تهجيرُ الشماليين متواصل: ذريعةُ «الإرهاب» تلاحِقُ الأبرياء

متابعات| العربي| عصام القدسي:
وتفيد معلومات «العربي» بأن السلطات الأمنية تحتجز عند مداخل محافظات لحج وعدن والضالع المئات من أبناء الشمال، ولا تسمح لهم بالدخول، في ظل تواصل صمت حكومة الرئيس هادي التي تتخذ من عدن مقراً لها منذ أشهر.
وشكا مواطنون من تعز من أن مكتب النقل السياحي البري، «راحة»، في العاصمة صنعاء، ألغى تذاكر سفرهم قبل انطلاق الرحلة صوب عدن، «حتى لا تتعرض الشركة لأي عراقيل ومعوقات» بحسب ما برّر أحد المسؤولين هناك. كما منعت عناصر أمنية، الأسبوع الماضي، في نقطة خبت الصبيحة عند مدخل عدن من جهة الشمال، المسافرين القادمين من محافظة تعز من دخول المدينة. ووفقاً لمعلومات حصل عليها «العربي»، فإنه تم إيقافهم أكثر من ساعتين، ولم يسمح لهم بالعبور.
وتؤكد المصادر الميدانية أن قوات «الحزام الأمني» المتمركزة عند مدخل محافظة عدن تستخدم لغة عنصرية ضد أبناء المناطق الشمالية عامة وتعز خاصة، كما تقوم بإنزال المواطنين من سيارات السفر على الرغم من امتلاكهم وثائقهم الشخصية وهوياتهم، وذلك في الوقت الذي يكونون فيه بصحبة أسرهم أو برفقة مرضى وأطفال. وتفيد المصادر ذاتها بأنه في بعض تلك الحالات، يتم السماح للمسافرين بالدخول، لكن بعد أن يقوم أفراد «الحزام الأمني» بتفريق الرجال عن عوائلهم لمدة طويلة، والتحقيق مع أطفالهم للتثبت من مطابقة كلام الأطفال لكلام آبائهم. وفي حال بادر المسافرون بسؤال: «لماذا يتم منعنا؟»، يأتيهم الرد: «لدينا توجيهات عليا».
الدكتور إبراهيم جميل يشرح، لـ«العربي» تفاصيل رحلته من العاصمة صنعاء عبر محافظة الضالع إلى عدن، ويصفها بالعناء. يقول: «قررنا نحن أفراد الأسرة، الجمعة الماضية، زيارة والدتي التي أصيبت بجلطة دماغية، وتم إسعافها إلى عدن. مع ارتباكي، انطلقت من صنعاء بالثوب والكوت، أو ما يسمى (الزي الصنعاني) كما هو معروف. كان الأهم وصولنا لإسعاف والدتي، ولم أكن أتوقع أن الملابس التي كنت أرتديها ستكون سبباً في احتجازي أنا والأسرة لمدة تصل إلى أربع ساعات في محافظة الضالع».
ويتابع: «حاولنا شرح الأمر الذي قدمنا من أجله، وتحولنا إلى إرهابيين قدمنا إلى تفجير الصراع في عدن وزعزعة الأمن على حد قولهم. وبعد ساعات من محاولة التواصل مع الوجاهات في المنطقة وفي مدينة عدن، سمحوا لنا بالدخول شرط أن نحضر تقارير طبية، وضمانات من قيادة الحزام الأمني في عدن، فتم إرسال التقارير الطبية واستطعنا العبور من الضالع، وفي نقطة الحزام الأمني عند مدخل مدينة عدن تعرضت للاستجواب لما يقارب العشر دقائق قبل أن يسمح لي بالمرور لنفس السبب، اللبس الصنعاني الذي أرتديه، ووصلنا مدينة عدن عند الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل».
وليست هذه الممارسات وليدة اللحظة في عدن، كما أنها لم تأت حصراً بعد التوترات الأخيرة في المدينة، بل حدثت مثيلاتها خلال الفترات الماضية، حيث وقعت عمليات تهجير قسرية لمواطنين من أبناء المناطق الشمالية معظمهم من محافظة تعز. وبحسب تقرير حقوقي، فإن نحو 1246 حالة تهجير قسري حدثت قبل أشهر لمواطنين يمنيين كانوا يسكنون في مدينة عدن الجنوبية، منهم تجار وأكاديميون وأطباء وحقوقيون، ونساء وأطفال، بينهم ما نسبته 77 في المائة يحملون أوراق إثبات هوية. وخلافاً لما أعلنت عنه سلطات عدن حينها من أن حملاتها تستهدف من لا يملك أوراقاً ثبوتية، أشار التقرير إلى 849 حالة من المهجرين الذين يملكون أوراقاً ثبوتية. وأكد أن عمليات التهجير المستمرة رافقتها سلسلة من الإنتهاكات والممارسات القمعية بحق المواطنين الشماليين.
أضحى مطار عدن الدولي، بعد إغلاق مطارات صنعاء وتعز والحديدة، المحطة الرئيسة لليمنيين للسفر عبرها إلى الخارج، إلا أن تواصل مثل تلك الممارسات يضاعف معاناة المواطنين، ويصعّب عليهم الإستفادة حتى من هذا المنفذ، خصوصاً منهم أبناء تعز كون الأخيرة لا تملك خطاً آمنا لها غير خط عدن. وفي السياق، يرى مدير عام الإعلام في محافظة تعز، في حديث إلى «العربي»، أن «هذه التصرفات لا تخدم إلا الإنقلابيين الذين يرفضون الدولة الإتحادية متعددة الأقاليم، ولا تحقق تلك التصرفات الخارجة عن القانون إلا مشروع البغض والحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وتحقق كل مآرب الإنقلابيين الذين عجزوا خلال عامين من حربهم عن تحقيقها، ليتم تحقيق مثل هذه السلبيات الآن وبكل يسر عبر إخواننا ورفاقنا في الحزام الأمني».
«العربي» حاول التواصل مع السلطات المعنية لطرح الأمر، وجاءه الجواب من رئيس لجنة توحيد «المقاومة الجنوبية»، صلاح الجنوبي، الذي أشار إلى أن «الجنوب يمر بمخاض عسير، ويجب على الإخوة أبناء المناطق الشمالية أن يبتعدوا من أماكن الشبهات حتى لا يتعرضوا لردة فعل أبناء وإخوان الشهداء في المحافظات الجنوبية». وأضاف، في تصريح إلى «العربي»، أن «منع دخول أبناء الشمال في هذه المرحلة هو حرصاً على حياتهم، لأن ثورة الجنوب هي ثورة أخلاق وإنسانية وثورة حياة وليس ثورة قتل وتنكيل». ورأى الجنوبي أن «على أبناء الشعب الشمالي الآن واجب تأييد خيار شعب الجنوب من أجل الحفاظ على ما تبقى من وشائج الأخوة في الدين والعروبة، وفشل الوحدة ليس عيباً، العيب هو أن يستمر قتل بعضنا البعض تحت اسم الوحدة».