توقفت صحيفةُ “واشنطن بوست” عند الأنباء المتواترة بشأن “مراجعة” الإدارة الأمريكية الدعم العسكري المقدّم للمملكة العربية السعودية، و”تقليصها” دعمها الاستخباري للرياض، تزامناً مع “توسيع” نطاق دعم واشنطن لحليفتها الخليجية في “مجالات أخرى”، على الرغم من “الانتقادات الحادّة” الموجّهة لـ”الحملة الجويّة التي تتولاها المملكة في اليمن”، مثل عضو الكونغرس الأمريكي، تيد ليو، الذي يعتبر من أشد منتقدي دعم واشنطن لتلك الحملة، كونها “جعلت الولايات المتحدة أقل أمناً”، لا سيما وأنها تعد مشاركة “في ما يبدو أنه جرائم حرب”.
ورأت الصحيفة الأمريكيّة أن منهج واشنطن المستند إلى “سياسة العصا والجزرة”، إنما “يعكس محاولة مسؤولين أمريكيين، ممن لا يبدون ارتياحاً على نحو متزايد إزاء دعم عمليّة حظيت بإدانة واسعة من قبل جمعيات حقوق الإنسان، للنأي بأنفسهم عن حرب اليمن دون التسبب بعزل حليف أساسي في الشرق الأوسط”. وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي رفيع رفض الكشف عن اسمه قوله “يجدر بنا الحرص على عدم التخفيف أو التقليص من الأشياء التي تخدم مصالحنا، لدى محاولتنا التخفيف من الأشياء التي لا تخدم مصالحنا” معلّقاً على قرار إدارة الرئيس أوباما تجاه الرياض بوصفه “إجراء تصحيحياً، وليس إجراء عقابياً”. وأضاف المسؤول الأمريكي للصحيفة أنه “بعد أشهر من المداولات، توصّلت الإدارة إلى مجموعة من الاستنتاجات المؤقّتة والمرحلية، تشمل قراراً بتقليص تبادل المعلومات الاستخباريّة التي تعتقد الولايات المتّحدة أنها قابلة للاستخدام في تنفيذ ضربات جويّة إشكالية مماثلة” للغارة الجوية على صنعاء في أكتوبر الفائت، والتي راح ضحيتها أكثر من مئة شخص، مع تأكيده على أن “المسؤولين الأمريكيين سوف يواصلون، أو حتّى يزيدون من وتيرة تبادل أنواع أخرى من المعلومات الاستخباريّة” بشأن أهداف مثل “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، أو “الحوثيين” حين يتعلق الأمر بـ”مخاوف سعوديّة مشروعة” تراها واشنطن من “عدوانية” الجماعة، التي “شنّت العديد من الهجمات المتكرّرة عبر الحدود السعودية اليمنية”، والتي “يشتبه بعلاقتها بإيران”.
وأوضح تقرير الصحيفة، تحت عنوان “مع بعض التغييرات الصغيرة… الولايات المتحدة تبقي على دعمها العسكري للسعودية على الرغم من الانتقادات الحادة بشأن المذبحة في اليمن”، أن “التغييرات المتواضعة” تنطوي على “اعتراف بأن محاولات الولايات المتحدة لحث السعوديين على ضبط النفس بشكل أكبر، قد باءت بالفشل”، وتعكس إجراء توبيخياً يمس “هوامش” علاقات عسكرية مع الرياض، “ذات وظيفة محورية في تحقيق أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، وهو ما تبرزه “خدمة أبحاث الكونغرس”، بشأن “صفقات أسلحة” جرى عقدها بين واشنطن والرياض “في الفترة الممتدة بين عامي 2009 و2015 بقيمة 58 مليار دولار”.
