يبدو أن المشهد السياسي في حضرموت سيتخذ منحى متشظياً، بعدما كان على وشك الوصول إلى شبه إجماع على مشروع الوثيقة السياسية الخاصة بـ«مؤتمر حضرموت الجامع». فبعد إعلان المحافظ، أحمد سعيد بن بريك، رسمياً، تأييده «المجلس الإنتقالي الجنوبي» المعلن عنه الخميس في عدن بقيادة المحافظ السابق، عيدروس قاسم الزبيدي، بدأت محاولات خلخلة مداميك «المؤتمر الجامع»، عبر تأليب الجناح القبلي ضد المكونات الأخرى، التي اتجهت ببوصلة حضرموت نحو «بندر عدن»، باعتبار الأولى عمقاً استراتيجياً للدولة الجنوبية المنشودة، «من باب المندب غرباً حتى محافظة المهرة شرقاً».
إنقلاب
وأثار الموقف المغاير الذي اتخذه المقدم عمرو بن حبريش، رئيس «حلف قبائل حضرموت»، والذي يشغل منصب الوكيل الأول في المحافظة، إزاء «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، علامات استفهام كثيرة حول رؤية بن حبريش لتوجهات قيادة المحافظة، خصوصاً أنه يشغل منصب الرجل الثالث في هرم السلطة المحلية، بعد المحافظ أحمد بن بريك، وقائد المنطقة العسكرية الثانية، اللواء فرج سالمين البحسني.
فالموقف، الذي وُصف بـ«الانقلابي»، جاء مفاجئاً وعلى خلاف التوقعات، عبر بيان رسمي صادر عن رئيس «حلف القبائل»، الذي قال: «(إن) حضرموت الحضارة والتاريخ داعية سلام وتعايش واحترام للنظام والقانون، والتناغم والتشاور في مجتمعنا في اتخاذ القرار هو السائد والمعبر عن رأي حضرموت، وما دونه لا يعني حضرموت. إن مؤتمر حضرموت الجامع يعكس مواقف حضرموت اليوم انطلاقاً من الشورى في الأمر، وتشهد لحضرموت علاقاتها بالجيران ودول الخليج العربي، ونضمر لهم كل الإحترام والمودة».
واعتُبر البيان معارضة ضمنية من قبل بن حبريش لموقف محافظ حضرموت تجاه الحراك السياسي الذي تشهده محافظة عدن، لاسيما وأن البيان قد وصف موقف بن بريك بـ«الموقف الفردي الذي لم يأخذ بعين الإعتبار مبدأ التشاور بين جميع الأطراف المشاركة في مؤتمر حضرموت الجامع تجاه أية مواقف سياسية طارئة»، ما يشير بالتالي إلى احتمال انهيار «الجامع» بشكل كلي، في حال أصر المقدم عمرو بن حبريش على موقفه من «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، بصفته رئيساً للجنة التحضيرية للمؤتمر الذي يبدو أنه ولد ميتاً.
ففي حال تمت فعلاً إقالة المحافظ الحالي من قبل الرئاسة اليمنية، فمن غير المستبعد أن تتحول حضرموت إلى مسرح جديد للصراع بين أطراف النزاع في اليمن، خصوصاً وأن بيان بن حبريش المقتضب يحمل الكثير من المؤشرات حول إمكانية انفجار الوضع في حضرموت عموماً، بدءاً من مناطق الوادي والصحراء الواقعة تحت سيطرة قيادة المنطقة العسكرية الأولى التابعة للجيش اليمني والموالية لـ«الشرعية».
الطعن من الخلف
وما يعزز السيناريو السابق، وصف اللواء أحمد بن بريك، في بيان صادر عنه الجمعة، المواقف الملوِّحة بالانشقاق عن الإجماع والتوافق الذي شهدته حضرموت عبر «المؤتمر الجامع» بـ«الطعن من الخلف»، إذ خاطب المحافظ المتواجد في أبوظبي حالياً مواطنيه بالعبارات التالية: «الأمور تبشر بخير، وأوضاع البلد في مأمن، لكن ما نخشاه هو الطعن من الخلف، خاصة من قبل أولئك الذين وثقنا بهم ونظن أنهم معنا في خندق واحد من أجل تحقيق أحلام وطموحات وآمال أبناء حضرموت واستعادة أمجاد حضرموت، واعتقدنا بأننا معاً سنمضي قدماً وعلى ظهر سفينة واحدة تحمل معنا تلك الأحلام التي ظل الحضارم ولعقود طويلة من الزمن يحلمون بها وقدموا التضحيات وطوابير الشهداء من أجل تحقيقها».
