كل ما يجري من حولك

ترامب يتبنى الخيار العسكري.. وهذه خطتُه الجديدة للمنطقة

401

 

متابعات| بانوراما الشرق الأوسط| أحمد الشرقاوي:

مطلب واشنطن ورد موسكو..

فشلت زيارة وزير خارجية ترامب ‘ريكس تيلرسون’ لموسكو أواسط الشهر الجاري برغم تأكيد البيت الأبيض أنها كانت إيجابية، وتبين من معلومات روسية أنها ركزت بالأساس على الملف السوري، حيث عرض الوزير الأمريكي على الرئيس بوتين التخلي عن دعم الرئيس الأسد لأنه “شريك لا يعتمد عليه” في إشارة ضمنية لقرار واشنطن بإزاحته، فكان رد بوتين مقتضبا وواضحا: “إننا لا ندعم الأسد لشخصه، بل بصفته رئيسا منتخبا من شعبه، ونعارض تغيير الأنظمة بالقوة”.

تيلرسون وتعليقا على نتائج زيارته لموسكو قال الجمعة في تصريح لمحطة إذاعية أمريكية: “إن العلاقة بين موسكو وواشنطن هي أسوأ مما كانت عليه زمن الحرب الباردة”، وهو ما ردت عليه وزارة الخارجية الروسية بالقول: “إن من يأتي إلى روسيا بالمطالب فهو يقوم بزيارة غير مجدية وغير مثمرة”.

يفهم مما سلف، أن واشنطن تخلت عن مقولة أن الحل في سورية سياسي وقررت ترجيح الخيار العسكري لتغيير المعادلات على الأرض، مراهنة على أن الضربة التي وجهتها لمطار الشعيرات والتي كانت رسالة لروسيا بالدرجة الأولى، ستدفع الرئيس بوتين للتراجع عن دعمه للرئيس الأسد مخافة التورط في مواجهة عسكرية محتملة مع واشنطن، خصوصا وأن لروسيا جنود وخبراء في المواقع العسكرية السورية، وأي استهداف يطالهم ولو بالخطأ المقصود سيستتبعه رد عسكري حاسم.

واستعدادا لأي تصعيد عسكري محتمل، قررت موسكو تجاوز الخطوط الحمراء في مجال تصدير السلاح النوعي لحليفها السوري، وبدأت محادثات جدية بين دمشق وموسكو لتوريد أحدث أنظمة الدفاع الجوي الروسي إلى دمشق، وأحدث الأنظمة وفق ما أشارت إليه مصادر روسية تتعلق بـ (إس 400)، لتكون سورية قادرة على صد الطائرات والصواريخ المجنحة التي قد تفكر واشنطن و”إسرائيل” باستخدامها لاستهداف مواقع الجيش العربي السوري أو غيرها، خصوصا بعد أن استفزتها “إسرائيل” باستهداف مخازن السلاح والذخيرة والوقود قرب مطار دمشق بخمس صواريخ قصيرة المدى، وذلك مباشرة بعد إعلان موسكو أنها أصبحت تتحكم في كامل المجال الجوي السوري، الأمر الذي أدانته روسيا وطلبت من دمشق ضبط النفس كي لا تستدرج لحرب لم يحن بعد وقتها.

خطة ترامب الجديدة للمنطقة

خطة ترامب الجديدة للمنطقة تهدف بالأساس إلى ضرب النفوذ الروسي والإيراني، وذلك من خلال السيطرة على العراق وسورية بقوات أمريكية لفرض التقسيم واقعا على الأرض بمساعدة “الصحوات الجديدة” من مدخل محاربة “داعش”، وهي بذلك تتناسق حد التطابق مع الهدف الصهيوني الذي تعمل على تحقيقه دول “الاعتلال العربي” في المنطقة، الأمر الذي دفع بأردوغان الذي وجد نفسه مستبعدا من الكعكة الأمريكية إلى شن عدوان على الأكراد في العراق وسورية معا، كاشفا بالواضح الفاضح أن أمريكا تريد تقسيم سورية والعراق، وأنه يرفض ذلك ويصر على محاربة معاقل الإرهاب في حدود بلاده الجنوبية والشرقية ضمانا لأمنها القومي.