من جهة أخرى، وعلى خلفية دعوات المنظمات الحقوقية المتكرّرة لوقف بيع الأسلحة إلى الرياض، لا سيما الأمريكية الصنع، بعدما ظهر العديد منها في أماكن مدنية استهدفها طيران “التحالف” في اليمن، أشار تقرير الصحيفة، الذي أعدّته ميسي رايان، إلى أن “الولايات المتحدة قرّرت التخلّي عن خطط بيع أنظمة أسلحة موجّهة عالية الدقّة بقيمة 390 مليون دولار للمملكة العربية السعودية”، و”سوف تقوم بإعادة تنظيم وتعديل (برامجها) لتدريب سلاح الجو السعودي”، في محاولة منها لإيجاد الحلول لـ”بعض المشاكل الهيكليّة، والكامنة في إجراءات (تقنيات) التهديف” بحوزته، فضلاً عن “إبقائها على عدد قليل من العناصر العسكريين الأمريكيين العاملين في مركز قيادة العمليات في الرياض”.
وتابعت الكاتبة، نقلاً عن المسؤول الأمريكي الرفيع، بالقول إن السعوديين سوف يكونون أمام خيارين: إما “أخذ تلك الإجراءات على محمل الجد، والاستماع أكثر” إلى نصائح واشنطن، أو تقبّل فكرة أن الأخيرة ” لن تقوم بتقديم الدعم لهم في بعض ممارساتهم” غير المقبولة من قبلها، معرباً عن أمله في أن لا يبدو الأمر كـ”بادرة عدائية” تجاه المملكة العربية السعودية. أما برايان كاتوليس، الباحث في “مركز التقدّم الأمريكي”، فقد رأى أنه “من غير المرجّح أن تؤثّر الخطوة (الأمريكية) على السلوك السعودي، أو أن تسهم في تغيير مجرى الصراع الدائر في اليمن”، معتبراً أن “إجراء تحوّلات في السياسة، على غرار قرار إدارة أوباما بتعليق المساعدات العسكريّة لمصر عام 2013، من شأنه أن يرسل رسالة مشوّشة، وسوف ينتهي إلى حد تبديد نفوذ أمريكي محتمل في التخاطب (مع السعوديين) حول كيفية العمل معاً للدفع قدماً بمصالحنا المشتركة، مثل الاستقرار في اليمن”، خصوصاً وأن “صعوبة” وقف الولايات المتحدة دعمها للعمليات العسكرية لـ”التحالف” في اليمن، ظهرت جليّاً من خلال إبقاء واشنطن على مد الأخير بخدمات لوجستية واستخبارية، إمدادات تسليحية مختلفة، تعتبر “عنصراً أساسيّاً” لجهود “التحالف” في ذلك البلد.
إلى ذلك، أوضح المسؤول الأمريكي لـ”واشنطن بوست” أن “المراجعة” التي أجرتها الإدارة الأمريكية الحالية، فيما يخص دعم “التحالف”، لا تتطرق إلى ذكر “عدم قانونيّة” الغارات الجوية السعودية، كما تزعم العديد من تقارير المنظمات الحقوقية التي تتهم طيران “التحالف” باستهداف مرافق طبيّة، ومدارس ومنشآت مدنية أخرى، فيما تساءل كريستيان بيكرلي، الباحث في منظمة “هيومن رايتس ووتش” للصحيفة عن “عدد الغارات الجوية غير القانونية التي يجب أن تحصل” في اليمن، قبل أن تبادر الولايات المتحدة إلى فعل شيء والقول إن ذلك يعد أمراً “غير مقبول”، وأن واشنطن “لا تريد المخاطرة بالتورّط في هذه الغارات”. وفيما قرّر البيت الأبيض “التخلي عن إحدى صفقات بيع الأسلحة” مع الرياض، فقد أبلغت وزارة الخارجية الكونغرس الأسبوع الماضي، بعزم الإدارة بيع المملكة العربية السعودية 48 طائرة من طراز “شينوك” بقيمة 3.5 مليار دولار، بغرض “استخدامها داخل المملكة، وليس في اليمن المجاور”، وفق مسؤولون أمريكيون.