لم يتجاوب القطاع المصرفي في اليوم الأول لدخول قرار تعويم سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية وإلغاء التعامل بسعر الصرف الثابت (250 ريالاً يمنياً للدولار الواحد) حيز التنفيذ، الصادر عن محافظ البنك المركزي المعين من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي، منصر القعيطي. البنوك التجارية والإسلامية التي ألزمها القرار بإلغاء التعامل بسعر الصرف الثابت، والتعامل بسعر الدولار السائد في السوق المحلية، أغلقت، الثلاثاء، على سعر بيع هو 370 ريالاً للدولار الواحد و96 ريالاً للريال السعودي، إلا أن عدم التجاوب السريع مع قرار البنك يراه مراقبون أمراً طبيعياً؛ كون القرار يطالب البنوك بالتعامل مع سعر الدولار السائد في السوق، وليس سعر الصرف المحدد من قبل البنك المركزي في صنعاء مطلع شهر مارس 2016.
مخاوف
مخاوف عديدة تسبب بها قرار تعويم الريال، الذي يتضح من خلال مضمونه أنه اتخذ دون دراسة الوضع المالي للبنوك الأهلية والحكومية، ولم يأخذ بعين الإعتبار العلاقة غير المتكافئة بين الطلب على العملات الأجنبية والعرض منها في السوق المحلي المصرفي، الذي يواجه أزمة سيولة نقدية منذ قرابة العام. ونظراً لذلك، تصاعدت مخاوف القطاع التجاري من انهيار سعر صرف الريال اليمني، والذي سوف يتسبب بتآكل روؤس الأموال من العملة المحلية، وهو حال البنوك التجارية والإسلامية التي تعيش أسوأ مراحلها التاريخية بسبب تراجع الإيداعات المالية، وارتفاع السحوبات الناتجة من تصاعد أزمة الثقة بين البنوك وعملائها من جانب، وكذلك تراجع أداء البنوك وتوقف نشاطها الإستثماري في البلد. تضاف إلى ذلك القيود المالية المفروضة عليها من قبل دول «التحالف العربي» منذ أكثر من عامين ونصف عام، والتي أدت إلى تجميد احتياطاتها المالية الأجنبية وتسببت بالشلل الكامل لنشاطها الخارجي.

ويصف الخبير المالي، إبراهيم السعيدي، القرار بالقشة التي ستكسر ظهر البنوك المترنحة، والتي منيت بخسائر فادحة بسبب تقلب أسعار الصرف، وكذلك البنوك التي مولت وغطت واردات تجار الغذاء والوقود خلال فترة معينة بالدولار وبسعر قديم، ولم تستعد تلك الأموال الصعبة بسبب أزمة السيولة.
التعويم سابق
قرار التعويم الذي أثار مخاوف القطاع المالي والتجاري اليمني ليس جديداً، وإن كانت تداعياته وخيمة على الاستقرارالإقتصادي والمعيشي في بلد أنهكته الحروب، بل يعود قرار تعويم العملة المحلية أمام العملات الأجنبية إلى شهر يوليو 1996، وهو نفس تاريخ تطبيق سياسات البنك والصندوق الدوليين في اليمن، إلا أن قرار تعويم الريال حينذاك كان مداراً من قبل البنك المركزي اليمني، الذي خول بتحديد سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، ومنح وفق قانون البنك المركزي اليمني رقم 14 لسنة 2000 حق التدخل في إعادة الإستقرار للعملة المحلية في السوق من خلال ضح العملات الصعبة في حال ارتفاع الطلب.
إلا أن الجديد في قرار محافظ البنك المركزي اليمني في عدن تسجيله سابقة من خلال إخلاء مسؤولية البنك القانونية في الدفاع والحفاظ على القيمة الشرائية للريال اليمني، إذ قضى بتحرير سعر الصرف بشكل كامل في ظرف صعب لا تقوى البنوك المحلية مجتمعة على مواجهته.
القرار الخطأ
الخبير الإقتصادي، الدكتور يوسف سعيد، اعتبر أن القرار اتُخذ في الوقت الخطأ، وفي بيئة اقتصادية غير مستقرة، وتوقع أن يتسبب قرار التعويم بموجة جديدة من المضاربة في سعر الصرف، ما قد يؤدي إلى المزيد من تدهور سعر صرف الريال اليمني وليس العكس. وأشار سعيد، في حديث إلى «العربي»، إلى أن «القرار ضاعف من مستوى القلق، وزاد من مستوى الشكوك والمخاطر، وسوف يتسبب بتراجع الثقة بالبنك المركزي وسينجم عن ذلك تراجع الثقة بالعملة اليمنية»، مؤكداً أن قرار القعيطي يخلي مسؤولية البنك رسمياً عن الدفاع عن سعر الصرف، الأمر الذي عدّه «تعبيراً عن عجز حقيقي للبنك، نتيجة تآكل احتياطيات النقد الأجنبي، وعدم تأمين موارد خارجية لتعزيز هذه الإحتياطيات».
بيان حرب
وكيل وزارة المالية في صنعاء، أحمد حجر، أكد، لـ«العربي»، أن القرار سيكون له تداعيات وخيمة في ظل الوضع الإقتصادي الحالي لليمن، وأشار إلى أن المواطن اليمني سيكون المتضرر الأول من جراء القرار. ووصف حجر القرار بـ«العدائي الذي يستهدف الإستقرار المعيشي للشعب اليمني ويضيق خيارات العيش»، ولفت إلى أن هناك أهدافاً أخرى للقرار تتمثل برفع الإيرادات العامة من مبيعات النفط والغاز، ورفع الضريبة والرسوم الجمركية في المنافذ البحرية والبرية الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي.
وأضاف أن تداعيات القرار ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء والدواء والوقود في صنعاء، معتبراً أن صدوره في الوقت الحالي «بداية لحرب اقتصادية مكتملة» تسعى حكومة هادي ودول «التحالف» إلى تنفيذها، متوقعاً أن تدشن حكومة هادي سلسلة من الإجراءات التي تندرج في إطار «الحرب الإقتصادية التي تمارسها على صنعاء».