كل ما يجري من حولك

إعادة إعمار عدن… بـ «الدهولة» فقط!

755

إصلاح صالح:

على أنقاض منزله كان يقف الطفل سامح، لم يجد من معالمه شيئاً. لم تكد والدته تشير إلى منزلهم المدمر، حتى ضرب بكفيه الصغيرين على وجهه قائلاً: «فين بيتنا وفين ألعابي؟!»، ثم اعتلى أكوام الركام وأخذ يبحث بأصابعه عما فقد، لكنه لم يجد إلا حسرة صبغت ملامحه البريئة لينفجر باكياً. تحنّ أم سامح لمنزلها الذي دمرته الحرب الأخيرة، فتقف على أطلاله منكسرة حزينة. فصول الحرب التي عايشتها مع طفلها لم تنل من أرواح سكان عدن المدنيين فقط، بل طالت يدها الأشجار التي تحولت جذورها إلى رماد في باطن الأرض، وكذلك منازل البسطاء. هنا كان منزل سامح، وهناك كان منزل صديقه، وعلى امتداد الشارع بنايات أصبحت أكواماً من الحجارة.
نزوح قسري
أُرغمت معظم الأسر في مدينة عدن أثناء فترة الحرب على ترك منازلها مكرهة بحثاً عن الأمان، بعد أشهر عصيبة أقلقت سكونهم. افترشت حينها تلك الأسر المدارس لأشهر عدة، والبعض غادر إلى خارج المدينة. وبعد انتهاء المواجهات، كانت الحرب قد خلفت خسائر في الممتلكات والأرواح، ودمرت عدداً كبير من المنازل كلياً أو بشكل شبه كلي بحيث أصبحت لا تصلح للسكن، مما اضطر ملاكها للجوء إلى الإيجار. أشهر طويلة مرت على انتهار المعارك ولا زالت معظم تلك الأسر تتكبد فاتورة باهظة لدمار مساكنها.

قرارات ولكن!
بلغ عدد المباني المتضررة التي تم حصرها منذ انتهاء المعارك أكثر من 10428 مسكناً، و25 مرفقاً حكومياً في كافة مديريات عدن. وتحتاج تلك المباني إلى نحو 20 مليار ريال يمني، أي ما يقارب 96 مليون دولار، لإعادة إعمارها، وذلك بحسب الإحصائيات الرسمية. وخلال الأيام الماضية، تم وضع حجر الأساس لمشروع إعادة إعمار ما دمرته الحرب في ثلاث مديريات بمدينة عدن، هي التواهي والمعلا وصيرة، كمرحلة أولى بتكلفة ثلاثة مليار وخمسمائة مليون ريال، وذلك بتمويل حكومي وأجنبي، لكن لم يسلك أي من تلك القرارات سبيله إلى التنفيذ حتى اللحظة.

فرحة لم تكتمل 
لم تمتد فرحة أم عبد الله ببناء منزل في حي الأطباء بخورمكسر والاستقرار فيه مع زوجها وطفليها غير سنة واحدة فقط،؛ إذ إن الحرب أتت عليه، كما أتت على منازل كثيرين. تروي أم عبد الله مأساة ذلك اليوم بحسرة شديدة: «بعد عشرة أيام على انطلاق عاصفة الحزم، زادت الإشتباكات في الحي. كانت الساعة 12 ظهراً. أمرونا بمغادرة المنازل خلال عشر دقائق. خرجنا نحن وجيراننا، لكن كانت الطرق مقفلة. منعونا من التحرك. كان أطفالي يبكون في حالة خوف ورعب. وذهبنا بعدها إلى بيت أهلي بالإنشاءات، وبعد يومين هربنا إلى البريقة…». إنتهت المعارك في عدن، لكن إلى أين تلجأ أم عبد الله وأطفالها؟ فالإيجار أصبح عبئاً ثقيلاً عليهم بعدما باعوا كل ما يملكون لبناء المنزل، ولم يكن أمامهم سوى العودة للعيش بين بقايا المنزل المتهدم.
تعويض مؤقت 
الخالة فاطمة، هي الأخرى، تعرض منزلها لدمار شبه كامل بسبب الإشتباكات التي كانت دائرة في منطقة دار سعد، في مايو من العام 2015. منذ ذلك الحين، تقطن وأفراد عائلتها العشرة في منزل للإيجار. وبينما تكفلت منظمة نرويجية بدفع إيجار ثلاثة أشهر فقط، حُمّلت الخالة فاطمة مسؤولية الدفع لبقية الأشهر، ما حملها على الخروج للبحث عن عمل تسد به رمق العيش، في انتظار تحقق وعود إعادة إعمار منزلها والعودة إليه.

العيش فوق بقايا المنزل 
محمد بن موسى، من سكان مديرية خورمكسر، أدت الإشتباكات العنيفة إلى سقوط الأدوار العلوية للعمارة التي يسكنها فوق منزله الأرضي، ما أدى إلى تدمير جزء كبير منه. وبعد انتهاء المواجهات، عاد وأسرته إلى المنز الذي لم يعد صالحاً للسكن، ومع ذلك بدأوا بترميم جزء بسيط منه من أجل السكن فيه، إلى أن تقدم الحلول لهذه الفئة المتضررة جراء الحرب.

الموت تحت أركام المنزل 
وفي مديرية دار سعد، تسببت إحدى قذائف المواجهات بهدم منزل عائلة الزوقري بالكامل على رؤوس أفراده السبعة، ما أدى إلى مقتل الدكتورة هيفاء الزوقري، وتعرض عدد من أفراد العائلة لإصابات بالغة. تقول الإبنة إسهار: «بعد هدم منزلنا بالكامل انتقلنا للعيش في منزل للإيجار، وكانت هناك وعود بتعويضنا لكن إلى الآن لم تر النور». وفي مديرية المنصورة طالت القذائف منازل عمائر الجيش، واخترقت إحداها سقف أحد المنازل وانفجرت فيه مخلفة أضراراً كبيرة في المنزل، ومزهقة أرواح خمسة من عائلة واحدة، ما اضطر بقية أفراد العائلة إلى العودة إلى قريتهم في محافظة لحج.
إعمار مؤجل 
مئات المنازل والمرافق العامة والخاصة دمرتها الحرب، وتعالت مؤخراً الأصوات المطالبة بتعويض هذه الشريحة من المتضررين والتماس همومهم. ورغم الوعود بإعادة إعمار المنازل المتضررة وتعويض أصحابها، غير أن عملية الإعمار الكلي للمنازل المدمرة بشكل كامل لم تبدأ حتى اللحظة.
You might also like