كل ما يجري من حولك

أزمة الرواتب في تعز إلى القضاة: هل يصلحون ما أفسدته «الشرعية»؟

647
 لم تكن مبررات حكومة بن دغر سوى مهدئات للغضب على تأخير صرف رواتب الموظفين
 متابعات| العربي:
تعود قضية الرواتب مجدداً إلى الواجهة في تعز، مثلها مثل مسائل الرواتب في اليمن كله، غير أن المسألة في تعز يكتنفها الكثير من الغموض، في ظل الوعود المتكررة بقرب عملية الصرف، وتحويل المبالغ إلى شركة الكريمي. ومؤخراً، وجه رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، محافظ البنك المركزي في عدن بسرعة صرف رواتب موظفي محافظة تعز، واعتبار الأخيرة ضمن المحافظات «المحررة»، لكن تلك الوعود تبخرت، ولم تنجح سوى في إيقاف مسيرة «البطون الخاوية» في مدينة التربة. وبعد انقضاء المهلة، جرى منع المشاركين فيها من مواصلة السير باتجاه عدن.
وخلال الأشهر الأولى من توقف عملية صرف رواتب الموظفين بالتزامن مع نقل البنك المركزي إلى عدن، حرصت جهات معنية في الحكومة «الشرعية» على تقديم عدد من المبررات، التي تكشّف زيفها واحدة بعد الأخرى، ومن بينها عدم وجود بيانات صحيحة، الأمر الذي جرت معالجته في وقت مبكر. ومن بين المبررات أيضاً عدم توفر سيولة نقدية، لكن مع مطلع العام الحالي وصلت طبعة جديدة من العملة اليمنية قدرت بنحو 200 مليار ريال يمني، وقبل نحو شهر وصلت دفعة جديدة بحجم المبلغ السابق، بحسب ما ذكرت مصادر إعلامية موثوقة.
لم تكن كل تلك المبررات سوى مهدئات للغضب على تأخير صرف رواتب الموظفين، والذي يرى فيه البعض تقاطعاً لإرادات داخلية وخارجية، تسعى إلى «إنزال العقاب» بحق سكان محافظة تعز، على خلفية «ثورة فبراير التي انطلقت من تعز، وشكل أبناؤها الرافعة الأساسية فيها»، خصوصًا أن توقف صرف الرواتب يتزامن مع شبه توقف في الأعمال الإغاثية، وتوقف الدعم العسكري، وعدم صرف رواتب الجنود.
ويقول هؤلاء إن التفسير الأقرب، بحسب زعمهم، هو أن «هناك اتفاقاً حول ضرورة معاقبة مجتمع تعز بإنهاكه واستنزافه بالحرب والجوع والأوبئة»، ملقين باللوم على القوى السياسية التي بعتبرون أنها «مغيبة عن قضايا الناس، ومنشغلة بصراعات جانبية، يأتي بعضها تماشياً مع أجندة خارجية، لا مع مصلحة الناس التي يفترض أن تشكل محور اهتمامها».
محمد عبد الله فرحان، مدير عام المدارس الأهلية في مكتب التربية في تعز، يرى، في حديث إلى «العربي»، أن «حكومة الشرعية لديها قرار وعهد ووعد قطعته على نفسها: لا مكان لديها إطلاقاً لرواتب موظفي تعز، ولذلك نجدها تتحجج من وقت لآخر بمبرارات كاذبة وواهية، لتجعل منها عائقاً لصرف رواتب موظفي تعز كمحافظة داخلة ضمن جغرافيا سلطات الشرعية، وتم ربط مؤسساتها وأجهزتها الإدارية بالعاصمة عدن خلافاً لبقية مناطق محافظات الشمال غير المحررة».
ويضيف فرحان أن «حكومة الشرعية أوردت مبرراً مضحكاً ومستهجناً تم تداوله والتطبيل له مؤخراً، ويعيد عدم صرف الرواتب إلى عدم التوريد المحلي إلى العاصمة عدن، وكأنهم يريدون أن يقولوا بأن أبين، ولحج، والضالع، تورد بشكل يومي إلى خزينة الحكومة! هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الحكومة لم تتحمل الميزانية التشغيلية للمكاتب التنفيذية، وجعلت ذلك على الإيرادات المحلية التي هي أساساً منعدمة لعدم وجود موارد إيرادية في المدينة المحررة، سوى 50 دكاناً تدفع ضريبة وزكاة مرة واحدة في السنة وليس إيراداً يومياً. وفوق هذا وذاك، فالإيرادات مرتبطة بمسؤولين في تعز تم تعيينهم من قبل الحكومة، وليس من قبل الموظفين، فلماذا لا يقيلونهم أو يحاسبونهم أو حتى يصدرون ضدهم أحكاماً قضائية، أم أنهم يريدون من الموظف أن يحمل الإيرادات من المحلات لينقلها إليهم؟!».

