عدن على صفيح الصراع الإقليمي… والخدمات ضحية أولى

متابعات| العربي| عبد الخالق الحود:
كميات كبيرة من الأسلحة تم نقلها من قصر معاشيق، مقرّ الحكومة الشرعية، إلى معسكر اللواء الثالث – حرس رئاسي في جبل حديد. تحرك ردت عليه الإمارات سريعاً عبر بسط سيطرتها على مطار عدن الدولي، وتسليمه إلى إدارة أمن عدن، في عملية خاطفة استغرقت ساعات، وبغطاء جوي نفذته طائرة «أباتشي» وأخرى من نوع «إف 16»، تحسباً لأي تحرك قد تقدم عليه ألوية الحماية الرئاسية.
وبالفعل، لم تتمكن أي من الوحدات العسكرية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي من تقديم الدعم والإسناد للقيادي، الخضر كردة، المحسوب عليها، على الرغم من مطالبتها إياه المتكررة بالصمود، حتى يتم إسناده بعربتين قتاليتين وسرية مشاة، غير أن أياً من ذلك لم يحدث. إحتمى كردة، الذي تم «فرضه» في المطار كقوة موازية للقوات الموالية للإمارات، داخل إحدى البنايات التابعة للمطار مدى ساعتين بانتظار المدد ولكسب الوقت. أطلق مسلحوه قذيفة «آر بي جي» أصابت جداراً بالقرب من الأحياء المحيطة بالمطار ولم تتسبب بوقوع إصابات.
أثناء ذلك، طوقت قوات «الحزام الأمني» والوحدات المدربة التابعة لإدارة أمن عدن المطار، وقطعت الطرق المؤدية إليه، وأمهلت القيادي كردة والمسلحين التابعين له ساعتين فقط للتسليم. وبعد انقضاء مهلة الساعتين، داهمت قوات مكافحة الإرهاب التابعة لإدارة أمن عدن المطار، وطالبت القوات المتواجدة فيه والمسلحين من جميع الأطراف بمغادرته على الفور، ليسلّم الخضر كردة نفسه وعدداً من المسلحين الذين كانوا يتحصنون معه إلى مدير أمن عدن، شلال علي شائع، والذي قاد العملية بنفسه.
واعتبر كردة، في تصريح أدلى به بعد يوم من أحداث المطار، ما حدث «مسرحية» من قبل جهات لم يسمها، وصفها بـ«المعادية» للرئيس هادي، والتي تحاول «السيطرة على المطار وإفراغه من أي تواجد أمني أو عسكري محسوب على الرئيس». بعد ساعتين من سقوط مطار عدن بيد القوات الموالية للإمارات، كانت قيادات عسكرية وأمنية ووزراء في «معاشيق» يحاولون الضغط على مدير أمن عدن، مطالبين إياه هاتفياً بسحب قواته من المطار، وهو الأمر الذي رفضه شائع، قائلاً: «إن التحالف العربي هو من يفرض سيطرته على المطار، وإن على الحكومة التخاطب مباشرة مع قيادة التحالف بهذا الشأن».
مصادر رفيعة أكدت أن الصلة بين «معاشيق» وبين الإمارات شبه مقطوعة؛ إذ تعتبر الأخيرة أن قرار «معاشيق» مختطف من قبل «الإخوان»، وأن جميع المسؤولين فيه يخضعون لنائب الرئيس هادي، الجنرال علي محسن الأحمر.
لاشك في أن أحداث المطار والتفوق الذي تظهره الوحدات القتالية المحسوبة على الإمارات على الأرض يرجع إلى تعدد ولاء الأطراف المناوئة لها. فهي تتشكل من مقاتلين سلفيين ممن حاربوا في دماج بدعم معلن من حزب «الإصلاح»، وأعداد أخرى من المسلحين المبايعين لتنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة في جزيرة العرب»، وشباب ينتمون الى حزب «الإصلاح» جرى تدريبهم قبل أكثر من عام في مأرب لمدة تجاوزت الـ6 أسابيع، وغالبهم ينتمون إلى مديرية مودية في محافظة أبين.