والخطة وفق ما ناقشه وزير الاستخبارات الإسرائيلية بتفصيل مع دوائر القرار في واشنطن تقوم على خمس نقاط أساسية:

* رفض أي تواجد للقوات الإيرانية وحزب الله في سورية، ومنع إمدادات السلاح من إيران إلى حزب الله عن طريق الجو عبر سورية، واستهداف مخازن السلاح والذخيرة بموقع عسكري بالقرب من مطار دمشق كان لتأكيد هذا السياسة واستمرارها مستقبلا بدعم أمريكي ضمني، ما يعني أن أي رد سوري سيواجه بضربة أمريكية قاسية بمبرر الكيماوي الذي يمكن افتعاله كل ما دعت الضرورة إلى ذلك.

* فرض مزيد من العقوبات على طهران لحملها على وقف المساعدات العسكرية والمالية لحزب الله، وفي هذا الإطار يأتي قرار ترامب مراجعة قرار بلاده الموافقة على الاتفاق النووي بذريعة أنه لا يخدم الأمن القومي الأمريكي ما دامت إيران تمثل تهديدا وجوديا لـ”إسرائيل”، وينتظر أن يتخذ قرارا حاسما بشأن الانسحاب الأحادي منه في ظرف ثلاثة أشهر بعد توصله بنتائج الدراسة التي يعكف عليها حاليا خبراء أمنيون في واشنطن.

* تضييق الخناق على حزب الله بالعقوبات المالية للتأثير على بيئته الحاضنة وداعميه في لبنان، واستفزازه من قبل “إسرائيل” لجره لارتكاب خطأ في التقدير يعطي المبرر لواشنطن ولندن للتدخل عسكريا إلى جانب تل أبيب لوضع حد لتهديد الحزب، باعتباره منظمة “إرهابية” وفق التصنيف الصهيو – أمريكي والخليجي. كما وأن قرار العميل محمود عباس وقف أجور موظفي غزة ورفض تمويل الوقود لمحطة توليد الكهرباء في القطاع يدخل في إطار التعليمات التي صدرت بهدف تضييق الخناق المالي على المقاومة الفلسطينية، هذا في ما يستشف من مماطلة تيار المستقبل للتوافق بشأن قانون انتخابي في لبنان مرده الرهان على وهم المتغيرات القادمة في المنطقة.

* خلق مناطق عسكرية عازلة في الجنوب السوري على امتداد الحدود مع الجولان المحتل والأردن، ومناطق عازلة في الشمال الشرقي السوري وصلا بالشمال الغربي للعراق، ومنطقة في بادية الشام وصولا إلى الحدود الأردنية لمنع إيران من التمدد في العراق وسورية ولبنان، وفي هذا الصدد وقع فجأة انشقاق عدد كبير من المقاتلين الأجانب عن تنظيم “داعش” ما أفقده قوته الضاربة وفق ما أوردته الجمعة صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية، وتتحدث معلومات عن قرار التنظيم باستبدال عاصمة “دولته” من الرقة إلى دير الزور، تمهيدا لانسحاب تكتيكي يسمح للقوات الأمريكية بالسيطرة على الرقة وإعلان انتصار مزيّف على “داعش” لما تمثله الرقة من رمزية في الوعي العام الغربي لارتباطها بالهجمات الإرهابية التي تمت في أوروبا، ويأتي هذا التطور المثير مع الإعلان عن تطويق الرقة وبدأ عملية التحرير من قبل قسد.

