال العدني بشهر واحد، كان مركز «دار الحديث» في الفيوش الذي يديره الشيخ القتيل قد شهد أعمال فوضى وشغب وصدام مع أهالي المنطقة، بسبب اعتزام الأخيرين بناء مسجد آخر لا يخضع لإدارة المركز.
تطور الأحداث ووصولها إلى قيادتي محافظتي عدن ولحج كشف أن ثمة صراعاً آخر يُدار عن بعد، له علاقة بحسابات سياسية ومستقبلية أخرى، ولم تكن قصة بناء المسجد إلا غطاءً أو باباً للتمهيد للتخلص من الشيخ العدني نهائياً.
العدني… عقبة أمام أحدهم
«العربي» حصل على تسجيل صوتي للشيخ عبد الرحمن قبل اغتياله بشهر تقريباً، تحدث فيه عن زيارة محافظ عدن حينها، عيدروس الزبيدي، ومدير الأمن، شلال شايع، ومحافظ لحج، ناصر الخبجي، ومدير أمن لحج، عادل الحالمي.
وقال إنهم يقفون إلى جانب مركز «دار الحديث» بالفيوش، وتحدث عن أن هناك من «يمرر مؤامرات لدار الحديث»، كاشفاً أن المشكلة تكمن في أن «هناك من يناوئنا ويعادينا أشد العداوة، وفشلوا في الوصول إلى ما يريدون من إسقاط المركز، وحين فشلوا لجأوا إلى زرع الفتن والفوضى في صفوف المركز».
القتلة نُقلوا إلى أبوظبي
بعد قرابة العشرين شهراً من اغتيال الشيخ العدني، يكشف مصدر موثوق في عدن، لـ«العربي»، عن مصير قتلة الشيخ الذين تم إلقاء القبض عليهم، أثناء فرارهم بعد الحادثة مباشرة. ووفقاً لرواية المصدر، فقد قام الحاكم العسكري الإماراتي الذي كان متواجداً في عدن حينها باستلام عناصر المجموعة، وقام بإرسالهم مباشرة، في اليوم نفسه، إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، عبر طائرة حربية خاصة بشكل سري، مؤكداً أنه «من تلك اللحظة تم إخفاء ملف القضية بشكل نهائي حتى اليوم».
المصدر لم يستبعد أن يكون القتلة معتقلين في سجون سرية داخل الأراضي الإماراتية، أو سجون إماراتية خارج حدودها كتلك التي تملكها في إحدى دول القرن الأفريقي، كما لا يُستبعد أن تكون الإستخبارات الإماراتية قد قامت بتصفيتهم نهائياً في أبوظبي.
وبحسب مراقبين، فإن الشيخ العدني كان أحد الأشخاص الذين أرادت الإمارات التخلص منهم. وعلى الرغم من أن العدني أحد المشائخ السلفيين المعروفين في الجنوب، إلا أن بقاءه، وفقاً للحسابات العسكرية الإماراتية، قد يمثل عقبة أمام مشروعهم المعتمد أساساً على استخدام سلفيين مقربين و«موثوقين» لتنفيذ مشروعهم في التمدد والنفوذ، وسحب البساط من تحت السلطات المحلية والحكومة «الشرعية».
قتلة العدني نفس قتلة قماطة
يرى الصحافي المقرب من الجماعة السلفية في اليمن، أمجد خشافة، أن الجهة التي أمرت بقتل حسين قماطة، مدير أمن رصد في يافع، هي الجهة عينها التي أمرت باغتيال الشيخ عبد الرحمن العدني، وهي نفسها التي تقف خلف سلسلة الإغتيالات التي طالت شخصيات بارزة في عدن.
وقال خشافة، في حديث إلى «العربي»، إنه لا يمكن اتهام جهة معينة بأنها وراء الإغتيالات في عدن، لكنه يؤكد أن «سلسلة الإغتيالات التي طالت شخصيات كالداعية البارز، عبد الرحمن العدني، وغيره، هي اغتيالات سياسية تتحملها الأجهزة الأمنية الحاكمة في عدن في الوقت الراهن».
وأضاف أن عدم إفصاح السلطات الأمنية في عدن عن مصير من تم القبض عليهم بتهمة اغتيال العدني، يجعلها تحت طائل المطالبة أو الإتهام بالتواطؤ مع الجناة وإخفاء القضية، التي اعتبر أنها «يمكن أن تكشف عن سلسلة الإغتيالات التي جرت في عدن منذ تحريرها وحتى اللحظة».
الإمارات متورطة
ما تم كشفه في هذا التقرير يؤكد الرواية التي يتناقلها مواطنون جنوب اليمن هذه الأثناء، عن العلاقة بين القوات الإماراتية ومسلحي تنظيم «القاعدة»، «الذين عملوا خلال أكثر من عامين لخدمة تلك القوات، من خلال تنفيذ عمليات اغتيال وتصفيات لشخصيات جنوبية بارزة بسبب مناوءتها للقوات الإماراتية، واستمرار التواجد الإماراتي من ناحية، والدور الذي لعبته مؤخراً فيما يتعلق بالسواحل والجزر اليمنية من ناحية ثانية».
ويربط مراقبون بين تورط القوات الإماراتية جنوب اليمن بتهريب قتلة الشيخ عبد الرحمن العدني إلى أبوظبي، وبين تصفية عدد من المعتقلين من قيادات تنظيم «القاعدة» في محافظة أبين قبل ثلاثة أيام على أيدي قوات «الحزام الأمني» المدعومة إماراتياً بقيادة عبد اللطيف السيد، مشيرين إلى أن الهدف من كلتا العمليتين واحد، وهو إقفال أي ملفات أمنية كانت تلك القيادات إما على اطلاع بأسرارها، أو عناصر رئيسية فاعلة في بعض عملياتها الأمنية غير القانونية، والتي من ضمنها عمليات الإغتيال في الجنوب المقيدة ضد مجهولين.