الكثير من المسلحين الجنوبيين ممن يحملون الفكر السلفي ضمن تلك الوحدات التابعة للألوية الرئاسية، لا تتطابق أجندتهم وأفكارهم مع أدبيات حزب «الإصلاح»، غير أن الدعم الكامل والرواتب الشهرية تُسلم لهم من قبل قيادات عسكرية تابعة لـ«الإصلاح». كما أن عدداً من القيادات الجنوبية – ضمن قوات الحرس الرئاسي – لا تريد خوض مواجهة مباشرة مع الإمارات عسكرياً، بالإضافة إلى أن وجود أعداد كبيرة من العسكريين من أبناء الشمال في ألوية الحرس الرئاسي في عدن يسبب حرجاً كبيراً لـ«معاشيق»، ذلك أن ثمة مزاجاً لا يحبذ وجود عسكريين في عدن من أبناء الشمال، لحساسيات معروفة أفرزتها نتائج الحرب الأخيرة وما قبلها، ولذا تسعى القيادات المشرفة على تلك الألوية إلى إخفاء هذا الأمر وتتجنب إظهاره قدر الإمكان.
على العكس من ذلك، فالجانب الإماراتي يعتمد على وحدات «الحزام الأمني»، مضافاً إليها ألوية عسكرية تابعة لرئيس «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، عيدروس الزبيدي، والقوة الأمنية الموالية لمدير أمن عدن، اللواء شلال علي شائع. وهذه المنظومة العسكرية والأمنية تظهر أكثر تماسكاً وقوة مقارنة بخصومها.
سياسياً، تفرض معادلة القوة على الأرض نفسها على القرارات والخطوات التي قد يتخذها الطرفان المتنافسان في عدن. فمحافظ عدن الجديد، عبد العزيز المفلحي، يقف بين سندان تلك المعادلة ومطرقتها، إذ إنه يعي جيداً أن محاولة «معاشيق» حشره كحليف لها ستضعه في مواجهة مباشرة مع القوة المؤثرة للحراك الجنوبي في عدن، والتي ستعتبره بيدقاً تحركه قيادات في حزب «الإصلاح»، ولن يكون بمقدوره حينذاك العمل في بيئة طاردة كهذه، ولذلك فقد سارع سكرتيره الإعلامي إلى نفي خبر رسمي نشرته وكالة «سبأ» الرسمية، الموالية للحكومة «الشرعية» على لسانه، أمس الأول، يقول بأنه مؤيد لدولة يمنية فيدرالية. وأكد سكرتيره أن رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، قوّل محافظ عدن ما لم يقل، وهو، أي محافظ عدن، ليس مع هذا الخيار.
كما اعتبر مراقبون في عدن تراجع خدمة الكهرباء في المدينة، والتي تصل درجة الحرارة فيها إلى ما فوق الـ30 درجة مئوية، إلى مربع الإنهيار بعد تحسن طفيف طرأ عليها عقب دخول المولدات المقدمة من قطر والمقدرة قوتها بـ60 ميجاوات، ولمدة 3 أيام فقط، مؤشراً آخر إلى أن الأوضاع في عدن ستراوح مكانها، وستبقى الخدمات سلاحاً فعالاً بيد فرقاء «الشرعية»، يحركونه بأي اتجاه شاءوا. غير أنهم يحذرون من أن اللعب بهذه الورقة أمر في غاية الخطورة في مدينة اعتادت طرقاتها التعامل مع الإطارات الحارقة التي يشعلها المحتجون كلما أرادوا إيصال رسالة يقولون إن «معاشيق» لا تسمعها مهما علا صداها، ولكن بإمكان أعضاء الحكومة هناك أن يستنشقوا جيداً ثاني أكسيد الكربون المنبعث من وقع الإحتجاجات، ليبدأوا بالتحرك وإن بالهوينا.