* تعزيز مبادرة التعاون (التحالف) الإقليمي بين “إسرائيل” و”السعودية” والأردن ومصر والإمارات وقطر، لخلق قطب سياسي وأمني وعسكري داعم للسلام والشراكة مع “إسرائيل” في مواجهة الخطر الذي تمثله إيران وحزب الله على أمن واستقرار المنطقة بسبب دعمها للإرهاب (المقاومة)، وهدف هذا التحالف ليس التدخل في سورية والعراق في المرحلة المقبلة، بل الاستعداد لمواجهة إيران في حال قررت النزول بثقلها إلى الميدان ضد “إسرائيل” وعملائها في المنطقة، وخصوصا الأردن و”السعودية”.

والتعاون الإقليمي الذي يسعى لفرضه ترامب على أدواته من الأعراب الصهاينة، والذي سوّق له وزير حربه “الكلب المسعور” خلال زيارته المكوكية الأخيرة للمنطقة، يقتضي إنهاء الصراع “العربي الإسرائيلي” لما يعنيه من سحب بساط الشرعية عن المقاومة، وإعطاء سلطة رام الله الحد الأدنى من المطالب الشكلية التي تضمن سيادة “إسرائيل” على كل فلسطين والقدس الشريف، والاعتراف لـ”إسرائيل” بسيادتها على الجولان، مقابل الموافقة على ضم الجنوب السوري وجزء من الجنوب العراقي للأردن لتوطين اللاجئين، وتسليم مصر جزيرتي تيران وصنافير لـ”السعودية” لتحويلهما إلى قواعد عسكرية للطائرات الصهيونية في المواجهات المقبلة خوفا من أن تقوم سورية وحزب الله وإيران بتدمير مدرجات المطارات “الإسرائيلية” لتحييد سلاح الجو الصهيوني من المعركة باعتباره نقطة التفوق ونقطة الضعف القاتلة للكيان، ما سيعطي للصواريخ الكلمة الفصل في حسم الحرب وتغيير جغرافية المنطقة وإنهاء حمامات الدم التي يغذيها هذا الكيان المجرم بالفتن منذ أن زرع في جسد الأمة ولا يزال.

وقد تكون زيارة ترامب لتل أبيب والرياض في 22 من الشهر القادم فرصة للترويج لمؤتمر إقليمي “عربي – إسرائيلي” من أجل تجسيد هذه الرؤية الجديدة، وهناك من يتحدث عن أن ترامب سيقرر نقل سفارة بلاده إلى القدس الشريف بعد الزيارة، وهو ما فهم من حديثه خلال مقابلة مع وكالة رويترز للأنباء الخميس، حيث امتنع عن الإجابة عن سؤال عما إذا كان قد يستغل زيارته للمنطقة لإعلان الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لـ”إسرائيل” بمناسبة الذكرى الـخمسين لاحتلالها، حيث قال ترامب لمراسل الوكالة: “اسألني عن هذا بعد شهر”.

وتحضيرا لزيارة ترامب وما يحضر للمنطقة من مؤامرة، تم عقد اجتماع لوزراء الداخلية والدفاع والخارجية للثلاثي الداعم لـ”إسرائيل” في الرياض الخميس، حيث نوقشت خطة ما سمي بحفظ أمن دول المجلس وزيادة التنسيق بينهم ضد إيران، كما وأن التغييرات التي قام بها العاهر السعودي مؤخرا على مستوى المناصب العليا في البلاد وإنشاء مجلس للأمن القومي تحت إشرافه المباشر، لا علاقة لها بالحراك الداخلي كما أشيع، بل بما ستعرفه المنطقة من اضطرابات ومخاطر بعد بدأ تطبيق خطة التصعيد العسكري الأمريكي وا”لإسرائيلي” في سورية والعراق ولبنان، خوفا من أن تنتقل تداعياتها إلى الداخل”السعودي”.