وتابع بن بريك على صفحته الرسمية في «فيس بوك»: «لا يمكن أن نساوم أو نقبل أي تسويف في القضايا المصيرية التي يطالب الحضارم بتحقيقها، وهذا حق من حقوقهم كفلته كل الأعراف والمواثيق الدولية. ونؤكد بأنه لا يمكن حلحلة الأزمة اليمنية ووقف نزيف الدم وتدمير الوطن إلا بحل الإقليمين، إقليم الشمال وإقليم الجنوب، وعلى أن تكون حضرموت إقليماً داخل الجنوب، وهذا الأمر يتطلب التعاون والمساندة من قبل أشقائنا من قوات التحالف العربي. كما نؤكد أننا لم نخرج عن الإجماع الحضرمي، وهذا هو موقفنا ونهجنا الذي أجمعنا عليه وسطر خطوطه مؤتمر حضرموت الجامع في 22/4/2017م. وانطلاقاً من هذه الرؤية الجمعية، فقد أعلنا تضامننا مع بيان عدن».
«الجامع»
وفي ظل تفاقم الخلافات في أروقة السلطة المحلية في حضرموت، جاء بيان رئاسة «الهيئة العليا» لـ«مؤتمر حضرموت الجامع»، في اجتماعها الإستثنائي مساء السبت، مؤيداً للموقف الذي اتخذه المحافظ، في خطوة لقطع الطريق على محاولات «الشرعية» شق صف المؤتمر واستمالة أبرز قياداته إلى معسكر الرئيس هادي. فالاجتماع الذي دعا لانعقاده رئيس الهيئة، عمرو بن حبريش، للوقوف أمام الأوضاع والمستجدات الراهنة، ومناقشة القضايا التي تختص بالجوانب والأنشطة التنظيمية، جاء مخالفاً للغاية الأساسية من انعقاده؛ إذ اتخذ أعضاؤه موقفاً واضحاً وصريحاً من التطورات السياسية الأخيرة التي كان من شأنها أن تعصف بمصير «المؤتمر» ومساراته في السياسة المستقبلية، سواء في إطار الدولة الإتحادية تحت مظلة «الشرعية»، أو في إطار «المجلس الإنتقالي الجنوبي» في عدن، الذي انحاز إليه البيان بشكل قاطع.
وكشفت مصادر خاصة، لـ«العربي»، أن ضغوطاً كبيرة مورست على المقدم عمرو بن حبريش لثنيه عن اتخاذ أي موقف مخالف لموقف المحافظ بن بريك. وبحسب المصادر، فإن تيار الحراك الجنوبي قد هدد بانسحاب جميع مكوناته من هيئات «المؤتمر الجامع» في حال لم يؤيد المجتمعون الخطوات السياسية الأخيرة لقيادة المحافظة، والتي تمت بتوافق جميع المكونات المنخرطة في هيئات المؤتمر، الأمر الذي دعا بن حبريش إلى نفي معارضته لتوجهات قيادة المحافظة عبر البيان الصادر عنه الجمعة، واتهام وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التابعة لحكومة هادي بتحريف نص البيان بما يتوافق مع سياسة الحكومة.
وجاء ذلك بالتزامن مع تحركات عسكرية لقوات المنطقة العسكرية الثالثة في مأرب، الموالية للجنرال علي محسن الأحمر وتيار حزب «الإصلاح» اليمني، والتي تمركزت بالقرب من مفرق العبر- شبوة غربي حضرموت، بُعيد ساعات من إعلان «المجلس الإنتقالي» في عدن، ما يشير إلى احتمال استخدام القوة لحسم الموقف في محافظة حضرموت، في مواجهة ما تصفه حكومة هادي بـ«الانقلاب الثاني» المدعوم من الإمارات بالتوازي مع «انقلاب عدن».
حراك دبلوماسي
في غضون ذلك، قالت مصادر دبلوماسية يمنية وخليجية إن مجلس التعاون الخليجي رفض طلباً تقدم به حزب «الإصلاح» باعتبار «المجلس الإنتقالي الجنوبي» متمرداً على «الشرعية اليمنية»، فيما كشفت مصادر مطلعة، لـ«العربي»، في الرياض، عن لقاء مرتقب سيعقد بين المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ورئيس «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، عيدروس الزبيدي، في العاصمة السعودية.
وبحسب المصادر، فإن اللقاء سيتطرق إلى مناقشة الخيارات المطروحة لإحلال السلام في اليمن، من خلال مشاركة جميع الأطراف السياسية الفاعلة، بما في ذلك «المجلس الجنوبي» المشكل مؤخراً، «باعتباره الحامل السياسي الموحد للقضية الجنوبية».