كل ما يجري من حولك

“تركيا وأزمة الخليج … ماذا عن العلاقات مع السعودية؟”

378

متابعات | كتابات | هشام الهبيشان

في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن مسار العلاقات التركية –السعودية ،في ضوء الأزمة القطرية – الخليجية، وتأثير هذا التطور على مسار العلاقات التركية – السعودية، في ظل المسار التصاعدي والتصعيدي للأزمة القطرية – الخليجية ،وخصوصاً في ظل موقف الجانب التركي الذي أقر مشروع لنشر قوات تركية في قطر ،وحديث الرئيس التركي اردوغان علناً عن وقوف تركيا إلى جانب قطر بهذه الأزمة، ومن هنا يمكن قراءة أن هذه الملفات بمجملها ستضع مسار التقارب السعودي -التركي تحديداً على صفيح ساخن، فبعد أن أتضح بالفترة الأخيرة لجميع المتابعين أن مسار العلاقات التركية- السعودية قد تطور بشكل ملحوظ وخصوصاً بالفترة الأخيرة بعد قيام الرئيس التركي أردوغان بعدة زيارات للرياض رد عليها السعوديون بزيارات أخرى لأنقرة، والواضح أن هذه الزيارات قد ساهمت إلى حد ما بتحريك المياه الراكدة بين العاصمتين، وساهمت إلى حد ما ببناء جسور التقارب بين البلدين، ولكن بالتزامن مع كل هذا وذاك فقد شكل الموقف التركي الأخير الداعم لقطر، حالة من الشكوك حول طبيعة وشكل هذا التقارب المستقبلي لهذه العلاقات بين أنقرة والرياض.

وهنا بالتحديد يقرأ بعض المتابعين أن التقارب بين أنقرة والرياض للآن لم تكتمل معالمه بعد، ولم تعلم بعد ما هي المدة الزمنية المتوقعة لاستمراره؟، والسبب يتلخص بوجود تجارب تاريخية “فاشلة” لكلا النظامين بعلاقات التقارب فيما بينهما فقد سبق أن لامست حالة التقارب بين “النظامين” حدوداً استراتيجية في التقارب “بمطلع عام 2011م تزامناً مع انطلاق ما يسمى بـ ” الربيع العربي “، وقد كانت حينها توصف من قبل مؤيدي الدولتين بأنها أنموذجاً إقليمياً نظراً لـ حالة التقارب تلك وقد اعتقد البعض أنها قد تؤسس لحلف إقليمي جديد، ثم انهار كل ما تحقق على هذا الطريق مع أول خلاف دار حول الملف المصري، وانفتاح شهية كلا البلدين للسيطرة على البلد الجريح، وهذا ما أفرز حينها حالة من الاستقطاب وفجر خلافات حول مصر والشرعية للنظام القديم “مرسي “وشرعية النظام الجديد”السيسي “، بين البلدين، واليوم ،يبدو واضحاً أن تداعيات اصطفاف تركيا إلى جانب قطر قد لا تمحى بسهولة، فاليوم تبرق الرياض إلى تركيا رسائل سريعة وتنتظر الرياض سماع رسالة علنية من أنقرة حول موقفها من ملف الأزمة القطرية – الخليجية، هذا الملف بالتحديد قد يحمل تطورات دراماتيكية بالعلاقة بين الرياض وأنقرة، وهذا بطبيعته ما يخشى منه كلا “النظامين “حالياً بخصوص حالة التقارب الأخيرة، فالخشية أن يتكرر سيناريو خلاف التجارب السابقة، لذلك نرى الآن حالة من الشكوك المتبادلة بين الجانيين حول طبيعة هذا التقارب وأطره المستقبلية، فالوقائع التاريخية تقول أن السياسات التركية -السعودية تحمل العديد من نقاط التناقض وعدم التقارب.

وهنا وفي ذات السياق، فلا يمكن للنظام “التركي” في طبيعة الحال، أن يتبع نهج إقليمي جديد يؤسس لحالة إقليمية جديدة يكون عنوانها “تحالفات الطوائف الإسلامية” كما يريدها النظام السعودي، فالنظام التركي بالنهاية هو نظام براغماتي، ويتعامل مع الكثير من أزمات المنطقة حالياً على مبدأ الشريك الذي لا يريد أن يخسر أحداً، وهذه الحقائق المذكورة سابقاً لا يمكن لأي شخص متابع لسياسة النظام التركي في الإقليم مؤخراً بشكل عام أن ينكرها، فهذه الحقائق بمجملها قد تكون هي الانتكاسة الأولى لمشروع الحلف السعودي -التركي، فالأتراك لا يمكنهم بأي حال من الأحول إن يكونوا شركاء للسعوديين، بمقابل تخليهم عن براغماتيتهم النفعية من القطريين اقتصادياً و سياسياً، وهذا ما ظهر واضحاً وجلياً من خلال الدعم التركي اللا محدود لقطر أخيراً .

الأتراك بدورهم لا يريدوا أن يذهبوا بعيداً بملف فتح صراع مفتوح مع السعوديين ، مع أنهم يعلمون أن السعوديين بهذه المرحلة يعانون من أزمة إقليمية خانقة وحربهم السياسية والإعلامية على قطر قد تكون صدى حقيقي لهذه الأزمات وقد ترتد نتائج هذه الحرب بشكل سلبي على السعوديين، ويعلم النظام البراغماتي التركي جيداً أن ما دفع السعوديون للتقارب مع الأتراك بمراحل سابقة هو مصلحة مرحلية قد تنهار بأي فترة زمنية مقبلة، فتحالفات المصالح المرحلية هي تحالفات غير دائمة.

ختاماً، يمكن القول إنه وعلى الرغم من الاصطفاف التركي الواضح للجميع بجانب القطريين، ومع كل هذا فما زال السعوديون يتمسكون ويناورون بدعم الورقة التركية لهم وحتى وان كان هذا الدعم إعلامياً، المهم بنظر الدوائر الرسمية السعودية هو إيصال رسائل هذا الدعم للداخل السعودي لإظهار حجم قوة الدعم الإقليمي والدولي للسعودية، وبذات الإطار فمازالت هناك خشية سعودية من أن تدفع براغماتية النظام التركي إلى ممارسة سياسة مزدوجة لا تخدم الأهداف والأجندات التي يحملها النظام السعودي الجديد، وما تحمله هذه الأهداف والأجندة من متغيرات خطرة ومغامرات ومقامرات جديدة قد تقلب الطاولة على الجميع بالمنطقة كل المنطقة، ومن هنا سننتظر القادم من الأيام وما يحمله من متغيرات جديدة بالمنطقة، لنستوضح التطورات المستقبلية لطبيعة العلاقات التركية -السعودية المستقبلية، وتأثير هذه العلاقات سواء أكانت ايجابية أم سلبية على مسار ملفات المنطقة بمجموعها .

* كاتب وناشط سياسي –الأردن.

hesham.habeshan@yahoo.com

You might also like