كما وتتضمن أجندة ترامب القيام برحلة خارجية في نهاية مايو المقبل لحضور اجتماعات حلف شمال الأطلسي في بروكسل وقمة مجموع الدول الصناعية السبع في صقلية، حيث سيعرض على حلفائه الخطوط العريضة لخطته الجديدة ويقف على مدى دعمهم لها.

وقد كان لا فتا تصريح وزير خارجية بريطانيا ‘جونسون’ الذي أعلن الخميس، أن بلاده “مستعدة لمشاركة واشنطن في توجيه ضربات عسكرية محتملة ضد الأسد”، الأمر الذي يؤكد أن لندن في أجواء ما يحضر لسورية والمنطقة، وأنها ربطت مصيرها بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي بمصير الولايات المتحدة، وهذا هو المنطق الاستعماري لـ”ذيل الكلب” المعهود الذي يبتهج كلما قرر سيده خوض مقامرة عسكرية يريد أن يستفيد منها اقتصاديا بالحد الأقصى.

ترامب يفوض “الكلب المسعور” قرار الحرب

في تطور مفاجئ، وخلافا للدستور والقانون، وتجاوزا لصلاحيات الكونجرس، قرر دونالد ترامب منح البنتاغون سلطة تقدير زيادة القوات الأمريكية في العراق وسورية، وهو ما يتعارض مع الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية مع العراق من جهة، ويناقض القانون الدولي بالنسبة للتدخل في سورية من جهة ثانية، وبهذا المعنى، توج ترامب كلبه المسعور العاشق للحروب حاكما عسكريا في العراق وسورية، والغريب أن الديموقراطيين في الكونجرس لم يحتجوا على هذا القرار غير المسبوق في التاريخ الأمريكي، ربما لأنهم يرغبون في أن يتورط ترامب عميقا في المستنقع العراقي والسوري لقيموا الدنيا بعد ذلك ويطالبون بعزله لانتهاكه الدستور والقوانين الأمريكية المرعية.

وتتحدث معلومات من واشنطن، على أن وزير الحرب الأمريكي سيعمد إلى زيادة القوات الأمريكية في العراق وسورية بشكل تدريجي حتى لا يثير حفيظة المعارضين للحرب، وفي حال تم استهدافهم من المقاومة لمنعهم من تطبيق خطة التقسيم سيتم حينها استصدار قرار بالحرب دفاعا عنهم.

وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يعتقد الكلب المسعور أن من شأنها القضاء على حزب الله في سورية والحشد الشعبي في العراق والقوات الإيرانية الرديفة التي تقاتل إلى جانبهما، وبذلك ينهي ترامب الوجود الإيراني ووجود حزب الله في سورية وينهي الحشد الشعبي في العراق، وبذلك يضعف النظام في العراق وفي سورية وتتمكن أمريكيا من بسط قبضتها على البلدين، والمستفيد الوحيد من هذه الخطة هي “إسرائيل” التي يمكنها بعد ذلك التفرغ لمواجهة حزب الله في لبنان بدعم عسكري أمريكي وغطاء سياسي عربي.

وإذا جاز لنا أن نعطي لخطة ترامب عنوانا معبرا على لسان ترامب المجنون، نستطيع أن نتصوره وهو يقول لمن يهمه الأمر: “الشرق الأوسط هو مجال نفوذ أمريكي خالص، ولن أسمح بتقاسمه مع أحد”.

وبذلك نستطيع القول أن ترامب لا يفكر بالفعل في محاربة “داعش” في العراق وسورية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ المنطقة، لأنه يحتاج إليه كما يحتاج إلى “القاعدة” وحلفائها، وإذا كانت دمشق وموسكو يعتزمون التوجه لتحرير إدلب من “المعارضة السورية المعتدلة”، فإن واشنطن قد قررت تحرير الرقة ودير الزور من الإرهاب بالغزو البري.

والسؤال الذي سيطرحه ترامب لإحراج روسيا حينها هو: – من يحارب الإرهاب ومن يحارب “المعارضة المعتدلة” في سورية؟..

You might also like