ويعتبر فرحان أن «المحافظ المعمري جزء أساسي من المشكلة، ويضاف إلى ذلك الإصرار العجيب من الحكومة في التعامل مع تعز بطريقة عنصرية مناطقية أشبه بالتعامل العنصري في أمريكا اللاتينية وبعض دول أفريقيا»، متابعاً أن «القيادات السياسية والحزبية والنقابية بتعز جميعها تأخذ قضية الراتب للمماحكات والإسترزاق».
وتثير أزمة انقطاع رواتب الموظفين في تعز احتجاجات متكررة، ودعوات دورية من قبل نقابات ومنظمات مجتمع مدني للخروج إلى الشارع، بهدف الضغط على حكومة «الشرعية»، وحملها على الوفاء بالتزاماتها. وكان أول تلك الإحتجاجات خروج موظفين ومتضامنين معهم في مسيرة احتجاجية في شارع جمال، وسط مدينة تعز، منتصف الشهر الجاري، ليتم بعد ذلك تنظيم عدة وقفات احتجاجية غاضبة أمام مبنى وزارة النفط، المقر المؤقت للسلطة المحلية، طالب المشاركون فيها بسرعة صرف الرواتب المتوقفة، متهمين الحكومة «الشرعية» بـ«التخاذل ومعاقبة موظفي تعز». وردد المحتجون عدداً من الشعارات الساخطة على حكومة بن دغر، التي قالوا إنها تسعى لكسر إرادة سكان محافظة تعز. كما رفعوا شعارات كتب عليها «مطلبي راتبي» و«الراتب حق لا مكرمة، فأين الراتب يا شرعية؟»، ورددوا هتافات من قبيل «أين الراتب يا شرعية؟ الراتب مش بالهوية».
وتصاعدت وتيرة الأحداث منتصف الأسبوع الفائت، ولكن هذه المرة بطريقة مغايرة؛ إذ سلكت منحى القضاء. فقد رفع القائمون على مسيرة «البطون الخاوية» دعوى قضائية أمام محكمة شرق تعز، ضد محافظ المحافظة، علي المعمري. وطالبت مذكرة الإستدعاء، التي حصل «العربي» على صورة منها، محافظ المحافظة أو ممثلاً عنه بالحضور من أجل السير في إجراءات القضية. بدورها، استدعت محكمة شرق تعز محافظ المحافظة، علي المعمري، أو من يمثله، للحضور للرد على الدعوى المقدمة ضده من مسيرة «البطون الخاوية».
وعقدت محكمة شرق تعز الإبتدائية، برئاسة القاضي لطف العزي، الأحد، جلستها الأولى في القضية المرفوعة من قبل مسيرة «البطون الخاوية»، ممثلة برئيس اللجنة الإشرافية، الدكتور عبد الحليم الشميري، ضد المدعى عليه، محافظ محافظة تعز، وذلك بسبب عدم صرف رواتب الموظفين منذ تسعة أشهر. وألزمت المحكمة وكلاء المدعى عليه بالرد على الدعوى، بعد تأجيل الجلسة لمدة أسبوعين. وكانت شهدت الجلسة انضمام العديد من النقابات إلى الدعوى المرفوعة ضد المحافظ.
وأكد فهد العميري، الناطق الرسمي باسم مسيرة «البطون الخاوية»، في حديث إلى «العربي»، أن «مسيرة البطون الخاوية ما زالت تواصل نضالها الحقوقي المدني السلمي، ولم تصل إلى تحقيق أهدافها بعد، لكنها وصلت إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة شرق تعز ضد محافظ تعز علي المعمري تطالب فيها بإلزامه بدفع رواتب الموظفين لمدة 11 شهراً سابقة، وانتظام الصرف في الأشهر القادمة، وقد عقدت المحكمة جلستها الأولى، وألزمت وكيل المدعى عليه بالرد على الدعوى».
ورأى العميري أن «المسيرة استطاعت أن تجعل مطلب دفع رواتب الموظفين تفاعلياً وحياً من خلال الإحتجاجات المستمرة التي تنظمها بين الفينة والأخرى وغيرها من الفعاليات»، مشيراً إلى أن «هناك تواصلاً وتنسيقاً مع النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني، لتوسيع رقعة الإحتجاجات، وتصعيد المطالب، والضغط على الحكومة لسرعة صرف رواتب الموظفين المتأخرة، وانتظام الصرف في الأشهر القادمة».
وعلى الرغم من حالة الغليان هذه، وموجة الإحتجاجات الواسعة التي دشنتها منظمات المجتمع المدني والنقابات والموظفون، إلا أن مراقبين وأكاديميين يتفقون على فقدان الأمل بحكومة «الشرعية»، التي يصفونها بـ«حكومة المنفى فاشلة»، معتبرين أن قضية رواتب الموظفين هي واحدة من وسائل «العقاب الجماعي التي تمارسها حكومة الشرعية ضد أبناء تعز».

You might also like